اكتشف العلماء أن سمك القرش حين يشمّ رائحة الدم، فإنه يستشرس ويزداد رغبة في القتل، وإذا لم يصل إلى فريسته فإنه ينهش بعضه بعضاً ليروي ظمأه للدماء.هذه حال الحركات التكفيرية التي ابتُليت بها الأمة اليوم، فأغرقت الأرض ببحور من دماء الأبرياء، غير مفرّقة بين شيخ وطفل وامرأة، برغبة جامحة في القتل، من العراق الى سوريا، واليمن، ومن الصومال إلى نيجيريا ومالي، وإلى أفغانستان وباكستان... وقد عرضت إحدى الفضائيات مقابلة مع انتحاري من «جبهة النصرة» في سوريا، أردني الجنسية، أُلقي القبض عليه قبل تنفيذ عمليته، فسُئل: هل تعيد الكرّة إذا أُفرج عنك؟ فأجاب: بالتأكيد، لكن أريد أن أقتل أكبر عدد من الناس تقرّباً إلى الله ورسوله. وكأن رسول الرحمة لم يُرسل برسالة الإسلام السمحاء، بل برسالة القتل والإجرام وسفك
الدماء.
ولو أجرينا مقارنة بين هؤلاء التكفيريين والصهاينة، لوجدنا أوجه شبه كثيرة بينهما، فكراً وسلوكاً، ومنها:
أولاً ــ قام الفكر الصهيوني على القتل منهجاً منذ ما قبل نشوء دولة «إسرائيل» وما بعده. وكلنا يذكر المجازر الصهيونية عبر التاريخ، سواء ما قامت به الحركات الصهيونية (شتيرن، أرغون...) أو ما قامت وتقوم به دولة الاحتلال حتى اليوم. وهذا ما ينهجه التكفيريون عبر عملياتهم الانتحارية أو بالسيارات المفخخة، أو عمليات القتل على امتداد خريطة وجودهم في العالم. وإذا احتسبنا الجرائم التي ارتكبها هؤلاء في العراق وحده في الفترة الأخيرة، لوجدنا أنهم تفوّقوا على نظرائهم الصهاينة في الإجرام بأشواط. فإذا عارضوا انتخابات معينة راحوا يحصدون أرواح آلاف الناخبين في الشوارع ومراكز الاقتراع.
وإذا عارضهم شخص صفّوه هو وعائلته وكل من يمتّ له بصلة (تصفية رئيس كتلة سياسية في العراق قبل أيام، هو وأشقاؤه الأربعة)، وإذا انتقدهم رجل دين لا يتورّعون عن قتله في محراب الصلاة مع جميع المصلّين (الشيخ البوطي مثالاً)، فليس أسهل لديهم من استصدار فتاوى القتل.
ثانياً ــ قام الفكر الصهيوني على مزاعم دينية ـــ تلمودية بحق اليهود في أرض فلسطين، وتوسّلوا القتل والتهجير للشعب الفلسطيني منذ ما قبل 1948، عبر سياسة تطهير ديني ـــ عرقي، وقد انتهجوا هذه السياسة كحركات، ثم كدولة، وكذلك كأفراد.
وكلنا يذكر مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها المستوطن الصهيوني باروخ غولدشتاين منذ سنوات، بقتله عشرات المصلّين الفلسطينيين بدم بارد، تقرباً باعتقاده من الله. وهذا النهج ذاته يتبعه التكفيريون عبر تطهير طائفي ـــ مذهبي، إعلاءً لكلمة الإسلام، حسب اعتقادهم المنحرف. فهم لم يتورّعوا عن إبادة قرى أو أحياء بأكملها لأن أهلها من دين أو مذهب مختلف. وكلّنا يذكر المجزرة التي ارتكبوها في قرية عراقية لأن أهلها يتبعون المذهب اليزيدي الذي يعتبرون تابعيه كفّاراً، بقتلهم المئات من سكانها بواسطة صهاريج مفخخة، والأمر مشابه أخيراً في قرية حطلة السورية، وكذلك العمليات الانتحارية والتفجيرات في الكنائس والمساجد والحسينيات ومواكب العزاء الحسينية في العراق وباكستان، وفي أي مكان تصل إليه أيديهم في العالم. وحتى لا يستثنون من القتل من هم من مذهبهم إذا خالفهم الرأي، وهذا ما حصل مع جماعة الصحوة السنية في العراق وغيرها.
وإذا كان الصهاينة يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، وأن بقية البشر هم «غوييم» عندهم، أي خدم، فإن الفكر التكفيري ليس بعيداً عن هذه النظرة العنصرية، مدّعين أنهم وحدهم من يقبض على الحقيقة، وكل ما عداهم باطل، ومن لا يسير في خدمة مشروعهم أحلّوا دمه.
