في الذكرى الـ 65 لفضّ غشاء بكارة فلسطين واغتصابها جماعياً من قبل عصابات الإجرام الصهيونيّة، والتي صادفت حسب التقويم العبريّ الـ 16 من شهر نيسان (أبريل) الجاري، انتهز أقطاب دولة الاحتلال هذه المناسبة، التي يُطلقون عليها يوم استقلال إسرائيل، لتوجيه رسائل الحرب إلى إيران وسوريا وحزب الله والمقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزة. كان بارزاً للعيان أنّ جوقة التصعيد شملت أيضاً الثعلب السرمديّ، جزّار قانا، شمعون بيريز، وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام
، إضافةً إلى وزير الأمن، الجنرال في الاحتياط موشيه يعالون، ورئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش الإسرائيليّ، الجنرال بني غانتس، الذي قال للإذاعة العبريّة الرسميّة: إنّ جيش الاحتلال يملك الإمكانيات لمهاجمة وتدمير المنشآت النوويّة الإيرانيّة وحده، أمّا يعالون، المطلوب للعدالة في العديد من الدول الأوروبيّة لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة، فقد أطلق العنان لمعجمه المليء بالألفاظ النابية ضدّ الناطقين بالضاد، وقال في مدينة هرتسليا إنّ الدولة العبريّة تُحذّر من أنّ قيام حزب الله بأيّ اعتداء يستهدف بلاده، سيؤدي إلى ردٍ قاسٍ ومؤلمٍ للدولة اللبنانيّة ومواطنيها، الذين يتحمّلون المسؤولية كاملةً، على حد تعبيره. هذا التصعيد الإسرائيليّ، الذي لا يخلو من العنجهية والكبرياء، لا يدور في فراغ، كما أنّه من نافلة القول أنّه لم يأتِ من فراغ، فإسرائيل المارقة بامتياز والمعربدة مع علامة الجودة، باتت تتعامل مع الأمّة العربيّة الممزّقة والمفكّكة والمفتّتة بازدراء بادٍ للعيان، ولمَ لا؟ فالأمّة تمُرّ في أحلك الظروف، وبالتالي فإنّ إطلاق العنان للهجة التصعيديّة هو تحصيل حاصل، مع ذلك، يُمكن القول، وطبعاً لا الجزم، إنّ هذه الدولة المدعومة من الولايات المتحدة الأميركيّة وموبقاتها في الوطن العربي، تخوض باعتقادنا المتواضع جداً، حرباً نفسيّة ضدّ العرب من محيطهم إلى خليجهم، في محاولة غير مكشوفة لكيّ الوعي العربيّ، بأنّ جيشها لا يُقهر، وعندما تتمكّن، ونميل إلى الترجيح بأنّها ستنجح، في استباحة واحتلال العقل العربيّ، فإنّ مهمتها في شنّ العدوان تلو العدوان تتحوّل إلى مهمة سهلة للغاية، ذلك أنّ المعنويات في أيّ حربٍ، هي من أحد أهّم العوامل في الحسم العسكريّ على أرض المعركة، والحرب، كما قال القائد العسكريّ الألمانيّ كلاوزوفيتش، هي استمرار للسياسة، ولكن بأساليب أخرى.

