قامت دولة إسرائيل، منذ نشوئها، باستقاء شرعيتها ككيان استعماري في الشرق الأوسط عبر حجّة الديموقراطية الزائفة، فأعطت العرب «حق» التصويت لتذهب به إلى المحافل الدولية، وتتباهى بأنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.فهِم الفلسطينيون القابعون تحت الاحتلال هذه اللعبة، وباتت مقاطعة انتخابات الكنيست شعبية، إذ وصلت نسبتها إلى ما يقارب 50% (طبعاً من دون أن نشمل عملية تزوير النتائج، التي سترفع نسبة المقاطعة).

رفض الفلسطينيون تشريع الكيان الإسرائيلي رموزه، وما لذلك من إسقاطات لشرعية إسرائيل عالمياً. كما رفضوا التجزئة وشرذمة الشعب الفلسطيني، التي يحاول هذا الكيان فرضها عليهم بتفكيكهم إلى جماعات جغرافية وسياسية، قائلين بصوت واضح: مصير الفلسطينيين واحد.
إنّ نسبة المقاطعة المتصاعدة سنة بعد سنة تثير قلق إسرائيل وأعوانها، ولذلك حاولت إسرائيل في هذه الانتخابات رفع نسبة التصويت لدى العرب، لتغطي عورتها. لذا قام إعلامها (صحيفة «هآرتس» تحديداً) بنشر مقالة باللغة العربية، ولأوّل مرّة، مخاطبة بذلك العرب، وتدعوهم للتصويت بنبرة كولونيالية استعلائية تقتصر على الكذب وتشويه الحقائق. كما قامت بإنشاء صناديق و«مراكز للديموقراطية» تنشر استطلاعات غير موضوعية، وتحثّ العرب على التصويت (كصندوق إبراهيم (كيرين أفراهام) والمركز الإسرائيلي للديموقراطية).
في تاريخ 20/1/2012، نشرت جامعة الدول العربية بياناً تدعو فيه فلسطينيي 48 إلى المشاركة والتصويت بالانتخابات، وبذلك تساهم بالعمل ضد إنجازات حركة مقاطعة الانتخابات الشعبية، والتي تستقي قراراتها وشرعيتها من الشعب أولاً.
ما زلت أحاول فهم سبب هذا النداء الذي يعترض على قرارات الشعب: قد يكون بسبب العلاقات الشخصية لبعض الأحزاب العربية المشاركة بالانتخابات ببعض الأنظمة الديكتاتورية العربية المهيمنة في تلك الجامعة. وقد يكون لتنسيق خفيّ بين إسرائيل وتلك الجامعة، التي تدّعي أنّها عربية. عبر هذا البيان، تساهم جامعة الدول العربية في ترسيخ وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتعترف بشرعية الكنيست الإسرائيلي وحكومة الكيان الصهيوني التنفيذية وهيئته التشريعية. فتشرّع جميع قرارات العدوان والمجازر، التي ارتكبت بحق شعبنا العربي عامة والفلسطيني خاصّة، التي خرجت من منبر الكنيست ومستقية شرعيتها من التصويت الذي تدعو إليه جامعتنا/جامعتهم، كما وتضرب أنجع آليات النضال الفلسطيني، وهي مقاطعة الكيان الإسرائيلي والصهيونية محليّاً واقليمياً.
ليس هذا فحسب، فجامعة الدول العربية، في بيانها، تعترف بديموقراطية إسرائيل رغم زيفها، وتلغي مفهوم الاحتلال والتطهير العرقي. وتحوّل نضال الفلسطينيين إلى صراع مواطنة لا احتلال في حيّز «الديموقراطية» الإسرائيلية.
وقد يخطئ القارئ بالتحليل عند قراءة البيان، ويعتقد أنّ للفلسطينيين إمكانية التأثير على مجاري الانتخابات وقراراتها العنصرية بحق شعبنا الفلسطيني. ننقض هذه الحقيقة بقانون يهودية الدولة، وهو قانون أساسي في إسرائيل يحلّ محل دستورها، حيث فسّرته محكمة العدل العليا في إسرائيل (وهي الهيئة المسؤولة عن تفسير القوانين) بثلاثة عوامل: رموز الدولة اليهودية، علاقة إسرائيل بيهود العالم (وتنكّرها للاجئين الفلسطينيين طبعاً) والأغلبية اليهودية. ذلك يعني أنّ الفلسطينيين داخل 48، وفي نطاق «الدولة»، كانوا وسيبقون أقلية حسب القانون وقواعد اللعبة، ولذلك لن يستطيعوا تمرير أو صدّ القوانين العنصرية حتّى لو صوّتوا جميعاً. من السّهل إثبات ذلك عبر جميع القوانين العنصرية التي تمّ تمريرها على مرّ السنين رغم تواجد أعضاء الكنيست العرب، وبالمقابل فشل أعضاء الكنيست العرب بتمرير أيّ قانون يمثّل مصلحة الفلسطينيين والعرب.
وهذه الدعوة إلى التصويت تساهم في شرذمة شعبنا الفلسطيني والعربي، وهنا المفارقة حيث إنّ هدف «الجامعة» هو جمع العرب، لكنها بدعوتها إلى التصويت تطلب منّا ــ فلسطينيّي 48 ــ أن ننصهر في كيان نقيض لهويّتنا، طهّرنا عرقياً، ويجبرنا في قواعد لعبة انتخاباته بعدم المساس «بيهودية الدولة»، فتجعلنا بدل أن نكون شعباً فلسطينياً واحداً جماعات متفرّقة سياسياً وجغرافياً.
في بيانها، تبدي جامعة الدول العربية قلقها من اعتلاء اليمين الصهيوني عرش الحكومة. أولاً من يتابع الانتخابات الإسرائيلية يعرف أنّ اعتلاء اليمين الصهيوني مؤكّد ويحظى بالأغلبية دون علاقة بتصويت الفلسطينيين. ثانياً، لا فرق بين يمين ويسار صهيوني ــ فالصهيونية حركة يمينية في طبيعتها ــ وإن راجعت جامعة الدول العربية التاريخ لرأت بأم عينيها أنّ من قام بأبشع المجازر بحق شعبنا الفلسطيني كان اليسار الصهيوني لا اليمين.
يبدو أنّ الجامعة العربية باتت تشكّل خطراً على شعبنا ووحدته، لاسيّما في ظلّ المواقف المشتركة التي لا يمكنكم إلا ملاحظة تتاليها، بالتماشي مع مصلحة إسرائيل إقليمياً ومحلياً.
* كاتب فلسطيني