لم تأخذ «الاتفاقية الفلسطينية الأردنية للدفاع عن القدس والمقدسات» التي وقعها ملك الأردن ورئيس سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في 31 أذار/ مارس المنصرم، مكانتها في النقاشات أو المواقف لدى القوى السياسية في البلدين، خاصة، في الحياة السياسية الفلسطينية، لما لها من آثار على اللحظة الراهنة، وفي المدى المنظور، ضمن المواجهة مع المشروع الصهيوني. وإذا كان لدى البعض تبريراً جاهزاً بالقول إنّ «الخطوة جاءت كتجديد لاتفاقيات سابقة حول الموضوع»، كما صرح وزير الأوقاف في حكومة السلطة محمود الهباش. فإن اللافت لنظر المهتمين، كان التوقيت، الذي جاء بعد أيام على زيارة الرئيس الأميركي لفلسطين المحتلة والأردن وبعض دول المنطقة، ومترافقاً مع جولات وزير خارجيته، التي تسرب عما دار في اللقاءات الرسمية لهما، بعيداً عن أضواء الإعلاميين وتقاريرهم، من أن عملية إعادة تحريك قطار المفاوضات على سكة «إعادة الثقة» يتطلب إشراك الأردن كعنصر فاعل ومحرك، بسبب دوره وعلاقته ووظيفته التاريخية بفلسطين «ماضياً وحاضراً». أما سؤال لماذا يتم التوقيع على الإتفاق الآن، فتبرز أمامه أكثر من علامة استفهام، خاصة وأن رئيس وزراء الأردن، صرح بـ«أن الاتفاقية تمت صياغتها قبل أربع سنوات ونصف»! وإذا كانت الوصاية تجد لدى بعض الفلسطينيين، مسوغاتها في السنوات الماضية، فإن لدى هؤلاء الآن «السلطة وحكومتها ومؤسساتها العتيدة» ما يبرّر عدم تجديدها، بعد أن أصبح لديهم «دولة غير عضو» بهيئة الأمم المتحدة تستطيع إشهار «حقها» الحقوقي في الوصاية _ حتى لانقول السيادة!_ على الأماكن الدينية. لهذا فإن الطرف الفلسطيني، سيجد عبر منح الأردن دوراً أساسياً في المفاوضات القادمة التبرير «الشكلي» لهروبه للأمام من خلال تحميل الطرف الأردني المسؤولية فيما ستنتهي له المواقف، التي ستكون تحت سقف المخطط الأميركي - الصهيوني.في مقدمة الاتفاقية، تأكيد على «أن الوصاية الأردنية في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس قائمة منذ عام 1924، واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك المملكة الأردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي حتى اليوم». أي، منذ انتهاء ولاية «الشريف حسين» والي الحجاز، المُنصب من الحكام العثمانيين، على الحرمين المكي والنبوي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بعد سقوط ولايته بعد الحرب العالمية الأولى. هذه الوصاية _ منحتها بريطانيا للشريف حسين عام 1924 كنوع من الترضية بعد أن فقد كل شيء، وتهيئة لدور مستقبلي في المنطقة_ لم تمنع على مدى كل تلك العقود_ ولن تمنع مستقبلاً _ كل أشكال الجرائم من احتلال وتهويد واعتداءات على المسجد الأقصى...
إن وضع مدينة القدس ضمن أية خرائط ترسم للضفة في حال الذهاب لطاولة التنازلات «المفاوضات»، سيجد حلولاً له، من خلال إشراك الأردن كطرف مباشر بما له من سلطة الوصاية و«الحماية» للأماكن الدينية بالمدينة، كما جاء في الفقرة «د» من المادة الأولى. الملك، الذي أصبح في الإتفاقية «خادم الحرم القدسي، أو خادم الأماكن المقدسة في القدس». هذه الوصاية التي لم تحدد في «معاهدة وادي عربة» سيئة الصيت، التي نصت في مادتها التاسعة على أنّ «تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي «إسرائيل» أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن».
لم تستطع بعض البنود التي حاولت تحديد العلاقة المطلوبة، ما بين دور الأردن الراهن في الوصاية، و«السيادة» الممكنة للسلطة أو لـ«دولة فلسطين» على الأرض، أن تقنع المواطن الفلسطيني بشكل عام، والمقدسي بشكل خاص، حول ما تحققه تلك الاعترافات المتبادلة بين الطرفين من خطوات لتمكين ذلك المواطن في مسجده وكنيسته وأرضه! «إن الإشراف على مؤسسة الوقف في القدس وممتلكاتها وإدارتها يكون وفقاً لقوانين المملكة الأردنية الهاشمية»، كما أن الملك «يستمر ببذل المساعي للتوصل إلى تنفيذ المهام المشار إليها آنفاً»، على أن «تعترف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية بدور الملك ... وتلتزمان باحترامه». وفي المقابل، تنص الاتفاقية على أن «لحكومة دولة فلسطين، باعتبارها المجسدة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ممارسة السيادة على جميع أجزاء إقليمها بما في ذلك القدس».
حملت الاتفاقية الموقعة من «رئيس السلطة والمنظمة والدولة»، وللمرة الأولى، اعترافاً معلناً وملزماً، بالدور القانوني الأردني في الوصاية على الأماكن الدينية في القدس. هذه الوصاية التي لا تستطيع توفير الحماية للمسجد أو الكنيسة من الغزاة الصهاينة. وبالتالي فهي لا تعني مطلقاً السيادة، بمقدار ما توحي بترتيبات جديدة، بعيدة كل البعد، عن امتلاك الأمة لأماكن عبادتها المقدسة، ناهيك عن تحرير ترابها الوطني.
* كاتب فلسطيني