إلى يوسف سعادة
يوم استقلتُ من موعد الطائرة البعيد، وعدتُ الى قرية الجرد العالي أرعى قطيع القلب بين سهل كفّه وتلّة كتفه قصيدة! عين الشعر عليها!
إلى هنا، عدتُ سفراً متوّجاً بالطرقات التي تربط قرانا بشجرٍ يلوّح إلى المارّة. شجراً أعرف أسماء ترابه وعرق زارعيه قبل رتبة الغابة. ستُّ سنوات وأنا أروي حكاية وجعي إليّ! كأنّ حجر اللّيل تحت سقف عينيّ يجلس كلّ مساء. كانت الاستقالة تائبة بالكامل، تفرد في نفسي زاوية صغيرة أدوّن عليها اعترافاتٍ حطّت على رأسي كعصفور ميت فوق غصن مكسور.
إلى هنا عدت، فحبيبتي نائمة وأنا ليلها. حبيبتي مساحتي الخضراء من روحي إلى الحياة، عانقتُ صوتها فصار طائرة ورق الصدى أجمل شكل لخيطان الهواء. غدًا الى أوستراليا، وفي «صرّتي» سرّان : امرأة العودة وكتاب أبحرتْ فيه يداها! و«صرّتي» ما زالت عالقة ببالي، زيتاً لشمعة «مار ماما» وبخور مبخرة الضباب في أودية صلاتي.
غداً، الناس هناك، أفواج السلامات المحبّة. أحَبّوا قصائدي وأحبّتْهم، صوّرتهم رعيان الجراح ونواطير الذكريات الملهمة.
غدًا إلى أوستراليا يا موعد الطائرة القريب. والسفر هذه المرّة أشبه بسفر اليد إلى فنجان قهوتها في إهدن، لأنّ الوزير السابق يوسف سعادة أحبّ السياسيين إلى شرفة قلبي في طاقة الأمل والنقاش والحوار.
يوسف سعادة مرّة ثانية إلى «المقلب الثاني»، على متن الرحلة نفسها. الثلاثاء مساء نترك بيروت متّكئة على بساط موجتها وهي تضع قبّعات البيوت المبلّلة بسلام المسافرين.
وبيروت تعرف سعادة وتشهد له مثلنا بأنّه لا يؤمن بالتخبّط السياسي والتنكيل بالآخر، ولا بعشوائيّة الشاشة وبالونات قبائلها وهياج أصواتها، بلْ يؤمن بما نفاخر به من هدوء للمعرفة وكسر طواحين الانتقام.
من هنا، جاءت الكتابة غيمة جادت على صحرائي. والكتابة تُحدثُ حلماً يتمشّى بينك وبينك، وأجمل ما فيها حرّية جمالها وبعدها العميق.
يوسف سعادة النابض في شرايين «تيّاره»، والمسافر بالتوافق، هو أعزّ الوقت إلى صباح المقهى خلف زجاج الماء في «بنشعي». أعزّ الصباح لي، يطلع على أطراف أصابعه حبق الكلام الأخضر، ويسترجع صوراً غابتْ في الماء ليرسم مستقبل مدينة انحفرت صلاة دائمة، وأيقونة شمس على صدر تراثها وأجيالها. هناك في المقهى المجاور لوضوح المواقف نترك حكايانا خبز طيور شتائيّة.
غداً إلى أوستراليا يا معالي الوزير السابق. فكيفما تتلفّت هناك تجد مساحة من أوجاعنا، وشيئاً من أحلامنا ومن هموم الزوايا في المزهريّات المتكسّرة إلى آخر البحر. هناك وأنتم تكتبون أغنيات الأعراس كي أبدأ، وأغنيات الوداع لألمّ وجهي، وترسمون ساعة اللّقاءات بالأحبّة تحت مظلّة الفضاء وعين اللّه، نراكم غداً... فَهَلْ لي بمحرمة صغيرة؟!
جرمانوس جرمانوس