على وقع استمرار الحرب الارهابية ضد الكرد في سوريا، عاد شبح العمليات الانتحارية ليطل برأسه على كردستان العراق، وفي قلب عاصمتها بعد انقطاع دام نحو ستة أعوام. ذلك يؤكد أنّ الأمن القومي الكردستاني كلّ لا يتجزأ، فتنظيم القاعدة عبر دولته الهجينة المسخ (الدولة الاسلامية في العراق والشام) وعبر فرعه السوري (جبهة النصرة)، وبالتحالف مع فصائل من ما يسمى «الجيش الحر» يخوض منذ أشهر حرباً ضروساً ضد غرب كردستان (كردستان سوريا)، وفق أجندات تعريبية تكفيرية واقليمية معادية للقضية الكردية، وبغية اجهاض ارهاصات التبلور الكياني فيه بما يمثله من دفعة لتلك القضية على الصعيد الاقليمي.ومن هنا فالحرب على الكرد في سوريا، ووفق الحسابات العقلانية الباردة والاستراتيجية الموضوعية، وبعيداً عن أية حماسة ومبالغة قومية، هي حرب مباشرة ضد كل أجزاء كردستان لا سيما ضد جنوب كردستان (كردستان العراق)، وحسبنا النظر إلى اسم هذه الدولة القاعدية (داعش) ليتضح لنا أن مضمار نشاطها الارهابي يشمل سوريا والعراق معاً، وبالتالي فحربها على كرد سوريا اليوم قد تتحول إلى حرب ضدّ كرد العراق، لا سيّما أن ثمة تجارب مريرة سابقة لاقليم كردستان مع هذه المجاميع الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة، التي حاولت اجهاض التحول الديموقراطي والمكاسب المتحققة للكرد في عراق ما بعد البعث (لعلنا نتذكر جماعات من طينة جند الاسلام وأنصارها، وغيرها من حركات كردية متطرفة ومتواطئة على شعبها ككتائب آزادي وكومله في كردستان سوريا الآن). فهي هذه المرة، أيضاً، وبالتحالف مع القوى البعثية الصدامية تخوض حرباً ضد الكرد في سوريا، وتكفي الاشارة هنا إلى وجود كتائب في المعارضة العربية السورية تحمل اسم «الشهيد صدام حسين»، فضلاً عن أنّ بعض البيئات العشائرية العربية المتاخمة للمناطق الكردية السورية والمتداخلة معها والمحاذية للعراق تتميّز إلى حدّ ما بنزعة عروبية قومجية صدامية (من صدام حسين) يغذيها التداخل العشائري على طرفي الحدود، فالقاعدة تحاول والحال هذه الترعرع في هذه البيئة بغية ضرب النموذج الديموقراطي في كردستان سوريا، وتأليب مكوناتها على بعضها والدفع نحو حرب قومية كردية ــ عربية، بما يخدم أهدافها في خلط الأوراق وتعقيد الوضع أكثر فأكثر وتعميم الموت والدم.
وبهذا المعنى فان العملية الدموية في هولير (أربيل) تشكّل انذاراً بأنّ الحملات الارهابية الشرسة على كردستان سوريا بدأت تمتد لأجزاء كردستان الأخرى، فهذه الجماعات أعلنتها حرباً مفتوحة على الكرد، بما هم كرد بغض النظر عن انتماءاتهم وتبايناتهم. فمن يستبيح الدم الكردي في تل حاصل وتل عران ومن يعتدي على الكرد في سري كانيه (رأس العين)، ومن ينهبهم ويحلل ممتلكاتهم ونسائهم كما في كري سبي (تل أبيض) مثلاً، ومن يخطفهم على الهوية لن يتوانى عن ارتكاب كل هذه الجرائم ضد الكرد في عاصمة اقليم كردستان.
فتفجيرات أربيل الانتحارية المتزامنة مع انتهاء الانتخابات العامة في اقليم كردستان العراق، بما يعني المضي قدماً في تكريس التجربة الديموقراطية في الاقليم، لم تكن صدفة بل هي استهداف متعمّد للدور الكردي الريادي المتنامي في دمقرطة المنطقة، لا سيما على وقع الثورة الكردية في سوريا، وانتهاجها الخطّ الثالث الديموقراطي التعددي، بين خطي النظام والمعارضة العربيين. ولا ننسى هنا أنّ الحرب على كردستان سوريا، التي هي خدمة مجانية لنظام الأسد، من قبل تحالف «القاعدة» والعديد من كتائب «الجيش الحر» اشتدت منذ حوالى ثلاثة أشهر مع الاعلان عن مشروع الإدارة المدنية الموقتة من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) تمهيداً لاجراء الانتخابات ينبثق عنها برلمان وحكومة. وفي جبهة تمتدّ من ديريك شرقاً إلى عفرين غرباً، على امتداد خمسمائة كيلومتر، تشتعل حرباً بغية اجهاض ذاك المشروع الذي من شأنه تكريس المكتسبات القومية والديموقراطية في هذا الجزء من كردستان. هذا المشروع يشكّل وصفة حلّ لسوريا، عبر تطوير نموذج حكومة اقليمية منتخبة تتكامل مع الحكومة الاتحادية في سوريا المستقبل، في إطار دولة فيدرالية تعددية تتشارك فيها مختلف المكونات.
فالهجمة على أربيل تستدعي ادراك حجم المخاطر الداهمة والترابط المباشر بين ما تتعرض له كردستان سوريا وما تعرضت له أربيل مؤخراً. ولعلّ المطلوب إعادة تقويم ومراجعة شاملين للموقف من هذه الحرب ومن مجمل الوضع في غرب كردستان، وتحديداً من قبل الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي ما فتئ يحاول فرض بعض الجهات المحسوبة عليه كجماعة الاتحاد السياسي في المجلس الوطني الكردي كقوة أمر واقع في كردستان سوريا، كما هي الحال مع حزب آزادي الذي لا حاجة للاشارة إلى تورطه المباشر في هذه الحرب. ففي الوقت الذي يخوض غرب كردستان غمار حرب وجودية ضد جماعات غازية تستهدف تعريبه واحتلاله يتمّ محاصرة الكرد في سوريا، من جهة الاقليم الكردي العراقي الذي ينبغي أن يكون الرئة التي تتنفس بها كردستان سوريا.
والحال أن المؤمل أن تشكل هذه الحادثة الارهابية ناقوس خطر كي يترفع الجميع عن الاعتبارات والحسابات الفئوية الضيقة، وادراك أن الخطر حقيقي ولا يستهدف كرد سوريا فقط، وعليه فلا بد من تطوير مبادرات وآليات استراتيجية لدعم واحتضان ثورة غرب كردستان ودعم المقاومة الشعبية فيها بقيادة وحدات حماية الشعب بكافة السبل. مقاتلوا وحدات YPG هم الآن في خندق الدفاع الأول عن هولير (كردستان العراق) وآمد (كردستان تركيا) ومهاباد (كردستان إيران)، وهم في خندق الدفاع الأول عن المشروع الديموقراطي السوري ككل لبناء سوريا فيدرالية علمانية وتوافقية تتمخض عن المؤتمر الدولي للحل المزمع عقده في جنيف، والذي سيكون بمثابة اتفاق «طائف» سوري عماده المكونات الرئيسية الثلاث في البلاد: العرب السنة والكرد والعلويون، مع ضمان حقوق كافة المكونات الأخرى القومية والدينية.
* كاتب كردي