ليست الرفيقة إليان الراهب من صنف الفنانين والمُبدعين التقليديّين. هي من طراز مُختلف تماماً. لها أسلوب خاص بها، وهو بعيد عن السائد و«الموضة» في الإخراج في لبنان. شاهدت معها قبل سنوات فيلم «قريب... بعيد» (فيه من السيرة الذاتيّة ما فيه) وأخذت بنوع من الإخراج بعيد عن كل ما يكتنز في الثقافة اللبنانيّة من عقد، وخصوصاً تلك التي تتعلّق بالرجل الأبيض وبأساطير مسخ الوطن. والأهم في أعمال إليان هو الصدق في التقديم والهدف. معظم مخرجي لبنان ومخرجاته يتوجهون بأعمالهم نحو الرجل الأبيض لنيل رضاه وجوائزه وتمويله.
إليان لا تنتمي إلى صنف هؤلاء. تجربة إليان هي العفويّة (غير المُصطنعة) والإخلاص والالتزام في العطاء، مع مبدئيّة لا تلين على طريقة الفن المُلتزم الذي يمثّله بأنقى صوره خالد الهبر في لبنان. وتنتاب إليان في روايتها الذاتيّة في «قريب... بعيد» عقدة ذنب وتأنيب ضمير: تحوّلت من الفكر الانعزالي الطائفي المعادي للشعب الفلسطيني (أي الفكر الذي نشأت في كنفه)، نحو فكر تقدّمي تحرّري معاد للصهيونيّة بثبات.
لكن حسّ إليان المُرهف يبدو أنه يدفعها إلى الشعور بالذنب عن سنوات سابقة لتحوّلها، لكنّها لم تذنِب بمعنى ارتكاب أفعال الذنب. وقد يكون هذا الشعور هو صلة الوصل بين إليان وأسعد الشفتري، رغم بعد المسافة الإنسانيّة والسياسيّة. أنا أذكر أن إليان حدّثتني عن الشفتري قبل سنوات، وأخبرتني عن قصّة تلاوته لفعل الندامة أمام الملأ. لكنّني كنت متوجّساً منه كما أتوجّس، لا بل أمقت، كل رفاق بشير الجميّل _ أسوأ لبناني على الإطلاق. حاولت إليان أن تدفعني كي أتصل به مقدمة للقائه، وأعطتني رقم هاتفه. حملت الرقم معي لأيّام، ولكن لم أتصل (رويت من قبل أن الراحل جوزف سماحة عاتبني مرّة لأنني لا ألتقي بأي كان من الطرف الانعزالي في لبنان. قال إن من الضروري أن أتحدّث إلى واحد أو اثنين منهم. أعطاني رقمَيْ هاتف لسمير فرنجيّة وفارس سعيد على ما أذكر. حملت الرقمين معي لأيّام ثم صارحته: أنا ما زلت عاطفيّاً وعقليّاً مُرتبطاً بقرار الحركة الوطنيّة في مقاطعة حزب الكتائب اللبنانيّة _ شارك جورج حاوي في صياغة القرار المذكور، لكنه مثل وليد جنبلاط كان يتواصل مع قادة الميليشيات الانعزاليّة سرّاً، واعترف عبد الكريم مروّة (أسقط في السبعينيات «العبد» من اسمه) بذلك في كتابه «الشيوعيّون الأربعة الكبار». كنت أتصوّر أسعد الشفتري وهو «يمارس» القبائح والفاحشات السياسيّة في حقبة الحرب الأهليّة فتنتفض جوارحي).
وكانت إليان، مثل غيرها، من المؤمنين والمؤمنات بصدق تحوّل أو اعتراف الشفتري. لكنني كنت حذراً بالرغم من قراءتي لما قال، وخصوصاً عن نشأته العنصريّة المعادية للمسلمين والفلسطينيّين. لكن بعد اغتيال الحريري، شاهدته على شاشة «المستقبل» ووجدت أنه عاد وحاد عن تحوّله وبدا كمن يعود إلى صباه، ووجدت خطابه آنذاك متناسقاً مع خطاب «القوّات اللبنانيّة» ومع حركة 14 آذار. نسي الشفتري يومها مسرحيّة تحوّله وندمه وطلبه للغفران. وأذكر أن مضيفه، علي حمادة (الذي في لقائي الوحيد معه في حياتي قبل اغتيال الحريري حثّني على التعرّف على بهجت سليمان وقال لي إنه ليس كل جماعة الاستخبارات السوريّة سواء) استحسن أقواله آنذاك.
