تسير قيادة حماس بخطىً متسارعة على ثلاثة محاور: الأول، العداء السافر للدولة السورية، فهذه «الحركة» تشكل قطباً أساسياً من أقطاب «الكومنترن» العالمي للإخوان المسلمين.فتحت سوريا قلبها، قبل أبوابها، لحركة حماس في زمن الرئيس الراحل حافظ الأسد، واستمر هذا النهج، بوتيرة متصاعدة، أثناء العهد الحالي للرئيس بشّار الأسد، الذي رفدهم بكافة أشكال الدعم والمؤازرة، إلى درجة تعريض أمن الوطن للخطر، يوم قام وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، إثر غزو العراق، بزيارة دمشق واللقاء بالرئيس الأسد، وتقدم منه بجملة مطالب، على رأسها، إقفال مكاتب حماس وطرد قادتها المقيمين في دمشق، لكن الأسد رفض بشدة هذه «الإملاءات»، وأصر على الدعم الفعّال للمقاومة في غزة، وعلى رأسها، يومذاك، حركة حماس. وقد برز للعيان الدعم السوري، غير المحدود، أثناء العدوان الصهيوني الآثم على غزة أواخر العام 2008؛ مما حمل المُرشد الروحي للحركة الشيخ يوسف القرضاوي على الهرولة نحو دمشق، للتسبيح بحمد قيادتها، وللثناء على المؤازرة «المطلقة» لغزة من قبل القيادة السورية «المباركة». والتعبير للقرضاوي!
استمرت سوريا بمد يد العون للمقاومة، بمختلف فصائلها، في غزة، وسائر فلسطين الُمحتلة. بالمقابل، كيف تعاطت قيادة حماس مع الدولة السورية حين ضرب «الحراك الفتنوي» في سوريا؟
في البداية، تظاهرت قيادة حماس بالحياد وبإظهار الحرص على وحدة سوريا واستقرارها، لكنها عملت، بالخفاء، على دعم «الحراك الفتنوي» بكافة الوسائل المُتاحة لديها، من تدريب وتسليح وحفر للأنفاق وتجهيز للسيارات المُفخّخة، كما كانت تفعل في فلسطين المُحتلّة! وتكشّف الدور التخريبي للقيادة الحمساوية، حين شُنَّ الهجوم المُدمر على مخيم اليرموك الذي قامت به «جبهة النُصرة» التكفيرية، وكانت حماس الداعمة الأساسية له. وأتى الدليل القاطع على هذا الموقف «الحمساوي» حين طالب رئيس حكومة حماس المُقالة إسماعيل هنيّة القيادة السورية «برفع أيديها عن مُخيّم اليرموك!». ولم تدع هذه الحركة مُخيماً من مُخيّمات سوريا إلّا وتركت بصماتها التخريبية فيه؛ ولم يدع خالد مشعل مناسبة إلّا وشن فيها الهجوم على القيادة السورية التي، حسب زعمه، تقاتل شعبها. عن أي شعب يتحدث «الأخ» مشعل؟ أعن أولئك الذين «هاجوا» في درعا وأعملوا في المرافق الخدمية العامة حرقاً ونهباً وتدميراً، وهم يهتفون: لا نصر الله ولا إيران/ ثوري ثوري يا حوران.
هذا الشعار، وسواه من الشعارات التي صاغها «أهل الفتنة» في سوريا، يعبّر، بصورة واضحة، عن كون حراكهم يستهدف ضرب العمود الفقري لجبهة الصمود والمُمانعة، أي سوريا المُتحالفة مع إيران والداعمة للمقاومتين: اللبنانية والفلسطينية (التي كانت حماس مكوناً أساسياً من مكوناتها).
إن القيادة الحمساوية حين تقف موقفاً مُعادياً من الدولة السورية، بكافة مكوناتها؛ انما تسير، إن وعت أو لم تعِ، في ركاب المُخطط الإمبريالي ــ الناتوي ــ الصهيوني ــ الطوراني ــ الوهابي الهادف إلى تدمير سوريا، جيشاً وشعباً وبنى تحتية؛ وتظهر نوايا قيادة حماس الحاقدة على الدولة السورية حين رفع خالد مشعل العلم، الذي صمّمه رجال الانتداب الفرنسي، بكلتا يديه! ولم يدع منبراً من المنابر إلّا ونفث فيه سموم حقده على القيادة السورية. يروى أن راعياً عثر على ذئب رضيع في غابة، فاصطحبه إلى منزله، وضمه إلى حضن نعجة ترضع صغارها، فشاطرهم إيّاها. لكن ما لبث، حين اشتد ساعده، أن افترس تلك النعجة وصغارها؛ فما كان من الراعي الذي آواه إلّا أن تفوّه بهذا البيت من الشعر، مُخاطِباً الذئب الذي آوى:
رضعتَ حليبها وربيتَ معها/ ومن أنباك أنَّ أباكَ ذِيبُ؟!
المظهر الثاني من مظاهر «رِدّة» القيادة الحمساوية يتمثل بالالتحاق الكامل بركب «حمَدَي» مشيخة قطر، والسير على خطاهما، واتِّباع مسارهما السياسي، اقتداءً بسلوك مرشدهما الروحي الشيخ يوسف القرضاوي.
من المعلوم، للقاصي والداني، أن مشيخة قطر، رغم حجمها الديموغرافي المتواضع، لديها ثروة «غازية» هائلة، تؤمن لها دفقاً مالياً خُرافياً، وقد استولى «حمداها» على السلطة في العام 1995، بدعم من المخابرات الأميركية و«الإسرائيلية». وبناءً على طلب من القيادة القطرية أقامت أميركا القاعدة العسكرية الأكبر في الشرق الأوسط، وضمن ما لا يقّل عن 40% من مساحة هذه المشيخة التي لعبت قيادتها دوراً سياسياً لصالح المشروع الناتوي ــ الصهيوني، من خلال إنشاء قناة «الجزيرة» الفضائية. واستقدمت القيادة القطرية الداعية المصري الإخواني الشيخ يوسف القرضاوي الذي راح يُسّخر الدين لخدمة استراتجية القيادة القطرية السياسية، إضافة إلى ضخ هذه القيادة لمبالغ طائلة من المال من أجل تحقيق أغراضها السياسية. وقد لعبت هذه العناصر مجتمعة التي «شغّلتها» القيادة القطرية لأجل «الكاوس البنّاء»؛ (مصطلح «الكاوس» يعني: الفوضى اللامتناهية) الذي تسمّى «الربيع العربي» أو بالحريّ «الخراب العربي»؛ ولنا في ما حصل في ليبيا وتونس ومصر وسوريا خير برهان. إن مراهنة قيادة حماس على السير في ركاب مشيخة قطر والانقياد خلف استراتيجيتها السياسية المرتكزة على التحالف مع أميركا و«إسرائيل» ستؤدي بهذه القيادة، عاجلاً أو آجلاً، إلى فكّ تحالفها مع إيران وحزب الله، والاستدارة، بطريقة أو بأخرى، نحو «أصدقاء قطر»!
إن هذا النهج الحمساوي المستجد يوصل إلى تكريس «الكانتون الغزاوي» وبالتالي السير وفقاً لقاعدة: «وداعاً أيها السلاح»، ونعم لسلاح الفتنة في ديار العرب والمسلمين، سيراً على نهج السلف الطالح، أمثال: ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهّاب وسيد قطب.
أما الطريق إلى فلسطين، فغير سالكة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
* كاتب لبناني