■ ■ ■


ولكي نضع عدداً من النقاط على الحروف، لا بدّ من التشديد في هذا السياق، على ضرورة اقتباس التصريحات، بدون اختزال أيّ حرف، أو نقطة، أو فاصلة. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، الجنرال غانتس هدّد إيران بالصوت والصورة، لكنّه استدرك قائلاً: في دوائر صُنع القرار في تل أبيب، يقومون بدراسة التداعيات والنتائج للهجوم المحتمل أو المفترض على البرنامج النوويّ الإيرانيّ، وهذا الاستدراك لا يقّل أهمية عن التفاخر والتباهي بقدرة الجيش الإسرائيليّ على الهجوم بمفرده على الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، لأنّه يحمل في طيّاته العديد من التساؤلات الجديّة: في دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، والمرتبط عضوياً بالمستويين السياسيّ والعسكريّ في تل أبيب جاء أنّ صواريخ «شهاب» الإيرانيّة قادرة على تغطية الدولة العبريّة بأكملها، كما أنّ قادة الجيش حذّروا من أنّ أكثر من 200 ألف صاروخ موجهة ضدّ إسرائيل من لبنان وسوريا وقطاع غزة وطهران، وبالتالي، السؤال الذي يطرح نفسه في هذه العجالة: هل إسرائيل قادرة على امتصاص الضربة التي ستجيء مباشرةً بعد العدوان؟ ولا غضاضة بالتذكير أنّ يوم الأربعاء (17 نيسان) سقطت أربعة صواريخ (كاتيوشا) على مدينة إيلات الجنوبيّة. ولأسباب نجهلها، فإنّ منظومة القبّة الحديدية لم تتمكّن من اعتراضها أو إسقاطها. مُضافاً إلى ذلك، فإنّ السؤال الذي يمكن أن نستشفه من السؤال الأوّل هو: هل الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة حاضرة وجاهزة لتلقي الضربة الصاروخيّة في حال إخراج الدولة العبريّة تهديداتها إلى حيّز التنفيذ؟ علماً بأنّ قيادة الجبهة الداخليّة أقّرت، وبالصوت العاليّ، بأنّ أكثر من خمسين بالمئة من سكّان دولة الاحتلال لا يملكون الكمامات الواقية من الغازات السامّة، كما أكّدت في أكثر من مناسبة أنّ الملاجئ في جميع أنحاء إسرائيل ما زالت في طور التحسين والتعديل، أو بكلمات أخرى، الجبهة الداخليّة في إسرائيل ستتحوّل إلى ساحة حرب، في حال شنّ الهجوم، تؤكّد لكلّ من في رأسه عينان، أنّ الهروب الجماعيّ في حرب لبنان الثانيّة في صيف العام من شمال الدولة العبريّة إلى مركزها وجنوبها، من صواريخ الكاتيوشا البدائيّة التي أطلقها حزب الله، كان مجرّد نزهة، أو سحابة صيف عابرة، مقارنةً مع الردّ الذي ستتعرّض له هذه الدولة المحاطة باعتراف قادتها بأكثر من مئتي ألف صاروخ.

■ ■ ■


وهذا يطرح المعنى المعاكس للتصريحات، أي هل هذه التصريحات هي لطمأنة الشارع الإسرائيليّ نفسياً. بمعنى هل هي ترميم للجدار النفسيّ المتداعي للشارع الصهيونيّ، وخاصة حين يُقارِن هذا الشارع صدقية السيد حسن نصر الله مع «مكذابية» القيادات الإسرائيليّة؟ أم هي حرب نفسية ضدّ العرب ووقاية نفسية لشارعهم؟ وعلى الرغم من ذلك، لا يُمكن التقليل من أهمية التهديدات الإسرائيليّة، ذلك أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تمكّن خلال الفترة السابقة من رئاسته للحكومة من إقناع شعبه بأنّ القنبلة النوويّة الإيرانيّة ستضع اليهود أمام كارثة أخرى، أي المحرقة التي قام بها المجرم النازي هتلر إبّان الحرب العالميّة الثانية، وما لم يقُله نتنياهو هو أنّه في حال امتلاك إيران الأسلحة غير التقليديّة، فإنّ الإسرائيليين سيهربون وحدهم من هذه الدولة، وهذا الهاجس باعتقادنا هو العامل الأهّم، لأنّ سيناريو من هذا القبيل، في حال تحققه، سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الحركة الصهيونيّة الاستعماريّة، وبالتالي لم يكن صدفةً أنّه بالتزامن مع احتفالات إسرائيل بما يسمى «يوم الاستقلال الـ 65»، أعلنت لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركيّ أنّ الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل في حال اضطرت الأخيرة إلى القيام بعملية عسكريّة وتُمارس حقّها في الدفاع عن نفسها إزاء التهديد الإيرانيّ. وجاء في القرار أن الولايات المتحدة ستزود إسرائيل بالمساعدة الدبلوماسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة وتُساندها في الدفاع عن أراضيها ومواطنيها ووجودها، كما تضّمن القرار أنّ سياسة واشنطن هي منع إيران من حيازة أسلحة نوويّة، واتخاذ الخطوات المطلوبة لتنفيذ هذه السياسة. ويطالب القرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بالتشديد في فرض العقوبات على طهران.

