«عندما تقع البقرة»
أربع ليرات لبنانية كان رسم التسجيل في المدرسة الرسمية، والدوام حتى الرابعة بعد الظهر. وكان راتب المعلم مئتي ليرة، والفتاة السعيدة من تقترن بالأستاذ. وكان خمسة أساتذة لمئتي تلميذ في المدرسة، وتخرّج من المدرسة الرسمية الرؤساء والوزراء والنواب والمديرون والشعراء والأدباء من الرعيل الأول حتى الأمس القريب.
اليوم أصبح معلم المدرسة الرسمية يضع أولاده في المدرسة الخاصة، والدولة تدفع له الجزء الأكبر من الأقساط. فلو كان عطاؤه كما يمليه الضمير، فلماذا التناقض؟
في أيامنا حالياً مدرسة عدد تلاميذها دون المئة تحت إشراف خمسة عشر معلماً، وفي النهاية متخرجو الجامعات والمهندسين والمحامين والأطباء يتلعثمون بجدول الضرب ولا يفقهون أحرف الأبجدية. المعلم نفسه في المدرسة الرسمية يعمل بنصف دوام المدرسة الخاصة ويقبض ضعف راتبها.
وكذلك موظف الدولة، كان راتبه كمعلم المدرسة، ويتزوج ويؤسس منزلاً وأسرة كاملة ودون أقساط شهرية. واليوم كل موظف فاتح على حسابه، وراتبه يبقى في البنك ولا يكفي ثمن بنزين سيارته أو سياراته. فمن أين له هذا؟
ولطالما رأينا الجميع على الشاشات، وعلى مدى شهر، يتقدمهم حنا غريب وقد بُحّ صوته، مصرين ومصممين على سلسلة الرتب والرواتب، وما هو موقفهم أمام طلابهم وأهلهم يا ترى؟
وما إصرارهم على السلسلة الموعودة ـ إما قاتل أو مقتول ـ سوى رؤيتهم الضرائب الأعلى تجبى والمليارات تهدر وآلاف الشيكات والحوالات في المالية تطير دون تقديم أدنى الخدمات على مدى عقدين من الزمن و«البوطة» المتزعمة هي هي انتقلت من ميليشيا الشارع إلى ميليشيا الدولة. فلماذا السكوت، ولو كان من ذهب، ما دامت البقرة قد وقعت وكثر السلاخون دون أن يكون لهم سهم في المعمعة والمسلخ، وأصبحت كالعنزة الجرباء لا حليبها يُشرَب ولا لحمها يؤكل.
محمود عاصي