فرنسا في أزمة، وكذلك بقية أوروبا، فقبرص ما هي إلا حلقة جديدة (قبل الحلقة اللاحقة) من هذه الدوّامة الجهنمية: ها نحن نشهد اهتزازاً في النظام المالي، وحالة تقشف مفروضة على الشعوب باسم صرامة لا تمسّ بالمصارف والأثرياء، لكن البطالة ما زالت تتزايد والمعاناة ما انفكت تشتد.لكن إياك أن تحتار، فالخطر الحقيقي الذي نواجهه والذي يهدد هويتنا وسبب وجودنا، ويشعرنا أننا فقدنا بلادنا، لا يتمثل برجال المال والسياسة، لكن بالمسلمين، بهؤلاء الغرباء «الملعونين»، «الموبوئين» مصدر كلّ شرّ. وهنا لا نتحدث عن الأديان على نحو عام، إذ تكفي ملاحظة التقدير البالغ والاحترام اللذين استقبل بهما البابا الجديد، فهنا نتحدث عن ديانة محددة، الإسلام. هذه الديانة تختلف على نحو تام عن المسيحية التي سمحت بالعلمانية (الجميع يردّد هذه الكلمة دون أن يفهموها حتى، والصيغة هي «ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه»، كأنّ تاريخ المسيحية التزم دائماً بهذه الحكمة). ولحسن الحظّ، وعلى عكس النخبة، يفهم عامة الشعب جيداً وجود هذا التهديد، فيطالب بإجراءات وقوانين وعقوبات، وبالطبع علينا الاستماع إليه. هنا لا نتحدث عن الديماغوجية الشعبية. فإن طالب الرأي العام غداً بإعادة تنفيذ عقوبة الإعدام، فلنصوت إذاً على قانون لإعادتها.
بالفعل، توجّه الرأي العام لا يدعو إلى الطمأنينة، وسرعة خفقانه تثير القلق تجاه المسلمين، وقد ظهر ذلك بوضوح في التقرير الأخير الصادر عن اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان. وكما جاء في صحيفة «لو موند» (عدد 21 آذار) «الأعمال المعادية للمسلمين تتزايد للسنة الثالثة على التوالي»:
«بحسب رئيسة اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان كريستين لازيرج، كافة هذه المؤشرات هي انعكاس لأوضاع مختلفة. وهي تقول «بالنسبة إلى معاداة السامية، باتت الأسباب متغيّرة الآن»، إذ إنها تربطها بقضية مراح (الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح الذي قتل 7 أشخاص، بينهم 4 في هجوم على مدرسة يهودية) في آذار 2012، والهجوم على متجر للمأكولات اليهودية الحلال في سارسيل في أيلول 2012. وتقول إنّ الأعمال المعادية للأسلام التي أحصيت منذ عام 2010، تثير القلق أكثر. وتتابع «نتحدث عن ظاهرة أكثر بنيويةً، لأننا نلحظ هذا التزايد منذ ثلاث سنوات متتالية. عددياً، لا تزال الأرقام منخفضةً، لكنها لا تظهر إلا رأس جبل الجليد».
تدعم هذه المؤشرات نتائج استطلاع أجراه معهد «سي أس أي»، ونشر في تقرير اللجنة الاستشارية الوطنية لحقوق الإنسان. شمل الاستطلاع عينةً من 1029 شخصاً بين 6 و12 كانون الأول 2012، وأظهر أنّ رؤية الفرنسيين للإسلام تزداد سلبية، إذ يرى 55% من المستطلعين أنّه «لا يجوز تسهيل ممارسة الشعائر الإسلامية في فرنسا» (بزيادة 7 نقاط مقارنةً باستطلاع عام 2011). ولا تمتد هذه الظاهرة لتشمل الديانات الأخرى.
تظهر هذه الاستطلاعات أن جزءاً من مناصري اليسار (الاشتراكيين والخضر وجبهة اليسار) يتشاركون رهاب الإسلام «الإسلام فوبيا». وبدل مكافحة هذه الظاهرة المقلقة التي ساهمت وسائل الإعلام من كلّ حدب وصوب في الترويج لها (حتى تلك المحسوبة على اليسار مثل «ماريان» أو «لو نوفال أوبسيرفاتور»، يمكن قراءة مقال «الخداع كلمة السرّ»)، يدعوننا إلى اتخاذ إجراءات جديدة وسنّ قوانين إضافية، تهدف على نحو خاص إلى «تحرير» المرأة المسلمة (ولا بد من الإشارة إلى أن ذلك كان أيضاً هدفنا لأكثر من قرن في الجزائر، وفشلنا فيه، وقد حان وقت الانتقام).