■ ■ ■


وهذا القرار يتساوق مع تحليل المفكّر الفلسطينيّ، د. عادل سمارة، الذي قال لكاتب هذه السطور إنّه لا يستبعد البتة أن تقوم إسرائيل بضرب المنشآت النوويّة الإيرانيّة وحدها مع غطاء جويّ أميركيّ، معتبراً أن تصريح الجنرال غانتس خطير جداً، ويدُلّ بشكلٍ غير قابلٍ للتأويل على أنّ إسرائيل تتجه إلى التصعيد والتلويح بالحرب، لافتاً إلى أنّه حتى الآن، اكتفى أقطاب دولة الاحتلال بالتلويح بالضربة العسكريّة وضرورة بقائها مطروحة على الأجندة، ولكنّ تصريح غانتس هو أوّل تصريح لقائد عسكريّ أو سياسيّ إسرائيليّ يتحدث بصراحة عن هجوم منفرد على إيران. علاوة على ذلك، قال إنّ تل أبيب وواشنطن تخشيان جداً من الهزيمة في سوريا، وخصوصاً على ضوء التقارير التي تؤكد أنّ الجيش العربيّ السوريّ أحدث انعطافة إيجابيّة في حربه مع المعارضة المسلحة في مناطق عديدة من بلاد الشام. كما أكّد أنّه لا يستبعد أن تكون تفجيرات بوسطن من صنع الـ FBI لتبرير العودة إلى إجراءات جورج دبليو بوش البوليسيّة والعرفيّة كي يُخفف أوباما من انشغال الناس بالأزمة الاقتصاديّة، وربّما تدخل أكثر ضد سوريا، وتابع: لا تقولوا إنّ أميركا لا تقتل أميركيين. فقرابة 60 ألف أميركي قتلوا في فيتنام، وأكثر من خمسة آلاف قتلوا في العراق ومئات الآلاف أصيبوا بمختلف أنواع الهوس والأمراض النفسية في العراق؟ وخلص إلى القول إنّ رأس المال لا يقلق من أيّ دم يسيل طالما يتحوّل إلى دولارات وبراميل نفط وغاز.

■ ■ ■


إذا أخذنا بالاعتبار هذه التوجهات الفاشيّة لإدارة أوباما، إلى جانب الوضع العربيّ السائل رسمياً (فوضى في مصر وتفجيرات متواصلة في العراق وحرب على سوريا، وهي الدول الثلاث التي تُرتجى للدفاع العربي ضد إسرائيل) والمغمى عليه شعبياً (وخاصّة موَات الشارع تجاه الحرب على سوريا)، فإنّ بوسعنا التخوف الحقيقيّ من عدوان على إيران، وربما كذلك أو قبل ذلك على سوريا. يوم الأربعاء الـ 17 من نيسان (أبريل) الجاري، حذّر الرئيس بشار الأسد من أنّ الأزمة السوريّة ستنتقل إلى دول الجوار، وتحديداً إلى الأردن، ونميل إلى الترجيح بأنّ أقوال الرئيس السوريّ كانت بمثابة رسالة روسيّة إلى كلٍ من أميركا، وتركيّا وإسرائيل ودول الخليج العربيّ بأنّ الدبّ الروسيّ عاد بقوةٍ إلى الشرق الأوسط، وللتدليل على ذلك، تكفينا الإشارة إلى أنّ رئيس الاستخبارات الروسيّة أكّد أنّ دمشق هي الشام، وأنّ بلاده لن تتورّع عن خوض حربٍ من أجل المحافظة على سوريا ومصالحها في الشرق
الأوسط.

■ ■ ■


والخلاصة: هل جاء حديث الأسد رداً على تفاخر القيادات الإسرائيليّة، وعلى التوجهات الفاشيّة لإدارة أوباما؟ وتأكيداً في الوقت نفسه على إنجازات الجيش العربيّ السوريّ؟ وهل رسائله للأردن هي بداية التلويح بالسيف؟ هذا ما ستؤكده الأيام الساخنة حتى حزيران من هذا العام.
* كاتب من فلسطينيّي 48