لكن الموضوع هو فيلم إليان الراهب «ليال بلا نوم». ليس من المبالغة القول إن إليان مُبدعة في إخراجها وفي تناولها للمواضيع. تذكّرني بأفضل ما في السينما الفرنسيّة وإن كانت أعمالها خاصّة بها. وهي مبدئيّة لا تساير الجمهور أو الذوق العام في أفلامها. لا يمكن أن تنحدر إليان إلى مستوى الفيلم التجاري أو حتى الفيلم الذي يتوجّه إلى الرجل الأبيض. هناك اليوم في لبنان من يتوجّه إلى الرجل الإسرائيلي الأبيض، مثل زياد الدويري الذي يحاول أن يعوّض عن غياب الموهبة عبر التملّق الرخيص والرديء (وليس من تملّق حسن) للكيان الصهيوني: هو يجول على الإعلام الغربي ليقول لهم إنه كاد أن يدخل السجن لأنه أصرّ على تصوير فيلمه في «إسرائيل»، كما أنه أخبر وسيلة إعلاميّة أخيراً أنه اكتشف من خلال تواصله مع الإسرائيليّين أنه «مثلهم» _ هذا شأنه إذا وجد أنّ نتنياهو وشارون مثله، لكن لو أن في لبنان دولة لكانت جرّمت تواصله مع العدوّ، كما يجرّم العدوّ أي تواصل بين مواطن في الكيان وأعداء الكيان في حركات المقاومة.
إليان من صنف آخر. إنها مسكونة بهاجس الحرب الأهليّة ومفاعيلها ومضاعفاتها. وهي ترى ما لا يراه العامّة. وحركة الكاميرا في أفلام إليان خاصّة بها وغريبة الأطوار، ما يعطيها فرادة ممتعة في سرديّتها. تشدّ المشاهد حتى في التصوير العادي لمشهد عادي في الشارع. لديها القدرة على النفاذ إلى العمق، ومن دون جهد أو تكلّف. والفيلم يرصد معاناة مريم الصعيدي و«معاناة» أسعد الشفتري. لكن هل تجوز المساواة بين المعاناتين، هذا لو كان ما يمرّ به مجرم الحرب أسعد الشفتري هو «معاناة»؟
مريم الصعيدي لم ترتكب جرماً، ولم يرتكب ابنها ماهر جرماً هو الآخر. هما بريئان في حرب أهليّة تفنّنت ميليشياتها في إيذاء الأبرياء. أسعد الشفتري مجرم حرب بكل معنى الكلمة القانوني. كان في قسم الاستخبارات والأمن الذي رأسه مجرم الحرب الآخر، إيلي حبيقة الذي أفتى بعد اعتذار الشفتري أن ليس هناك من مجرم ومن بريء في الحرب اللبنانيّة (لا يُغفر لأي وطني ومقاوم تسامحه مع إيلي حبيقة، والذين تسامحوا معه فعلوا ذلك بأمر من الاستخبارات السوريّة أو الأموال الحريريّة). ومع الإقرار بأن كل فروع «القوّات اللبنانيّة» كانت إجراميّة (هناك هرميّة في الإجرام الحربي خلال سنوات الحرب، وتتصدّر الهرميّة «القوّات اللبنانيّة»، وتليها ميليشيات الحزب التقدّمي الاشتراكي و«أمل» و«المرابطون» والدكاكين المتنوّعة التي أنشأها ياسر عرفات، بالإضافة إلى دكاكين الاستخبارات السوريّة والعراقيّة). لكن القسم الذي عمل فيه الشفتري في موقع قيادي كان المسؤول المباشر عن التعذيب والقتل والتنكيل والتمثيل بالجثث. والشفتري لا ينفي التهمة عن نفسه، لكنه يتناقض في شهادته في الفيلم. وقسم الاستخبارات والأمن الذي أشرف عليه حبيقة كان من صنع الـ«موساد» وتلحينه وإعداده وإخراجه، وهل يظنّ الشفتري أنه بابتسامته الخبيثة ردّاً على سؤال إيليان عن تدرّبه في دولة الكيان الغاصب يلقي نكتة على الجمهور؟ هل التدرّب على يد جهاز إرهاب العدوّ من الصغائر؟ وهل يظنّ أنه يخفي عن المشاهد حقيقة ارتهانه وارتهان رئيسه وجهازهما للعدوّ الإسرائيلي؟
