يعدّ الإضراب عن الطعام وسيلة إرادية للمقاومة السلمية، وأداة ضاغطة على صناع القرار، حيث يمتنع الأسير فيها عن تناول الطعام كعمل من أعمال الاحتجاج السياسي أو لتحقيق هدف محدد. والاضراب عن الطعام يكون عن المأكولات فقط دون السوائل أو المياه. من الناحية الطبية، يقوم الجسم باستخدام الطاقة الممتدة من الغلوكوز، ليبدأ الكبد بمعالجة الدهون في الجسم، وتسمى هذه العملية «الكيتوزية». وبعد ثلاثة أسابيع يدخل الجسم في وضع الجوع، وهذه الحالة تنقص العضلات والأجهزة الحيوية في الجسم للحصول على الطاقة، وأيضاً تتسبب في فقدان نخاع العظم الذي يهدد حياة الإنسان.
لقد استُخدم الإضراب عن الطعام وسيلة من وسائل الاحتجاج في إيرلندا ما قبل المسيحية، حيث كانت تعرف باسم «troscadh» أو «Cealachan» وكانت ثمة قواعد محددة للإضراب عن الطعام في ذاك الوقت، وفي كثير من الأحيان يكون الإضراب عن الطعام أمام منزل الجاني، إذ يرجع هذا إلى الأهمية العالية في حسن الضيافة آنذاك، حيث يعدّ السماح للشخص المضرب عن الطعام بالموت أمام المنزل عاراً كبيراً لصاحب هذا المنزل. ويقول آخرون إنّ هذا الإضراب يكون فقط لليلة واحدة، حيث ما من دليل في إيرلندا يدلّ على موت المضربين عن الطعام. أما الهدف الأول للإضراب، فكان استرداد الديون أو الحصول على العدالة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الحكومة الهندية ألغت هذا الحق (الاضراب أمام منزل الجاني) عام 1861.
ومن أمثلة العصر الحديث، المهاتما غاندي، الذي يعد أبرز من استخدم هذه الوسيلة في معتقله عام 1922 إبّان الاحتلال البريطاني لبلاده، وبعض الأسرى الفلسطينيين المعتقلين دون تهمة ودون محاكمة كالأسيرة هناء الشلبي، والأسير المحرر خضر عدنان، الذي استمر في اضرابه عن الطعام 66 يوماً على التوالي، والأسير سامر العيساوي المضرب عن الطعام منذ 1 آب 2012، والذي توقف عن شرب المياه من يوم الجمعة الفائت.
والإضراب عن الطعام نوعان: النوع الأول الاضراب المحدّد المدة، ويمتد إلى أيام معدودة (يومين أو ثلاثة أيام). والنوع الثاني، الإضراب غير المحدد المدة، أو الاضراب المفتوح، وهو قرار خطير يجب على الأسير التفكير فيه جدياً، لأنّه يمتد إلى أيام طويلة قد تصل إلى 70 يوماً أو أكثر.

