المصالحة الخليجية ومفاعيلها، التي بالكاد بدأت، ما هي الا تذكيراً جديداً بالأساسيات التي يحلو للبعض تجاهلها، لمصلحةٍ أو لهوى، أو يلتهي عنها بالصغائر وخرافات الهوية وعراكات الأزقة. الأساس هنا هو أن ممالك وامارات الخليج (بعيدا عن الحزازيات المحلية بينها ومعارك «تويتر» والكراهية بين العائلات) تتشابه أكثر كثيراً مما تختلف، وتحكم سياساتها في الميدان الخارجي عوامل بنيوية، هي التي تحدد – على المدى البعيد – سلوكها تجاه المشرق وفلسطين، وامكانية وسقف التعويل عليها.
هذه المحددات تنطلق من المهمة التي تؤديها هذه «الدول» في الاقتصاد العالمي، ومن الاتفاقات الاستراتيجية مع اميركا، ومن مصلحتها البديهية في تكريس الوضع القائم والحفاظ على التقسيم الحالي للثروة. دور المال النفطي بالنسبة الى الاقتصادات الغربية هو المهم، والذي ينبغي التركيز عليه، وليس المال الذي يُنثر على الاعلام والثقافة في المنطقة (والذي، لو جمع كلّه، يبقى «فراطة» امام مصالح أية شركة نفط عالمية في ثروات الخليج).
لن يكون من الغريب، بالمناسبة، أن يتصالح المعسكر الخليجي الجديد مع سوريا وحزب الله، فهما – على عكس السلفية المتمردة و»الاخوان» – يملكان قوة حقيقية على الأرض، وأنظمة وقدرة عسكرية، وليس بالامكان دهسهم والغائهم. قد يفضّل الخليج مستقبلاً التعايش معهم على مواجهتهم؛ ولكن هذا لن يغير في الأمر شيئاً.
لدينا معسكرٌ من دول تجمعها، كلها، علاقات مع اسرائيل، تزداد قوة وعلنية يوماً بعد يوم؛ وهي كلّها ــــ مهما فعلت ــــ تلتزم عدم دعم أي جهدِ عسكري مباشر ضد الكيان الصهيوني، أو قد يؤدي الى مقتل جنود اميركيين (المواطنون العرب قصة أخرى). وبمعنى يشابه البقاء تحت سقف القانون الاميركي ضد «الارهاب»، على عكس سنوات الثمانينيات حين لم تكن هذه الضوابط موجودة ولم يكن للتغلغل السعودي حدود ــــ ولعل هذا هو العامل الوحيد الذي يمنع الخليج من الهيمنة، مجدداً، على بنية وفكرة «المقاومة» من الداخل.
هذه الشروط والحدود يجب أن تظلّ حاضرة أمام أهل المنطقة وهم يتفكّرون في مصالحهم ومستقبلهم، وبخاصة من افترض، مثلاً، أن «الجزيرة» هي انشقاق على الاعلام الخليجي، فيما هي ليست الا تعبيراً عن شقاقٍ ضمن نسيج هذا الاعلام نفسه. أو من توهّم، على حدّ قول سيف دعنا، أنّ بامكان حركة نضالٍ في الاقليم أن تتجاهل أهمية سوريا وتعاديها، أو أن تستبدلها بقطر.
هذا الكلام لن يصنع فرقاً بالنسبة الى تيار معتبر من النخب المشرقية (منهم «اخوان» وغيرهم) ألقى مرساته في عواصم النفط، وزرعت فيه عقلية الخليج بذورها، فصار يرى الأمور من منظارها. وقد يثبت لنا المستقبل، مثلاً، انّهم مهما فعلت بهم السعودية وحلفائها، فإن حقدهم على النظام السوري وحزب الله، الذين لم يؤذوهم في شيء، سيظل أقوى بما لا يُقاس من عدائهم لمن ضربهم في كلّ بلد، ووقف مع اسرائيل ضدهم، وقتل شبابهم في شوارع مصر وساحاتها.