يقرّ الشفتري بأنه ارتكب جرائم حرب غير مُحدّدة، وأنها أفظع وأكبر مما اعترف به، لكنه يقول ذلك تلميحاً لا تصريحاً. يتمنّع عن إعطاء تفاصيل قد تريح الأحياء من ضحاياه أو أقارب ضحاياه من الأموات. الرجل الذي يزعم أنه تحوّل لا يحيد عن التزامه وثبات ولائه لميليشيا القوّات اللبنانيّة ولما يسمّيه «المجتمع المسيحي». أي تحوّل هو هذا، وأي طلب غفران هو هذا عندما يستمرّ المجرم في ولائه للمؤسّسة الإجراميّة ولذكراها؟ كان بإمكان الشفتري أن يساهم في حل أزمات نفسيّة مستعصية لو أنه قدّم معلومات وحقائق عن مقابر جماعيّة وعن جرائم مُحدّدة بدلاً من الكلام العام والتهريج العلاجي النفسي. لكن ولاءه للقوّات ولمجرميها أكبر. أكثر من ذلك، يطلع الشفتري في «النهار» (منبر الرجعيّة الطائفيّة التقليدية الذي لا تزيده السنون إلا استعاراً وحدّة) ويندّد بالفيلم، ويوضّح لجمهور ميليشيا جرائم الحرب أنه لم يرد محاكمة لها ولقيادتها. لم يصل الشفتري في ندمه وفي طلب الغفران إلا إلى ربع الطريق، ويعود ليرجع القهقرى عند أوّل إشارة من جمهوره. يريد الشفتري هدفين متناقضين: أن يحوز الصفة الإنسانيّة وأن يعبر نحو «اللبناني الآخر» (بالتعريف الطائفي الذي لا يزال يرزح تحته)، لكن من دون أن يخسر جمهور القاعدة الطائفيّة للميليشيا التي ارتكب جرائم الحرب تحت لوائها. على الشفتري أن يقرّر: أهو مُدان أو مدين؟ يظهر الشفتري في «النهار» على حقيقته: عتبه على إليان الراهب يكمن في عدم تظهيره بطلاً على حصان، يمارس تجارة السلاح من باب الهواية، أو الفنّ للفنّ.
كما أن الشفتري يرفض حتى الحديث في موضوع العلاقة مع العدوّ الإسرائيلي. هو من محرّماته الانتقائيّة. هو يحمي كل تاريخ القوّات المُشين. ولكن ماذا يريد منا أسعد الشفتري؟ هل يريد وساماً أم علبة حلوى لأنه يعترف باقترافه جرائم حرب فظيعة؟ هل يريد أن نعزف له على الكمان تحت غرفة نومه كي يهنأ في نوم عميق؟ هل يريد أن نحمله على الأكفّ في مهرجان غفراني يجول بين «المجتمع المسيحي» و«المجتمع المُسلم»؟ أم أن الشفتري يريد منّا أن نعترف نحن له بجميلنا لأنه ارتكب جرائم حرب تحت ذرائع صدّ «مخطّط التوطين» (لا يحيد الشفتري في سنوات الغفران عن سرديّة الحرب القوّاتيّة). أم أن الشفتري يريد أن يظهر مظهر البطل في نظر من بقي من المؤسّسة التي لا يزال يعبّر عن الولاء لها؟ لن يُعاقب أسعد الشفتري وهو يعلم ذلك. وضحاياه _ الذين واللواتي قتلهم بالسكّين أو بالمسدّس أو بالبندقيّة أو بأمر منه لمأموريه _ لن يعاقبوه لأن واحداً منهم لم ينج من براثنه ومن براثن قوّاته. يستطيع مثلاً أن يعاقب نفسه، بأن يسجن نفسه أو أن يحكم على نفسه بسكّين أو مسدّس من المسدّسات التي جمعها في تاريخه الحربي العريق. هذا لو أراد. لا يكفي اعتراف الشفتري المنقوص ولا يدخله تاريخ الصفح الوطني. يريد أن يقول القليل القليل بعدما فعل الكثير الكثير من جرائم الحرب.