مسؤولية الدول

ترى الدول أنّها تقوم بواجباتها القانونية والانسانية عبر تقديم الغذاء إلى الأسرى المضربين عن الطعام، وهي تتذرع بعدم مسؤوليتها عن كل ما يلحق بهم من أضرار جسدية أو حتى الوفاة، لكون الإضراب عملاً إرادياً يمارسه الأسرى أنفسهم بالامتناع عن تناول الأكل، الأمر الذي يؤدي إلى رفع مسؤوليتها، إلّا أنّ مسؤولية الدول المفترضة في هذه الحالات، أهمها:
_ أن يكون سبب الاضراب عن الطعام ناتجاً عن مخالفة الاتفاقيات والمواثيق الدولية (خطفه بدل وقوعه في الأسر مثلاً) والقوانين والأنظمة القائمة.
_ أن يكون المضرب عن الطعام تحت إشراف سلطاتها المختصة مباشرةً.
_ عدم تقديم الرعاية الطبية وانعدام المتابعة الصحية: وهي ما أشارت إليها المواد 29 إلى 32 من اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، المؤرخة في 12 آب 1949، وكل ما يلزم للحفاظ على صحة الأسرى.
ومع تقدم دور وقواعد القانون الإنساني، فإن العدالة تقضي وجوب اهتمام الدول بالوضع الطبي للمضرب عن الطعام تحديداً من خلال مراقبة وضعه الصحي عن كثب، ومدى خطورته وتدهور حالته وتقديم العناية اللازمة له، ونقله إلى المستشفيات للعلاج، حتى لو اضطرت، أيضاً، إلى انهائه بالقوة عبر استخدام طرق التغذية الجبرية مثل توصيل أنابيب الطعام إلى المعدة أو تعليق الأمصال لمنع جفاف الجسم.
_ إهمال أو عدم النظر في الشكاوى التي أدت إلى الإضراب: نصّت اتفاقية جنيف الثالثة، تحديداً المادة 78 منها، على أنّ «لأسرى الحرب الحقّ في أن يتقدموا للسطات العسكرية التي هم تحت سلطتها مطالبهم في ما يتعلق بأحوال الأسر الذي يخضعون له. ولهم أيضاً حقّ مطلق في توجيه مطالبهم إلى ممثلي الدول الحامية، إما من خلال ممثلي الأسرى أو مباشرة إذا رأوا ضرورة ذلك، بقصد توجيه نظرهم إلى النقاط التي تكون محلاً لشكواهم بشأن نظام الأسر»، وتنفيذ المطالب المحقة.
_ منع الأسرى من مقابلة ممثليهم أو الجهات الدولية المختصة كالصليب الأحمر الدولي للاطلاع على أحوالهم، ومدى تحقق مطالبهم المشروعة، ومعاملة السلطات لهم.
_ أن يكون الإضراب عن الطعام قد تسبب في أضرار عقلية، نفسية، أو جسدية.
في حال تحقق هذه الشروط، تقوم المسؤولية القانونية على الدولة سواء من الناحية الجزائية (محاسبة المسؤولين فيها)، المدنية (التعويض)، أو الاثنتين معاً، وخاصة في حال موت المضرب عن الطعام.

طرق تحقيق المطالب

من أجل تحقيق مطالب الأسرى المضربين، يجب أن يواكب ذلك عدد من الأمور التي قد تسرع في تحقيق الهدف من الاضراب، أبرزها:
الاتفاقيات الدولية: تضمنت اتفاقيه جنيف الثالثة في المواد 79 - 80 - 81 بعض الحقوق الدولية التي أعطيت للأسرى من خلال انتخاب أشخاص تمثلهم، وتشرف على تحسين أوضاعهم البدنية والمعنوية والذهنية، وزياراتهم الدورية للاطلاع على أوضاعهم وسماع شكواهم والدفاع عنهم.
دور دولة «الأسير»: يجب عليها متابعة الوضع عن كثب، والتوجه إلى المحافل الدولية والمحاكم الدولية (إذا لزم الأمر خاصة في حال وجود جريمة دولية) وهيئات الإغاثة الدولية ودول القرار، والاطلاع على التقارير الخاصة الواردة، والمطالبة بتوفير المطالب المحقة لحين استعادته مجدداً.
الضغط الاعلامي: يجب الإضاءة على مطالب الأسرى المحقة وتكثيف العمل الاعلامي عبر إقامة الندوات، وتوزيع منشورات، وحلقات التضامن والحوار التلفزيونية.
التحرك الشعبي: يبرز من خلال الاعتصامات والتظاهرات السلمية أمام مقارّ الأمم المتحدة ومكاتبها، ومراكز الصليب الأحمر الدولي، وسفارات الدول المعنية في دولة الأسير أو الدول الأخرى.
وفي خلاصة القول، نضيء على بعض النقاط: إنّ اللجوء إلى الإضراب عن الطعام وسيلة فعالة للفت الأنظار بطريقة انسانية لإيصال الصوت إلى العالم، وخاصة مع ما نشهده من تطور وتقدم تنكنولوجي في مجال الاتصالات.
وليس من المتصور قيام أحد باعتماد طريقة «الموت البطيء» من أجل مطالب غير ملحّة او محقة تستحق. وإنّ من يقوم بالاضراب عن الطعام هم أسرى الدول الضعيفة لعجز دولتهم عن استعادتهم بغير منطق القوة.
* باحث في الشؤون القانونية