في يناير (كانون الثاني) 2011، وقع تفجير استهدف كنيسة القديسين في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية. سيارة مفخخة دون لوحات هزّت عروق مصر. تجمهر المسلمون ــ قبل المسيحيين ــ أمام الكنيسة رفضاً للجريمة لكن... أشباح الشكّ ظلّت تأسر منطق الأقباط وتحفر برزخاً بين المصريين.
وفور تهاوي النظام، ظهرت مستندات تجزم بضلوع حبيب العادلي، وزير الداخلية المصري آنذاك، بتدبير التفجير عبر تكليف الكتيبة 77 بالعملية في خطة تقضي «بتنفيذ عمل تخريبي ضد إحدى الكنائس بمعرفتنا، ثم نقوم بإلصاق التهمة بأحد القيادات بغرض مفاوضة البابا لإخماد الاحتجاجات القبطية المتتالية على أتفه الأسباب وتخفيف حدة نبرته مع القيادة السياسية».
فمن كان ليصدق أنّ النظام الذي انتفض للتفجير وأزبد وأرغى، وتعهد بحماية الكنائس والذوذ عن حياضها، وأغرق إعلامه بالتنظير وإدانة الإرهاب كان هو ــ ذاته ــ عراب الجرائم التي صمّمت لبثّ الرعب والكراهية بين المصريين!

■ ■ ■


تفجير «سيارة مفخخة» بالأمس القريب في البحرين قرب مسجد «سني» في الرفاع في خضم مواجهة الحكم «للاحتجاجات» تقليد لسيناريو كنيسة القديسين، وحلقة في مسلسل فاق طوله المسلسلات المكسيكية لإضرام الفتنة بين البحرينيين.
لماذا الآن؟ عوامل ثلاثة استوجبت الخطوة:
الأول: إعلان 14 أغسطس (آب) موعداً لتمرّد البحرين، ولثورة جديدة ترثُ ثورة 14 فبراير وتحيي زخمها.
الثاني: نشوء تململ في أوساط سنة البحرين ــ الموالين التقليديين للنظام ــ وحديثهم عن «خذلانهم». فقبل أيام فقط من التفجير المصطنع، أعلن أبو الحارث خان، أحد القيادات السلفية المتشددة تعليقاً على «تمرد البحرين» أنّ على الحكومة «عدم استخدام ورقة الطائفية لتحشيد الشارع السني؛ لسنا أغبياء لتستخدمونا لنصطدم بالشيعة فزمن الاستغفال انتهى وأنتم ظلمتم الجميع».
وهي قناعة كانت تُقال همساً بالأمس، وها هي تُعلن جهاراً.
أما العامل الثالث فذو بعد إقليمي: فبين النظام القطري الذي انتقلت السلطة فيه من حاكم «دلّل شعبه» لحاكم آخر يتبارى في تقديم المزيد لشعبه، وبين أخبار تصل من الكويت والإمارات عن مضاعفة الرواتب وتوفير تأمين صحي وإسقاط القروض. يقف شعب البحرين فاغراً فاه، يعضّ شفتيه ويصفق كفيه حسرة بعدما أسفر صراع البرلمان عن زيادة معونة الغلاء بمقدار 25 ديناراً!
هذا التقصير بحق البحرينيين ــ مقابل سخاء الجيران ــ زاد حرج النظام ومأزقه.
أما العامل الأهم فهو أنّ هذا التفجير خطوة استباقية، لتعبيد أرضية عنف طائفي قد يُنقذ النظام ويمنحه قبلة الحياة.
ففي كل ديكتاتورية هناك حبيب العادلي، مستعد للتضحية بالأم والجنين، لحماية الأب!

■ ■ ■


بعد الحادثة خرج المرجع الشيعي البحريني آية الله قاسم، وأكّد أنّ المعارضة «تنادي بالإصلاح، ولا تؤمن بالعدوان، وتدين العنف ونشر الرعب».
وخرجت «الوفاق»، التنظيم المعارض الأكبر في البلاد، لتؤكد أنّ التفجير «مدان... غريب وشاذ»، وساق بيانها ــ بحذر ــ تعبيرات مثل «خلط الأوراق، والابتزاز السياسي» للإشارة إلى قراءتها للواقعة.
تحالف الجمعيات المعارضة الستّ عجّل ببيان يلفت إلى أنّ الأزمة مخرجها «حلّ سياسي لا جرّ البلاد للعنف والعنف المضاد».
وكان لافتاً تعامي أقطاب السلطة (الملك، ولي العهد، ورئيس الوزراء) عن كل تلك المواقف وخروجهم بتصريحات تحريضية، تشير إلى طائفة وتلمز للمعارضة وتؤلب الشعب على الشعب!

■ ■ ■


«إذا أردت السيطرة على الناس فأقنعهم بأنهم معرضون للخطر،
ثم حذّرهم أن أمنهم في خطر،
ثم خوّن معارضيك... وشكّك في وطنيتهم وانتمائهم».
أدولف هتلر
حادثة الرفاع لا تشبه شعب البحرين بل تشبه الأنظمة المترنحة.
وغداً يقوم النظام بجريمة ضد الشيعة يعلقها بلحية السنة ويصوّرها كردة فعل.
تفجير الرفاع، الذي أراد النظام له أن يكون تابوتاً لحركة «تمرّد» القادمة، يجب أن يكون سبباً إضافياً للتمرد.
فنظام أناني عدواني مستهتر بالشعب هكذا، لا يحترم نفسه ليستحق الاحترام من أحد.
* كاتبة وناشطة سياسية بحرينية