سوريا والمعادلة الصفرية

  • 0
  • ض
  • ض

ثمة قرائن تدلل على أن مصطلح المعادلة الصفرية تم طرحه للتداول السياسي في سوريا أثناء الغزو الأميركي للعراق. واقترن ذلك بعجز المعارضات السياسية عن حسم الصراع السياسي مع النظام اعتماداً على قواها الذاتية. آنذاك روجت بعض المجموعات والشخصيات السياسية المعارضة إلى دور العامل الخارجي في كسر الهيمنة السياسية الأحادية للنظام، وتمكينها من تجاوز أزماتها الذاتية المتراكمة على أزمة سياسية موضوعية عامة. لكن ذلك بقي يدور في إطار الرغبوية السياسية. ومع بداية «الربيع العربي» تم الاشتغال على إعادة إنتاج ذات الخطاب، لكن في ظل مناخات ومعطيات سياسية مختلفة، تمثلت في انتقال التناقض السياسي إلى حقل الصراع العسكري. وعلى مدار الأزمة كانت المعارضة السياسية، تزداد عجزاً وانكماشاً أمام ارتفاع وتيرة الصراع، وتزايد أعداد الوافدين من المجاهدين. وكان واضحاً أن أطرافاً دولية وإقليمية كانت تعمل على تدمير مقومات الدولة، وتمزيق النسيج الاجتماعي، إضافة إلى تحويل السوريين كافة إلى وقود للصراع. وتجلى ذلك من خلال تدخلها المباشر وغير المباشر، إضافة إلى دعمها لفصائل مسلحة، واشتغالها على إدارة الصراع وإطالة أمده وتوسيع دوائره في سياق المحافظة على توازن الرعب والقوة. وعلى مدار سنوات الصراع كان الإعلام الرسمي يروج إلى اقتراب نهاية الصراع، فيما إحساس العامة من السوريين ما زال يخالف ذلك. في المقابل كان إعلام قوى «الثورة» يحمل ذات الدلالات، لكنه يذهب في اتجاهات مناقضة، مفادها أن نهاية الأسد قاب قوسين. وكان ذلك الخطاب يستمد قوته من دعم مادي وإعلامي من قبل حكومات عربية وإقليمية وغربية داعمة للصراع. هذا في وقت ساهمت فيه أطراف الصراع في استنزاف الطاقات الاقتصادية والمالية والبشرية، فانتقل السوريون من طور الأزمة إلى طور الكارثة الوطنية، أما الآن فإننا في لجَّة الانهيار. ومع ذلك ما زالت أطراف الصراع ترى أن كسر التوازن الميداني، يكمن في زيادة الدعم الخارجي. وقد بات واضحاً أن تدفق السلاح والعتاد والمقاتلين لم يساهم في قلب موازين القوى لصالح أياً من أطراف الصراع... فكان السائد تبادل السيطرة على المناطق بين الفصائل المسلحة المتنازعة فيما بينها، وبينها وبين الجيش السوري. وساهم ذلك في زيادة تفكك ودمار مؤسسات الدولة، وتحويل سوريا إلى ركام من الدمار، ومرتعاً للتطرف، ومجالاً للتفارق والتنابذ والتصارع بين المكونات الاجتماعية وداخلها، حتى باتت الهوية الوطنية مثار خلاف وجدل. وإن كان البعض يرى أن التدخل الروسي المباشر سوف يفضي إلى كسر التوازن الصفري لصالح «الدولة ـ الحكومةـ شخص الرئيس»، فإن كثيرين يرون بأن طبيعة الصراع وأهدافه لن يحصل عليها أي تغيير. مقابل ذلك ما زالت «المعارضة المسلحة» تراهن على أن دعماً دولياً وإقليمياً لها، سيقلب المعادلة الميدانية. وهذا يعيدنا إلى المربع الأول. فهؤلاء حتى اللحظة يتجاهلون المناخ الدولي المتغير، والأزمات التي تعاني منها حكومات الدول الداعمة لهم، وحالة الاستقطاب التي تمنع تلك الحكومات من تخطي مواقف الدول الكبرى القابضة على مفاتيح الصراع. مع العلم أن خيار التدخل الدولي والإقليمي العسكري المباشر سوف يساهم في تعقيد المشهد، وإخراج الأوضاع عن نطاق السيطرة. ومن المرجح أن يؤدي دعم المجموعات المسلحة بعتاد نوعي إلى نتائج مشابهة.

