احتفى ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة بزيارته الأخيرة لواشنطن، التي حصلت في الأسبوع الأول من يونيو/حزيران 2013، واستقبله فيها وزير الدفاع ومسؤولون تنفيذيون وتشريعيون كبار. ورغم أنّ لقاء الرئيس الأميركي بالشيخ سلمان كان «على الماشي»، ذلك أن باراك أوباما لم يستقبل الشيخ سلمان في مكتبه البيضاوي، بل دخل غرفة كان يجتمع فيها الأخير مع مستشار الأمن القومي الأميركي، ورغم أنّ البعض اعتبر ذلك «منقصة» لولي العهد وللسلطة البحرينية، فإن المراقب الموضوعي لا بد أن يلحظ أن هذا الاستقبال «المقنن» والتقاط صورة جمعت الرجلين (أوباما وسلمان) لا بدّ أنها عكست دعماً أميركياً ملحوظاً لولي العهد، ولـ«برنامجه».ومع ذلك، فإنه يصعب القول إنّ هذا الاستقبال غير الحار يعني دعماً مطلقاً، ولعله أقرب إلى دعم مشروط، لكني أفضل القول إنه دعم من جهة (أميركا) غير الواثقة من قدرة ولي العهد على النهوض بالتطلعات الأميركية لاجتراح صيغة سياسية تتجاوز المحافظة على نمط ومستوى التوتر الراهن في البحرين بأن تكون قادرة على كسر حالة الجمود السياسي، وإرجاع العسكر للثُّكَن، والمضي في إشراك المعارضة الرئيسية، على نحو ما، في حقل الحكم في المنامة.
وحين يذكر أوباما المعارضة البحرينية، فإنه يعني تحديداً «الوفاق»، كبرى الجمعيات السياسية المعارضة (الشيعية) في البحرين، التي ذكرها أوباما في خطابه الشهير في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2011 [1]، في خضم التطلعات حينها إلى مآلات ربيع عربي خلاف ما انتهى إليه في أغلب الدول التي طرقها.
إن بنود التحضيرات للتسوية المرتقبة تشمل من بين ما تشمل زيادة قوة «الوفاق» القوية أصلاً، وتمكينها إعلامياً وسياسياً ودولياً، مقابل تقليص نفوذ خصومها من المعارضين، بما يمكنها من التحدث باسم الشارع وضبط إيقاعه. لذا لا أعتقد أن أوباما يقصد بالمعارضة أولئك الزعماء الثلاثة عشر القابعين في المعتقل منذ 17 مارس/آذار 2011، الذين دعا أغلبهم لإسقاط النظام. وهذا يعني بشكل واضح أن أوباما تراجع عن مقولة أطلقها في مايو/أيار 2011، حين أشار إلى أنه يصعب إجراء حوار جدي في البحرين مع وجود قادة في السجن [2]، لكنه يجدر التنبه إلى أنّ أي تسوية هشّة قد لا يمكن ضمان «تخريبها» من قبل هؤلاء، ولعل زعيم الوفاق الشيخ علي سلمان يدرك ذلك حين يقول إنّ الحكم بالسجن مدى الحياة على هؤلاء القادة يعني تأبيد القضية البحرينية.
أعود إلى زيارة ولي العهد الأخيرة، التي شملت بريطانيا وكندا وأميركا، ثم بريطانيا مرة أخرى، التي من الواضح أنها كما كانت دائماً، ترمي بثقلها وراء الوضع القائم في المنامة، أو ما تسميه الحفاظ على الاستقرار.
لقد شمل الاحتفاء بهذه الزيارة قيام ولي العهد بزيارة لقوة الدفاع من أجل إطلاع قيادتها وضباطها على «النتائج المثمرة للمباحثات التي جرت في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا، وما شددت عليه من مستوى الترابط والتعاون بين البحرين وبين هذه الدول في مختلف المجالات».
كذلك التقى ولي العهد السفيرين الأميركي والبريطاني في البحرين لذات الغرض، ولم ترشح تفاصيل معتبرة عما دار في هذه اللقاءات، سوى الكلام المستمر والممجوج عن الشراكة الاستراتيجية بين هذه الأطراف، ودعم المسؤولين الغربيين لجهود ولي العهد لتحقيق المصالحة في البحرين.
داخلياً، تسود حالة ترقب، في ظل تسريبات من المعارضة والسلطات بأن البحرين على وشك انجاز تسوية مهمة. ولعلي أرجّح أن هذه التسريبات تظهر الأمور الآتية:
الأول: شكلانية طاولة الحوار البحرينية، التي تدل على أن المشاركة فيها من قبل السلطة والمعارضة تتيح لهما تواصلات ووساطات أخرى ومناقشات أكثر حرية بعيداً عن الأضواء، والأهم قدرة أكبر على المناورة والقيام بعمليات «ما»، فيما الحوار يحقق أغراض التغطية المطلوبة.
الثاني: قلق الجماعات السنية من الحديث عن تسوية تخل بالمعادلات القائمة، التي تمنحهم صفة المواطنين الأولى بالرعاية.
الثالث: توق قطاعات شعبية معارضة لتسوية سياسية تخرج البلد من أزمتها وتخفف من وطأة الحرب الفعلية والشاملة التي يشنها النظام على مختلف الجبهات على الطيف المعارض.
الرابع: امتلاك النظام لزمام المبادرة، الذي تمكنه من تحديد مسار الساحة السياسية، ورفع مؤشراتها بالاتجاه الذي تريد. الخامس: غياب مقاربة معارضة توازي بين مطلبها في الإصلاح والآليات التي تستخدمها لذلك.