لكن ماذا عن الشقّ الآخر في الفيلم؟ عن اختفاء المقاتل الشيوعي الشجاع، ماهر قصير؟ ماذا عن معاناة مريم الصعيدي وسعيها الدؤوب، التي أحسن الفيلم في عرض معاناتها. إنها مزعجة لأن المجتمع يستحقّ الإزعاج، قاطعة لأن المجتمع لا يُحسن إلى التسويات والتنازل، رافضة لأنها لم تلق قبولاً، مُصرّة لأن الإصرار ليس من شيم تجّار القضيّة، حثيثة، لأنها تريد حلّاً. ولا تصدّقوا ما قاله جبران إنّ الأولاد هم أولاد الحياة: هم أولاد أمهاتهم وآبائهم. ماذا فعلت «الحياة» لماهر قصير؟
هنا، يجب مساءلة الحزب الشيوعي، ومشهد إلياس عطا الله في الفيلم، هو للتاريخ. كم أحسنت صنعاً إليان في هذا المشهد. وعطا الله، الذي عُيّن من قبل جورج حاوي الذي رعاه مسؤولاً عسكريّاً عن الحزب، لم يخض (حسب شهادات لأفراد في القيادة العسكريّة للحزب خلال سنوات الحرب) دوراً قتاليّاً في الحرب، لكنه كان في قيادة العمل العسكري: (خضع لدورات نظريّة في موسكو فقط، ولعلّه نهل عن الحريريّة في الكتب المُقرّرة هناك). لكن كيف يقبل الحزب الشيوعي مقاتلاً في سن ماهر؟ ولو قبل به متطوّعاً، لماذا قُبل دوره في محور من أسخن المحاور في تلك المعارك الطاحنة؟ من قرّر ذلك؟ الياس عطا الله الذي بدا غير مكترث هو مسؤول. كان تشي غيفارا يرفض تطوّع من هم دون الثامنة عشرة (طبعاً، من دون مقارنة عطا الله بتشي غيفارا، مع أن المقارنة بين الياس عطا الله وخالد زهرمان جائزة). لكن معظم الأحزاب الوطنيّة كانت تقبل أولاداً وأطفالاً في الدورات العسكريّة وحتى في الأدوار القتاليّة: أنا أذكر ولداً صغيراً في مخيّم تدريبي في جنوب لبنان وقد تعرّض خلال الدورة لتحرّش جنسي _ أو اعتداء في ما بعد لأنه لا تحقيق جرى ولا محاسبة _ من مقاتل آخر أكبر منه سنّاً. على أقلّ تقدير، الحزب الشيوعي مُطالب بإجراء تحقيق في الموضوع: هذا من حقوق الشهيد ماهر قصير.
وينجح الفيلم في الانتقال من نماذج مختلفة في الحياة اللبنانيّة وطريقة التعاطي مع ويلات الحرب. شخصيّة السيّدة عسيلي ضروريّة لأن الطبقة البورجوازيّة تقحم نفسها في كل الأمور، وحسناً فعلت مريم الصعيدي في الخروج من منزل عسيلي، التي جلبت من أميركا عائلات ضحايا 11 أيلول للبكاء في لبنان من أجل النقاهة (بجدّ). والطبقة البورجوازيّة مسؤولة أكثر بكثير عن الصورة البريئة نسبيّاً للسيّدة عسيلي: الطبقة البورجوازيّة موّلت ميليشيات الحرب في الضفتين (يختلف الأمر في حالة ميليشيا حزب وليد جنبلاط وميليشيا «المرابطون» وميليشيا القوّات اللبنانيّة وميليشيا حركة «أمل» وذلك لفرضهم خوّات). وظاهرة بشير الجميّل كانت في جانب منها خيار البورجوازيّة المسيحيّة في المنطقة الشرقيّة لدعم الـ«بيزنس» مقابل ملايين الدولارات لرجل إسرائيل في لبنان. الطبقة البوجوازيّة موّلت جرائم الحرب، وأسوأ نماذج تلك البورجوازيّة هو رفيق الحريري الذي لم يترك ميليشيا مجرمي حرب إلا موّلها، ويكفي أنه موّل واحداً من أفظع مجرمي الحرب، أي إيلي حبيقة (وعاونه في إنعاش سمعة حبيقة النظام السوري الذي استقبل حبيقة بالأحضان، وغفر له مجازره وعلاقته بالعدوّ الإسرائيلي).