ثالثاً ــ لقد أتى المستوطنون الصهاينة من أربع رياح الأرض الى فلسطين، تجمعهم اليهودية قاسماً وحيداً، وسياستهم قائمة على هذا النهج، ومن هنا دعوة بنيامين نتنياهو العالم إلى الاعتراف بـ«إسرائيل» دولةً لليهود، وبالتالي أي أرض يستولون عليها بالقوة تصبح ملكهم ويحل لهم قتل أهلها. أما التكفيريون فيتبعون نهج التكفير والهجرة. فهم يتجمعون من كل أصقاع العالم (شيشان، أوزبك، عرب، أفغان، أوروبيون...) ليقيموا إماراتهم الإسلامية في أي أرض تطأها أقدامهم، ويشنّون الحروب وعمليات القتل على سكانها. ففي محافظة أبين في اليمن، أقاموا إمارتهم المزعومة على أنقاض البيوت المهدمة الخالية من سكانها، وفي العراق «دولة العراق الإسلامية» التي ضمّوا إليها لاحقاً الشام، كذلك في الصومال مع «حركة الشباب» ومالي ونيجيريا، وقبل ذلك إمارة أفغانستان. وقد صرّح العديد من أفراد «جبهة النصرة» في سوريا بأنهم أتوا إلى هناك للجهاد لإقامة دولة الخلافة في بلاد الشام، وقد أقاموا إمارات في بعض المناطق التي استولوا عليها كالرقة مثلاً. وراحوا يفرضون على سكانها مفهومهم المتشدد للشريعة.
وكل هذا يقود بالتالي إلى تفتيت العالمين العربي والإسلامي إلى كيانات طائفية ومذهبية متناحرة، وبالتالي يبرر لـ«إسرائيل» صفاءها الديني والعرقي ويساعدها كي تكون السيد المطلق والديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
رابعاً ــ عمل الصهاينة ويعملون على إلغاء كل ما هو عربي في فلسطين، إسلامياً كان أو مسيحياً، ومحو التراث الفلسطيني، التاريخي والديني، ولا يخفون نيّتهم في هدم المسجد الأقصى لإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانه. في المقابل، يعمد التكفيريون الى هدم التراث والمقامات ونبش الأضرحة التاريخية، بزعم أنها حرام في الإسلام. وهنا نسأل: ماذا لو دخل هؤلاء الى فلسطين؟ ألن يقوموا بهدم قبة الصخرة والحرمين القدسي والإبراهيمي بحجة أن المقامات حرام؟ ما أقرب هذا الفكر إلى ذاك!
خامساً ــ في الشكل واللباس: إذا ما راقبنا أفراد تنظيم «القاعدة» ومتفرّعاته، نلاحظ أنهم يطلقون لحاهم على سجيّتها، ويطيلون شعورهم ويجدّلونها. وإذا ما نظرنا إلى المتشددين الصهاينة بلحاهم وشعرهم المجدّل ولباسهم الواسع الطويل لوجدنا تشابهاً إلى حدّ التطابق أحياناً. كذلك الحاخامات في لحاهم المصبوغة باللون الأشقر، ألا يشبهون بعض رجال الدين من زعماء «القاعدة»؟ وبالنتيجة، كلاهما يفتي
بالقتل.
وإذا تذكّرنا الطفل الشهيد محمد الدرة الذي قتله جيش الاحتلال في أحضان والده، ألا يتطابق مع ما فعله التكفيريون مع الصبي السوري، بائع القهوة، بقتله أمام والديه، بعد تعذيبه، بحجة أنه سبّ النبيّ؟
الاختلاف الوحيد أن الصهاينة أشدّ حرصاً على حياتهم، فيما التكفيريون لا قيمة للحياة عندهم، ولا لحياة الآخرين، بحجة أنهم ذاهبون الى الفردوس الأعلى بجوار النبي محمد، في الوقت الذي لطخوا فيه وجه الله بالدماء وأغرقوا رسالة الإسلام السمحاء بالجرائم. فماذا تريد «إسرائيل» أفضل من شبان بعمر الورود ـــ من حيث يدرون أو لا يدرون ـــ يُقبلون على الموت بكل سرور على مذبح مشروعها؟
وحتى لا نكون ممن يقولون دائماً بنظرية المؤامرة، لكن ألا يجعلنا كل هذا نتساءل عمّن أسّس هذا الفكر وموّله ولا يزال، حتى باتت تصغر في أعين العالم الجرائم الصهيونية أمام هول جرائم هؤلاء التكفيريين؟ ثمّ لماذا تسكت معظم المراجع الإسلامية عن جرائم هؤلاء؟ بل إن بعضها يعتبرهم «جيش المجاهدين». سؤال برسم هذه المراجع.
* صحافي لبناني