السادس: عدم ارتياح الغرب من الرؤية البحرينية الرسمية، ومع ذلك فإنها تحظى بالرعاية في ضوء ضعف البدائل الأخرى.
إن التسوية المرتقبة ستكون على الأرجح أقرب إلى فرضية الإصلاح من طرف واحد، التي قد تشمل تعديل الدوائر الانتخابية بما لا يخرجها من نمطها غير العادل، لكن يخفف من ظلمها، وربما إنشاء هيئة «مستقلة» للانتخابات، وابتكار آليات انتخاب غير مباشر للغرفة المعينة في المؤسسة التشريعية، أو بصورة أدق ابتكار معايير للتعيين ستظل تمنح الملك اليد الطولى في اختيار أعضاء المجلس المعين (مجلس الشورى المعين المكون من 40 عضواً، الذي يجهض الصلاحيات التشريعية للمجلس المنتخب المكون أيضاً من 40 عضواً)، و«تحسين» تمثيل الوجوه الشعبية في مجلس الوزراء، ومنح فسحة أكبر للمعارضة إعلامياً، وعلاج بعض تداعيات الأزمة الحقوقية... وغيرها من الخطوات التي يصعب أن تحقق مطالب المعارضة في حكومة وبرلمان منتخبين. ولن تشمل أية تسوية قضاءً مستقلاً ومؤسسات أمنية تمثل الجميع، فهذه خارج النقاش أصلاً [3].
لقد حصل ولي العهد على دعم أميركي ما للمضي في مشروع السلطة غير الإصلاحي، والذي يبتغي أساساً تدوير الصورة وإنتاج ذات العجلة. وحتى مع عدم قبول المعارضة لهذه التسوية، فإنها تتأهب لتكون شريكاً صغيراً في السلطة. وإذا كان ولي العهد عراب هذا المشروع أو واجهته للدقة، فإن رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة قد يكون ضحيته، ولا يستبعد إطاحته في 2014، كما أظن، ضمن صفقة تأتي برئيس وزراء خليفي آخر.
لذا ليس مستغرباً أن يبشر رئيس جمعية المنبر التقدمي المعارض عبد النبي سلمان بأن البحرين على وشك الدخول في مرحلة إصلاحية تاريخية، وعادة فإن مسار الوفاق وعموم المعارضة يتجهون صوب المنبر، ولو بعد حين.
ومع ذلك، من الواجب القول إن صيغة التسوية غير واضحة بعد. الواضح فيها أنها لن تخرج السلطة الفعلية والمال والجيش من يد آل خليفة. أما الجمعيات السياسية المعارضة فإنها غير راضية، لكنها قادرة على التأقلم وربما التعاطي مع المستجد، على اعتبار أن التعاطي مع المنكر ليس منكراً.
إن نجاح مشروع ولي العهد يجب أن يكلّل بانخراط «الوفاق» في الانتخابات النيابية عام2014، ومع أن مؤشرات ذلك تبدو متأرجحة، فإن عدم المشاركة لا تعني المقاطعة!
بيد أن هناك جانباً آخر، يتعلق بالعائلة ووحدتها، وهو ما حاول ولي العهد إظهاره في واشنطن، حيث ضمّ الوفد المرافق له ما يمكن اعتباره ممثلين عن أجنحة السلطة للقول للأميركيين، ولمن يهمهم الأمر، إنّ العائلة موحدة في مشروع الحل الذي يحمله ولي العهد. وضم الوفد محمد بن مبارك آل خليفة الذي يمكن اعتباره أحد ممثلي جناح رئيس الوزراء (الجناح الأضعف في العائلة)، وأحمد عطية الله آل خليفة ممثل جناح الخوالد (الجناح الأكثر تاثيراً، الذي بيده مقاليد السلطة)، إضافة إلى طاقم ولي العهد الذي سيكون ممر العائلة للخروج من عنق الزجاجة، باعتباره (ولي العهد) كبير مديري العلاقات العامة لآل خليفة، وإحدى الأدوات «الناعمة» للملك حمد، فهو لا يبني سياسات، بل ينفذ ما يرسمه القصر.
وإذ تظهر السلطة توحداً في مواجهة المخاطر، لا تبدو المعارضة مدركة أهمية وحدتها، فيما القناعة تترسخ عند جبهة الوفاق بأهمية التمايز عن أجنحة «التشدد» المحاصرة أمنياً وسياسياً وإعلامياً.
إذاً، إن مجمل المؤشرات تقود للقول بأن حراك البحرين في طريقه للاحتواء، ولكن يجدر التنبه إلى أن عدم اليقين يبدو أحد أهم معالم المرحلة، في ضوء مآلات الربيع العربي، فيما المؤكد من التاريخ أن الحراك الشعبي في البحرين يصعب إيقافه بحلول شكلية.
وإذا كانت أميركا ستمنح مباركتها لأنصاف حلول، فعليها أن تتوقع أن وضع البحرين كما هي حالة دول الربيع العربية الأخرى: استمرارية الثورة التي قد تطيح الصيغ الملتوية التي لا تستجيب للتطلعات الشعبية في الحرية والكرامة والديموقراطية.
* كاتب وصحافي بحريني ـــ لندن

هوامش:
[1] http://www.youtube.com/watch?v=QrjPODygfoQ
[2] https://www.youtube.com/watch?v=oaxYwxTbS3o
[3] راجع مقالي في «الأخبار» اللبنانية (البحرين 2014: الإصلاح من طرف واحد... كلفة بلا مردود، 17 يناير 2012)