مرّ الخبر الذي نشرته صحيفة «الحياة» السعودية في منتصف شهر أبريل/ نيسان الماضي، بخصوص اتفاق حكومات مجلس التعاون الخليجي على فتح مقر دائم لدرع الجزيرة في البحرين، مرور الكرام. لم يحظَ الخبر بأي تعليق سياسي معمّق، ولا بيان مستنكر أو متسائل، مع الخطورة الشديدة لمثل هذا الخبر على الواقع البحريني الآن ومستقبلاً. ربما البعض تعوّد على الاستخفاف بكل شيء عدا ما يقوم به هو، أو ما يعتبره أولوية لعمله السياسي أو الميداني، لكن هذا الاستخفاف لن يغيّر شيئاً. قبل محاولة الدخول لمعاني وتداعيات قرار كهذا على وجود وهويّة البحرين، يجب التذكير بأساسيات، الأول هو أن كل قوى المعارضة البحرينية اعتبرت قوات درع الجزيرة التي دخلت البحرين في 14 مارس (آذار) 2011، قوات احتلال، وأن كل الغرب وكل الدول العربية بما فيها سوريا، غطّت دخول هذه القوات، واعتبرته أمراً قانونياً تغطيه اتفاقية التعاون الدفاعي بين دول المجلس، وكل هذه الدول كانت تعرف أن ما تقوله كذب.ثانياً، للتذكير، لا يوجد شيء اسمه قوات درع الجزيرة، بل توجد قوات سعودية بنسبة أكثر من تسعين في المئة من حجم القوات التي دخلت البحرين أو التي بقيت فيه، الحقيقة هي أن آل خليفة باعوا البلد وسلموه لآل سعود، وصار الملك حمد أميراً في عهدة ملوك آل سعود، لا يجب أن تغيب هذه الحقائق أبداً تحت ضغط الظروف وحسابات البيدر السياسي.

ثالثاً، إن حجم القوات التي دخلت البحرين، كان آلافاً مؤلّفة من الجنود السعوديين، وكان عدد الدبابات والمدرعات 15 ألفاً كما ذكر تقرير بسيوني، وإن هذه القوات حاصرت البحرين بحراً وجوّاً، وكانت الملابس البديلة حيلة بدائية بإدخال الجنود السعوديين والاماراتيين ودمجهم بنفس الملابس.
رابعاً، مع دخول هذه القوات إلى البحرين انطلقت أشرس حملات القمع في المنطقة على الشعب البحريني الأعزل، بحيث لم يستطع الدفاع عن نفسه. وإن كل التيارات السياسية المعارضة في البحرين المرخصة وغير المرخصة نصحت الناس بعدم الصدام مع الجيش والقوات السعودية.
خامساً، إن هذه القوات قدّمت الاسناد والغطاء السياسي لكل جرائم المشير وجنوده المرتزقة من مختلف أجهزة الأمن، وقد قال المشير هذا صراحة في لقاء له مع صحيفة «الراي» الكويتية في 2 مايو (أيار) 2011، إذ جاء في اللقاء: «وبسؤاله عن سبب استدعاء قوات «درع الجزيرة» المشتركة على الرغم من أن القوات الأمنية البحرينية بمختلف قطاعاتها تملك القدرة على احتواء الأزمة، أوضح القائد العام لقوة دفاع البحرين أن حجم العمل والمخطط الإيراني كان واضحاً، حيث أصبحت الأزمة إقليمية وهؤلاء كانوا يوجهون من إيران وتقف وراءهم دول أخرى مثل العراق، ولهذا اتخذ جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد القائد الأعلى القرار باستدعاء قوات درع الجزيرة المشتركة، وطلبنا غطاء اقليمياً يغطينا سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإعلامياً».
ما يقوله المشير واضح، إنّ هذه القوات قدمت الغطاء الاقليمي لما سيقوم به هو بمساعدة هذه القوات إضافة لقوات المرتزقة.
للتذكير بما جرى في تلك المرحلة من الغطاء السعودي والخليجي لقمع السلطة أبناء الشعب، فقد تم أولاً: هدم المساجد، بدء مرحلة من خطاب ديني وهابي تكفيري حاد أتى مع دخول هذه القوات، اعتقال النساء البحرينيات في سابقة اعتادها الشعب البحريني الآن للأسف الشديد، تم اغتصاب نساء، وفي الحد الأدنى تحلت إحدى المعلمات بالشجاعة وقدمت شهادتها للمنظمة البحرينية الأوروبية لحقوق الانسان، وقالت إنّ أحد الضباط «واقعها» جنسياً بالاكراه في فترة التحقيق والاعتقال. إضافةً لذلك فقد تمت تعرية نساء كان بينهن طبيبات مرموقات. تمت سرقة أموال طائلة من مئات وربما آلاف البيوت التي تمت مداهمتها. باختصار تمّ هتك الدين، والعرض، والمال، في تلك الفترة السوداء بقيادة خليفة بن أحمد قائد الجيش، وبمعاونة اللواء مطلق بن سالم الازيمع قائد قوات ما يسمى بدرع الجزيرة. والازيمع هذا سعودي الجنسية.
أيضاً تذكير آخر، وهو أن الشيخ عيسى قاسم قال بعد مجزرة 17 فبراير (شباط) 2011 في دوار اللؤلؤة، إن شعب البحرين أضحى تحت الخطر الشديد بعد أن تبيّن أن السلطة لا تتورع عن استخدام أقسى الأساليب لإذلاله وتركيعه. إذاً ما الذي يمكن أن نقوله الآن في هذه القراءة لخبر مثل إنشاء مقر دائم لقوات درع الجزيرة التي هي قوات احتلال سعودي.
إن شعب البحرين بات أسيراً مرتهناً للقوات التي تديرها آل خليفة، إضافة إلى قطع كبيرة من الجيش السعودي بات قرار بقائها الدائم في البحرين قريباً، إن شعبنا سيبقى تحت الخطر الشديد، فوجود القوات السعودية يقدم الغطاء الذي تحدث عنه المشير المجرم في لقائه مع «الراي» الكويتية في ٢ مايو ٢٠١١.
من كل ما سبق، يتبيّن أنّ البحرين ما زالت محتلة، وأن هناك قراراً منتظراً بإبقائها تحت الاحتلال السعودي الدائم، ومن الطبيعي أن الوضع السياسي في البحرين سيكون تقدمه للأمام أو إمكانية اصلاح الوضع في ظل السلاح السعودي والبندقية المرتزقة للعائلة الحاكمة، ضرباً من الوهم والخيال وأحلام اليقظة، وإن ثمة أولوية يجب ألّا يغفلها الجميع.
هذه قراءة للتاريخ، فالخبر مرّ دون تعليق، وهذا تعليق لعلّ هناك من يود تحمّل هذه المسؤولية التاريخية، والمطالبة بجد وبنضال وبتضحيات بإخراج المحتلين لرفع الغطاء عن النظام بحيث لا يستطيع ممارسة الوحشية مرة أخرى.
* كاتب بحريني