تعويض الدولة


الجراح النازفة والآلام المبرحة التي يشعر بها منكوبو عبّارة الموت على شواطئ إندونيسيا، لا يمكن أن تخففها كلمات المواساة التي يجود بها المسؤولون في الدولة. وهنا نسأل: ما الذي قامت به الدولة حيال الناجين من الضحايا؟! لا شيء على الإطلاق يمكن اعتباره عملاً جدياً، فمَن بقوا على قيد الحياة، طالبتهم الدولة الإندونيسية بدفع غرامات مقابل دخولهم البلاد خلسة، ولولا كرم أهل الخير والمروءة، لبقي الناجون إلى ما شاء الله في سجون إندونيسيا.
إن المنكوبين، سواء مَن نجوا وعادوا إلى الوطن، أو ذوو الضحايا، لكل منهم حكاية تدمي القلوب، حيث فقدوا الأحبّة وخسروا أعزّ ما يملكون من بشر وحجر وأموال. فقدوا الكثير مما لا يعوّضه مال ولا جاه. السبب الذي دفع هؤلاء البؤساء إلى شراء الموت، وقد دفعوا ثمنه حياتهم وأموالهم، هو تقصير الدولة المتعمّد في ما آلت إليه الحال. فلو أن وجهاء الدولة وهم يجلسون الآن على كراسي الوزارة، بل ويحتلون مقام رئاسة الوزراء، أعطوا مواطنيهم في دوائرهم الانتخابية _ الشمال بكل مدنه وقراه _ جزءاً من اهتمامهم، ولو بقدر يسير من حرصهم واهتمامهم بالوصول إلى الحكم، لما حدث ما حدث من نكبة وفجيعة لم تصب سوى الفقراء المعدمين سعياً وراء البقاء.
إن هذا الإهمال من جانب وجهاء الشمال اللبناني لا يغفره سوى أن يسارع هؤلاء من وزراء ونواب وكل مَن استفاد من تأييد هؤلاء البؤساء من الانتخابات، الى المساهمة ومد يد العون بالتعويض المادي والمعنوي على كل مَن تضرر.
إن التعويض المطلوب حيال هؤلاء يجب أن يشتمل على سداد ما دفعه المنكوبون ثمناً لرحلة الموت. فالعائدون الأحياء إلى الوطن في مسيس الحاجة إلى استعادة مساكنهم أو بيوتهم أو محالّهم التي باعوها بسبب الرحلة. أما الأموات، فإن أهلهم وذويهم سيبقون يشعرون بالحزن والأسى ما بقوا أحياءً حزناً على مَن فقدوا من أزواج وأولاد وأقرباء. وهذا لا يعوّضه مال بل المال يخفف الآلام، ويكفكف الدموع فقط.
إن الدولة مجبرة على أن تقوم بواجبها تعويضاً عن تقصيرها عن رعاية هؤلاء الفقراء البؤساء، بتوفير فرص العمل لهم. وإذا كان واجب الدولة هذا مفروضاً في أي وقت وزمان، فإنه أصبح من الأوجب الآن، وقد صار الحكم بأيدي دولة الرئيس ميقاتي ومعالي الوزير الصفدي.
إننا باسم الإنسانية والضمير نناشد المسؤولين في الدولة، وخاصة هيئة الإغاثة، وإلى جانبهم الشيوخ والعلماء الذين نشاهد صورهم بصفة دائمة على شاشات التلفزيون، نطالبهم بتبنّي هذا النداء لإسعاف المتضررين جميعاً رحمة بهم وحفاظاً على الأمن والسلم الداخلي.
الدكتور إبراهيم عبد المنعم