لذا يجب سنّ تشريعات بشجاعة وعزيمة، على الأخص بعد الحكم في قضية دار الحضانة «بايبي لو» في منطقة شانتلو لي فين بإيفيلين، غرب باريس، حيث أبطلت محكمة التمييز في 16 آذار قرار تسريح موظفة ارتدت الحجاب. وبحسب المحكمة، مبدأ العلمانية لا يطبق في مؤسسة خاصة. وجاء في صحيفة «ليبيراسيون» في 22 آذار:
«طلب المدافع عن الحقوق دومينيك بودي الجمعة من المشرّع «توضيح» القانون المتعلق بالعولمة والتوصية باستشارة واسعة مسبقة، وذلك في رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بعد قضية بايبي لوب. ويقول بودي في رسالته إلى جان مارك أيرولت «أرى من الضروري جداً اصدار توضيح من قبل المشرّع»، مشيراً إلى أن قضية دار الحضانة تظهر «الصعوبات في فهم «النصوص»». وقد تناولت المجلة الأسبوعية «ماريان» القضية من خلال «دعم الدعوة إلى قانون جديد حول الرموز الدينية»:
وقالت «في ما يتعلق بدور رعاية الأطفال والحضانات، جرى التصويت على مشروع قانون مقدم من الحزب الراديكالي اليساري العام الماضي في مجلس الشيوخ، لم يستفد من مستوى العجلة مثل بقية النصوص الاجتماعية، وهو لم يقدم بعد أمام الجمعية الوطنية. وفي «إيميسيكل»، تجاوز وزير الداخلية مانويل فالس القواعد التي تمنع الوزير من التعليق على قرار قضائي، فقال «سأضع مهمّاتي جانباً قليلاً لأقول لكم كم أنا آسف لقرار محكمة التمييز في ما يتعلق بحضانة بايبي لوب، ولهذا التقويض للعلمانية (قراءة سيهام سويد في «لو بوان»: «سيدي وزير الداخلية، أنتم تخطئون!»).
ربما لم تلحظ المجلة أن الوزير ينتهك قواعد الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية. فكما تعلمون، نحن في حالة حرب: إذاً، فلتذهب قواعد دولة القانون القديمة إلى الجحيم! فلنتذكر أن وزير الداخلية هذا، مانويل فالس، الذي لطالما أحبّه اليمين، كان قد أعلن، باسم العلمانية بالطبع، أنه: من خلال زوجته، هو متصل على نحو أبدي بالمجتمع اليهودي وبإسرائيل (قراءة «إن أحببتم كلود غيان، فستعشقون مانويل فالس»)، وهو يرى أنّ الحرب على الحجاب «يجب أن تبقى معركة أساسية للجمهورية»، لكنه في الوقت عينه يؤكد حق اليهودي في اعتمار الكيباه بفخر (على الرغم أنها رمز ديني).
وتتابع «ماريان»: «هنا أيضاً تعارض إضافي بين التعهدات السياسية والواقع المرير: إذ كان الرئيس فرنسوا هولاند قد رأى خلال حملته الانتخابية أن العلمانية من دعائم «الجمهورية المثالية» ومبادئها تحفر في الدستور، لذا فإضافة إلى الحديث عن هذا الرمز، يتعين القيام بالكثير من الأمور الملحّة: الالتزام باقتراح الموقعين (من بينهم العديد من البرلمانيين) للنداء الذي ننشره. يجب أن نغلق بسرعة من خلال قانون جديد الثغر القضائية الأخيرة التي تمَكّن بعض المزايدين الهواة من تحديدها، بتشجيع من قرار محكمة التمييز.
لقد برر الرئيس الفرنسي التدخل العسكري في مالي بالدرجة الأولى في الرغبة بـ«حماية النساء»، إن نساء شانتلو لي فين يستحققن الحماية أيضاً. وهنا نسأل، هل تحمي القوات الفرنسية النساء في مالي كما تحميهن قوات حلف الأطلسي في أفغانستان؟ من منكم يذكر أن قانون 14 آذار 2004 (المتعلق بحظر الرموز الدينية في المدارس الرسمية) دانته مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وأعطيت فرنسا ستة أشهر للإجابة عن تساؤلات المفوضية؟ (قراءة «الرموز الدينية في المدارس: الأمم المتحدة تدين فرنسا وتدعوها إلى إعادة النظر بقانون 15 آذار 2004»).
استناداً إلى إحصاء مركز «إيفوب» نشر في صحيفة «أويست فرانس»، 84% من الفرنسيين يعارضون ارتداء الحجاب في أماكن العمل الخاصة التي تكون على احتكاك مع الناس (في التجارة والمحال التجارية وعيادات الأطباء والحضانات والمدارس الخاصة). غير آبهين لتناقض قرارات كهذه مع كافة الاتفاقيات الدولية والأوروبية: فنحن فرنسا، الدولة العظمى التي تنير مستقبل الإنسانية.
وفي غضون ذلك، يتقدم اليمين المتطرف مطمئناً في أوروبا، وظهر ذلك من جديد من خلال انتخاب أوسكار فرايزينغر في سويسرا («اليمين المتطرف الأوروبي يرحب بانتخاب أوسكار فرايزينغر» 22 آذار)، هذا الرجل الذي اشتهر بعد الفوز باستفتاء يمنع بناء المآذن في سويسرا. نراهن أنه سيفرح كثيراً لرؤية قانون فرنسي جديد معادٍ للمسلمين. («سويسرا، انتصار لرهاب الإسلام، وهزيمة للمنطق»).
(ترجمة هنادي مزبودي)
* رئيس التحرير المساعد في «لو موند ديبلوماتيك» (فرنسا)