لكن الفيلم أغضب فريق القوّات اللبنانيّة: أفردت محطة «إم. تي. في.» حلقة خاصّة في البرنامج الذي لا يحمل من الموضوعيّة إلا اسمَها فقط. وكالعادة في كل برنامج في محطات تميل إلى سرديّة بشير الجميّل للحرب، يأتون بتائبين عن العمل في الحركة الوطنيّة _ ولا يكتمل عقد الحلقة من دون دعوة المهرّج منير بركات (الذي لم ينشقّ بأمر طائفي من وليد جنبلاط عن الحزب الشيوعي). ومدير تحرير جريدة إلياس المرّ شارل جبور (بطل «ويكيليكس»، والرئيس الجديد لـ«صندوق _ نعم صندوق _ الإنتربول لعالم أكثر أمناً»، وهذا منصب شرفي من دون صلاحيات) يريد من الشفتري نزع سلاح حزب الله بيديه كي يسامحه لا عن جرائمه في الحرب، بل عن جريمة الاعتذار عن جرائم الحرب. وجهاد الزين في «النهار» يريد من إليان الراهب أن تعتمد «التوازن الطائفي»، فتجعل من مجزرة صبرا وشاتيلا فعلة تقابلها أفعال أخرى، ويعتب عليها لعدم تصوير مجرمي الحرب من الشيعة والسنّة والأقليّات. من نجاحات القوّات اللبنانيّة والدعاية الإسرائيليّة أنها ساوت بين مجرمي الحرب، متناسية أن حزب الكتائب والقوّات اللبنانيّة يتحمّلان أكبر مسؤوليّة من جرائم الحرب بسبب: 1) جرّ النظام السوري إلى لبنان. 2) التحالف مع العدوّ الإسرائيلي ومع احتلالاته واجتياحاته. 3) إشعال الحرب الأهليّة. 4) إطالة الحرب الأهليّة بأوامر خارجيّة. 5) البدء بالجرائم الطائفيّة. 6) ارتكاب جرائم تطهير عرقي وطائفي وشوفيني لم يرتكبها أحد غيرهم بهذه الصورة الممنهجة. 7) تعمية جرائمهم الطائفيّة تحت عناوين محاربة التوطين، متناسين جرائمهم الفظيعة ضد المسلمين اللبنانيّين وضد اليسار اللبناني. 8) استيراد المرتزقة، وهذا لم يفعله في الحرب إلا هم. 9) محاولة الاستيلاء على الوطن بعد تقسيمه. ليس هناك ميليشيا جاورت حدود جرائم حرب الكتائب والقوّات في لبنان. لهذا، أحسنت إليان في اختيارها لأسعد الشفتري وللحقبة التي تلت اجتياح العدوّ الإسرائيلي للبنان.
سألتني صديقتي ميشيل بعد انتهاء الفيلم عن سبب عدم تضمينه ختاماً أو خلاصة أو حلّاً. قلت لها: نحن في لبنان لا نؤمن بالحلول. نترك الأمور معلّقة، وحسناً فعلت إليان في التمنّع عن تقديم الحلّ أو تصوير مصافحة بين الشفتري ومريم الصعيدي.
كتب «الشيخ الأحمر» عبد الله العلايلي (الذي علّمنا في العائلة في سنّ جد مبكّرة نبذ الفرقة السنيّة الشيعيّة لأن أمّي _ قريبته _ كانت متزوجة بشيعي) في مجلّة «الثقافة الوطنيّة» يوم عيد العمّال في الخمسينيات عن حكم التاريخ فقال: «ففي وعيه أنتم (أي العمّال) المبتدأ والخبر. فلغدكم الصدر، ولغد المُستغلّين بطون الحفر». ولغد أسعد الشفتري وإيلي حبيقة وبشير الجميّل وأمين الجميّل وداني شمعون وسمير جعجع وحنّا عتيق ومسعود الأشقر وفؤاد أبو ناضر وفادي افرام وإتيان صقر وجورج عدوان والأباتي بولس نعمان... لهم جميعاً بطون الحفر.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)