تناقضات كثيرة تعوق توافق الدول الكبرى على تجفيف منابع الإرهاب
وبغض النظر عن رغبات البعض وتمنياتهم، فثمة تناقضات كثيرة تعيق الدول الكبرى من التوافق على تجفيف منابع الإرهاب وإطلاق مسار الحل السياسي لإنهاء الكارثة السورية. وذلك يتعلق بالدرجة الأولى بتناقض المصالح، وأهمية سوريا الجيو سياسية وارتباط الصراع فيها بملفات أخرى متعددة. مع العلم أن أثمان ذلك التوافق دفعها السوريون من دمائهم التي تم تحويلها إلى أوراق في بازار السياسة، ويبدو أن نهاية الصراع حتى لو ابتلع التطرف سوريا وحولها إلى أشلاء، لن تكون قبل أن تضمن الأطراف المتحكمة في آليات الصراع السوري مصالحها وأهدافها، وذلك يتصل بأشكال مختلفة ومتباينة مع مصالح أطراف الصراع الداخلية. وهذا يدل على أن المجموعات المتطرفة و«المعتدلة» ما زالت تؤدي أدواراً وظيفية، وبقاؤها يرتبط بشكل مباشر بتحقق الأهداف الرئيسية للجهات الدولية والإقليمية الداعمة لها. وأياً تكن الأسباب الكامنة وراء التدخل العسكري الروسي المباشر، فإن استمرار الاستعصاء السياسي سوف يؤدي إلى استطالة الصراع، وإلى مزيد من الدمار، تحديداً إذا تمسكت واشنطن وحلفاؤها بدعم وتمويل الصراع. أما في حال توسيع دوائر التنسيق بين روسيا وواشنطن، فذلك يمكن أن يشكل مدخلاً إلى تجاوز الاستعصاء السوري، لكنَّه لن يحقق مطالب السوريين في إقامة دولة المواطنة وسيكون متعارضاً مع مصالح «زعماء المعارضة المعتدلة» الذين ما زالوا يراهنون على الدعم الدولي والإقليمي لكسر التوازن الصفري. وقد أكدنا أن المنطقة تخضع في سياق التناقض الدولي إلى عملية إعادة توضيب، وإن بدا أن ثمة تناقضاً بين القوى الدولية الكبرى لكنها تجتمع على أن مصالح رأس المال هي الأساس، وذلك يرتبط عضوياً وبنيوياً بالمستوى السياسي. في السياق ذاته، يتزامن استمرار معادلة الرعب الصفرية مع انطلاق جولات فيينا، التي من المتوقع أن تستهلك مساحات زمنية مجهولة، وفي سياقها ستطوى مقررات بيان جنيف «1 ـ 2» بانتظار توافقات دولية أخرى يبدو أن آفاقها لم تتضح بعد. وذلك يرتبط بشكل مباشر بنقاط إشكالية متعددة، وقد يكون من أبرزها مصير الرئيس الأسد ودوره في العملية السياسية الانتقالية. وذلك يفضي إلى عرقلة أي تحول سياسي يمكن أن يفضي إلى إنهاء الصراع والانتقال إلى مراحل أخرى، حتى لو أدى ذلك إلى إفناء السوريين، ومعهم سوريا. وأمام تداخل وتناقض مواقف الدول المدعوة لبحث الأزمة السورية سيبقى مصير السوريين مرهوناً بصراع يبدو أن نهايته لن تكون قريبة. هذا في وقت ما زالت الميول الثأرية لبعض من الحكام وأصحاب القرار والمصالح والنفوذ، تتقد تحت الركام، وتحت جثث الموتى، والهياكل العظمية لمن لم يزل على قيد الحياة. * كاتب وباحث سوري

  • «المعارضة المسلحة» تراهن على أن دعماً دولياً وإقليمياً لها، سيقلب المعادلة الميدانية

    «المعارضة المسلحة» تراهن على أن دعماً دولياً وإقليمياً لها، سيقلب المعادلة الميدانية (الأناضول)

0 تعليق

التعليقات