ثلاثة محاور تدور فيها جميع أطراف الأزمة السورية: الأول هو الاقتراب بحذر من الحرب الإقليمية. الثاني، الاقتراب القلق من الفوضى الداخلية. والثالث هو جمع أوراق التفاوض في اطار التسوية.
أميركا ــ روسيا

سعت الولايات المتحدة الأميركية منذ اليوم الأول للأزمة السورية إلى اتباع سياسة توظيف الحلفاء والمواقف في دائرة تحسين موقعها التفاوضي مع روسيا. العقلية البراغماتية الأميركية لعبت على محاور عدة. على الصعيد الخليجي والعربي والاقليمي، ما زالت الولايات المتحدة تستثمر حالة التنافس السعودي القطري. هذا التنافس أدى إلى إصابة مجلس التعاون الخليجي بالشلل التام وظهور قطر على شكل اللاعب الأكثر حيوية، إما في إطار التحالف مع تركيا والمصالحة التركية ـــ الإسرائيلية، أو ما سبقها من تفاهمات حمساوية صبّت جميعها في تمكين قطر من اضعاف الدور السعودي في المسألة الفلسطينية، الذي وصل إلى حدود طرح أفكار بديلة عن المبادرة العربية السعودية المنشأ.
على صعيد آخر، مثل التنافس الإيراني السعودي في العراق أهم أوراق التوظيف الأميركي للضغط على الدولة العراقية لاتخاذ موقف أقرب إلى الحياد السلبي في الأزمة السورية، الذي أخذ شكل المقايضة مقابل التهدئة على الساحة العراقية. من جهة أخرى، جاءت التفاهمات الكردية التركية تحت الرعاية الأميركية لوقف اطلاق النار بين الطرفين مدخلاً أساسياً لتعديل موقف أكراد سوريا من الأزمة السورية. كما لا تخرج استقالة الحكومة اللبنانية عن مناخ التوتير الاقليمي الموظف أميركياً.
مثلت حالة التوتر المحدودة على جبهة الجولان إحدى الأوراق الأميركية المستثمرة في إطار الأزمة السورية، فجاءت هذه التوترات على شكل استفزازات عسكرية محدودة تعبّر عن إشارات التلويح من الاقتراب من أجواء الحرب الاقليمية، وخصوصاً بعد اتمام المصالحة بين الأتراك والإسرائيليين بالرعاية الأميركية. أما على الحدود السورية الأردنية، فهناك تطورات متعددة ألأشكال، منها العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي وحتى الإداري. هذا المشهد هو محاولة من الأطراف مجتمعة لممارسة ضغوط على الأردن لإدخاله مرغماً في معادلة الأزمة السورية وفق الرؤية الأميركية من أجل احكام الطوق على سوريا من مختلف الجهات الحدودية. في المقابل، تمتعت الدولة الأردنية في إطار تعاملها مع الأزمة السورية بروح المسؤولية المتوازنة اتجاه مصالح الشعب الأردني العليا أولاً، ومصالح الشعب السوري من خلال الدينامية السياسية مع الاطراف الدولية والاقليمية والعربية ثانياً، مما يساعد على دفع سوريا باتجاه التسوية السياسية المتوازنة التي تضمن مصالح الشعب السوري ومصالح الأطراف العربية. وقد بدا واضحاً أن الدور الأردني في القمة العربية سعى إلى تخفيف سقف الحلول إلى مستوى التسوية السياسية بعيداً عن الفوضى والحرب الاقليمية التي تسعى إليها بعض الأطراف، وخاصة دولة قطر، حيث ظهر جلياً أن المحاولات البائسة لملء فراغ التمثيل السوري الناتج عن الرعونة القطرية واختطاف مشهد الجامعة العربية، ستؤدي إلى كوارث حقيقية على الأرض في سوريا. فالتمثيل السياسي وفقاً للوصفة القطرية قد يؤدي إلى شرذمة المعارضة المسلحة على الأرض السورية، وبالتالي إلى إنهاء فكرة المرجعيات والدخول في مرحلة «تفريخ التنظيمات»، مما قد يؤدي لاحقاً إلى نتائج كارثية يصعب احتواؤها. المثال الحيّ على بداية هذه الأزمة جاء بعد رفض الجيش الحرّ الاعتراف بالحكومة الموقتة، الأمر الذي انعكست هزاته الارتدادية داخل التنظيم العسكري بإصابة العقيد رياض الأسعد واخراجه من المشهد.
في المقابل، ما زال الموقف الروسي يتسم ببرودة الاعصاب والنفَس الطويل، وذلك بسبب إدراك موسكو أنّ مختلف الأطراف التي تدور في فلك الإدارة الأميركية أعجز من أن تذهب باتجاه الحرب الاقليمية أو حتى الفوضى. لهذا فمن المتوقع أن تتسع دائرة التوتر لتشمل مساحات أوسع من اقليم الشرق الأوسط، وصولاً إلى شبه الجزيرة الكورية مروراً بإيران وأفغانستان، وانتهاءً بالقارة الأفريقية. لكن بقي أن نقول إنّ هذه المحاولات الأميركية الساعية إلى جمع الأوراق التفاوضية قد تتعرض قريباً لاهتزازات مربكة للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط والعالم.
* كاتب أردني