إلى أصدقائي وصديقاتي في كل مكان من هذا العالم... إلى كل من تضامن معي... إلى كل من يهتم بقضية الأسرى... إلى كل من يؤمن بعدالة قضيتنا الأساسية «قضية فلسطين»، أهديكم السلام والمحبة المجبولة بصمود الأسرى والمعطرة برائحة الحرية وأقول:إن حبات القمح حين يتم بذرها في الأرض، منها ما تدوسه الأقدام فيموت، ومنها ما يأكله الطير، ومنها ما يبقى تحت التراب فتنزل عليه قطرات المطر... ومع الإشراقة الأولى للشمس، تنبت من الأرض سنابل تبشرنا باستمرار الحياة.

أعزائي، اعلموا جميعاً أنني مشتاق لكم وأنني أتوق لرؤيتكم جميعاً... لكن ما يمنعني من ذلك هو ما يقوم به الاحتلال الصهيوني من احتجاز بحقي، كما يقوم بذلك بحق أبناء وبنات شعبي منذ 65 عاماً... لكن أعزائي، إن كان ذلك في سبيل حرية فلسطين الأرض والإنسان، فأنا مستعد لتحمّل ذلك، ومتأكد أنكم تحملتم ومستعدون للاستمرار بذلك في نفس السبيل.
في هذه اللحظات، وأنا أكتب لكم، استحضرت أرواحكم حولي حتى أخاطبكم بروحي وحتى لا أستثني منكم أحداً... أعزائي لا أذكر كل باسمه/ هنا لسبب واحد فقط، وهو نقص القرطاسية في السجون لدى الأسرى من أقلام وأوراق. هذا النقص الذي تقصد به إدارة السجون حصار الأسرى وكأحد أساليب حرماننا من التعليم. وأنتم تعرفون أن هذا الشيء نقطة في بحر ممارساتها التي تأتي في إطار قمعنا وكسر صمودنا الذي لم ولن يستطيعوا الوصول إليه. لقد كتبت لكم رسائل خاصة في دفاتر، لكن إدارة السجون صادرتها قبل أن تصلكم، لذلك أنا أبعث لكم كل يوم ابتساماتي مع الشمس فاستقبلوها.
إن سألتم عني فأنا بخير صحياً والحمد لله، رغم الحرمان من العلاج المناسب، ورغم الإهمال الطبي الذي يمارس على كل الأسرى من دون استثناء. أما معنوياً، فإنّ المعنويات فوق الريح وذلك يعود لسبب رئيسي أنكم إلى جانبي كما كنتم دائماً.
إنني لم أنس منكم أحداً على الإطلاق، أصدقاء وصديقات في كل مكان... صحيح أنني لا ألتقي بكم هذه الفترة، لكن صوركم لم تغب عن ذهني. مبادئكم لم تنفصل عن مبادئي وقناعاتكم ما زالت متحدة بقناعاتي وما تؤمنون به هو ما أؤمن به. جدران السجن لم تغير ذلك... لم ولن تستطيع أن تمنعني من أن أحبكم أكثر. إنني ما زلت ألتقي بكم في أرض البرتقال الحزين، وما زالت أمّ سعد هي أمّنا، ومتأكد من أنكم ما زلتم تسمعون قرع جدران الخزان التي لن نكف عن قرعها حتى يعود كل لاجئ إلى بيته وبيت جده. لن نكف عن قرع جدران الخزان وغير ذلك، حتى يتمكن كل صديق/ة من زيارتنا في فلسطين. فلسطين بأرضها ومياهها وهوائها وكامل التراب الوطني.
هذه الفترة لن تطول. يجب أن نحتفظ بهذا الإيمان. هذا الإيمان يولد الأمل، والأمل يولد العمل، والعمل هو الطريق إلى الحرية، الحرية التي لا مقابل لها، التي هي نفسها المقابل... وهذا العمل يجب أن يكون جماعياً، ومهما صغر سيكون له تأثير، حيث إنّ الخطى الصغيرة إن تلاقت قليلاً ستصبح جيشاً وصبحاً نبيلاً. لقد أصبحنا جيشاً نبيلاً، جيش الفكرة، ذلك الجيش الذي يثق بشعبه مثل ثقتي بشعبي التي بلا حدود.
نحن نخرج من جدران السجن إلى العالم من خلال الكتب... نقرأها حتى نصبح جزءاً من الشخصيات التي تتحدث تلك القصص والروايات عنها، ونجعل ذلك أحد الأبواب التي تخرجنا من ظلمة السجن. الكتب التي يمارس الاحتلال شتى الطرق والوسائل والإجراءات من أجل منع صعوبة إدخالها للأسرى.
عندما وصلني خبر أن الكثير من أفكاري وأحلامي أصبحت واقعاً لأنكم قمتم بذلك، تأكدت أنني لم أسجن بعد... إنني أرى استمراري بوجودكم... إنني رأيت حريتي في عيونكم... لقد سمعت صوتي من حناجركم... لقد سجنوا الجسد ولم يستطيعوا سجن الفكرة ولن يستطيعوا ذلك.
نحن هنا نستمد طاقة الاستمرار منكم عندما تستمرون. نحن أسرى حديثو الاعتقال، تمتلئ قلوبنا فرحاً حينما نلتقي خلال نقلنا من السجون إلى المحاكم بأسرى نسمع عنهم منذ عشرات السنين، بأسرى حملنا صورهم عشرات المرات، بأسرى استقينا عنفواننا منهم منذ الصغر.
في الختام، أؤكد لكم: نحن أبعد من أن يستطيعوا تقريب نهايتنا. نحن أقوى من أن يستطيعوا إضعافنا. نحن أعلى من أن يستطيعوا إسقاطنا. نحن أعمق من أن يستطيعوا الوصول إلينا. نحن الاستمرار.
أقول لكم في نهاية الرسالة إنني سأراكم قريباً. سوف أخرج كما عهدتموني وأفضل، سألاقيكم بكلمة واحدة... حرية.
* الأسير في سجن بئر السبع المحتلة