لا يختلف عاقلان على حاجة لبنان إلى هذه الهبة الإلهية التي ظهرت أخيراً في البحر. فالديون تتراكم، وخدمة الديْن تثقل على الموازنة، والبطالة ترتفع أيضاً. وحينما تكثر الثروات، لا بدّ للمطامع والمخططات أن تزداد. هكذا يبدو المشهد اليوم في لبنان، في ظل طبقة سياسية تستهوي إضافة الأوراق اللبنانية إلى الأوراق الخارجية، حتى لو كان نتيجة ذلك حرمان الشعب لمزيد من السنوات من خيرات النفط.
يبدو أن هناك من يريد للنفط في لبنان أن يكون مدخلاً خبيثاً لتغيير الكثير من المشهد اللبناني على الأرض وفي السياسة، وهنا يبرز مخطط فريدرك هوف الذي دعا إلى أن يكون المكان المتنازع عليه نفطياً في البحر بين لبنان والعدو الإسرائيلي، تحت وصاية دولية إلى حين اتفاق ما، مع عرقلة داخلية لبنانية للاستفادة من باقي الأماكن النفطية، يعوّل عليها هوف لإمرار المخطط المذكور.
هو النفط الذي يُراد له أن يصبح مدخلاً لثلاثية جديدة، الجيش ــــ الشعب ــــ اليونيفل، وبالتالي زيادة حجم قوات اليونيفل في لبنان، وزيادة حجم دورها أيضاً. الأمر يذكّرنا مجدداً برؤى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع حول الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان، وذلك عبر تعويض نقص القوة العسكرية في لبنان عن طريق الدول الخارجية، بدلاً من القوة الموجودة في المقاومة. أو ربّما هي في الأصل ثقافة «قوة لبنان في ضعفه» التي يُراد لها أن تعود في كل حين إلى الواجهة، لأنّ في لبنان من لا يريد أن يفهم أنّ ما قامت به المقاومة وما قام به الشعب على مدى عشرات السنين، يؤكد أن لا حظوظ لهذه الثقافة، ولا ثقة شعبية بها كنهج لإنقاذ لبنان.
يظهر في لبنان أنّ البعض أصبح وكيل الأميركان والأوروبيين في موضوع النفط، وفي ترويج مخطط هوف تحديداً، لإعادة خلط الأوراق في لبنان، وتحويل جزء من المقدّرات التي يُفترض أن تؤدي إلى تقوية لبنان، إلى جزء رخو يُستغل في إخضاعه. من هنا يأتي كلام الرئيس برّي، بأن لا تقسيم لمشروع النفط، فالأجدر أنّ تُلزّم البلوكات البحرية كاملة، على اعتبار أنّها ثروة واحدة لبلد واحد، فتخرج حينها من عباءة أيّ مخططات ومطامع.
كذلك ينظر الغرب إلى غاز لبنان ونفطه على أنّهما يجب أن يكونا مغذّيين لأوروبا، فتقف روسيا موقف المعارض، نظراً الى أنّ الغاز الروسي هو من يجعل بيوت الأوروبيين دافئة في الشتاء، ما سينسحب صراعاً بشكل دولي أكبر على الداخل اللبناني. هكذا يصبح النفط اللبناني مرتبطاً بسوريا أيضاً، بين روسيّ يريده أن يبقى في الشرق، وغربيّ يريده أن يذهب عبر حمص إلى تركيا فأوروبا. ومع الرخاوة اللبنانية أمام الإرادة الخارجية، يغرق لبنان في المزيد من المماطلة والمزيد من الفقر.
إميل حرب