قبيل انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، وفي سياق الاستعداد للمشاركة فيه، عُقد بتاريخ 22/ 10/2013 في العاصمة البريطانية لندن مؤتمر مجموعة ما يسمى أصدقاء الشعب السوري (أصدقاء الائتلاف الوطني السوري) المكونة من إحدى عشر دولة، من بينها خمس دول عربية تتقدمها المملكة العربية السعودية، إضافة إلى وفد يمثل الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة. في نهاية المؤتمر صدر بيان عنه تضمن جملة من المواقف تبنتها بالإجماع الدول المشاركة إضافة إلى وفد الائتلاف.
ومن خلال مقارنة ما جاء في البيان بالنهج السياسي الذي اتبعه الائتلاف الوطني وقبله المجلس الوطني طيلة الفترة الماضية من زمن انتفاضة الشعب السوري، يمكن القول إنّ المؤتمر قد نجح أخيراً في إعادة الائتلاف إلى الواقعية السياسية، بعدما ظل طيلة زمن الانتفاضة السورية يحلق في فضاء الشعارات، مستخدماً لغة مبتذلة في تعامله مع خصومه السياسيين، وخصوصاً النظام، ومعارضته لكل المبادرات الدولية لحل الأزمة السورية، سواء تلك التي صدرت عن الجامعة العربية، أو التي صدرت عن الأمم المتحدة، ومنها مبادرة مجموعة العمل الخاصة بسوريا، التي صدر عنها إعلان «جنيف 1»، الذي يجري العمل اليوم على تطبيقه من خلال مؤتمر «جنيف 2».
لقد جاء في الفقرة الأولى من البيان: «ترحب مجموعة أصدقاء سوريا «لندن 11» بالإجماع بتوافق مجلس الأمن الدولي يوم 27 سبتمبر/ أيلول على الحاجة الملحة إلى الانتقال السياسي وتأييده لإعلان جنيف، الذي كان موضوعه تشكيل هيئة حكومية انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة تشمل الأمن والجيش والهياكل الاستخبارية». في هذه الفقرة يلفت الانتباه أن البيان صدر بالإجماع، هذا يعني أن الائتلاف والسعودية موافقان عليه، وهو يعلن تأييده «لإعلان جنيف» وما تضمنه من خارطة طريق للخروج من الأزمة، إضافة إلى ذلك، فهو يتحدث عن انتقال «سياسي» لا عن انتقال «السلطة»، كما كان يطالب بذلك قادة الائتلاف دائماً، وبين الانتقالين فروق جوهرية كما هو معلوم. وهذه الحكومة ينبغي أن تتمتع بصلاحيات «تنفيذية» كاملة، لا بصلاحيات «كاملة» كما كان يطالب الائتلاف أيضاً. لقد صيغت هذه الفقرة بالكامل بما يتوافق مع بيان «جنيف 1»، الذي كان يرفضه
الائتلاف.
في الفقرة الثانية، التي تبدو شكلاً أنها محابية لخطاب الائتلاف المعروف، جاءت أيضاً على عكس ما ظل قادة الائتلاف يطالبون به. فهم على الأغلب لم يفكروا في المعنى الذي تعطيه كلمة «نوافق» التي تقدمت هذه الفقرة من البيان، والتي لا يمكن لمعارض أن يختلف معها فيعارضها. لقد جاء في النص: «نوافق على أنه عندما يجري تأسيس الهيئة الحكومية الانتقالية فإن بشار الأسد ومساعديه المقربين والملطخة أيديهم لن يكون لهم دور في سوريا. ولا بد أن تكون هناك مساءلة على الأعمال التي ارتكبت أثناء الصراع الحالي». من الواضح أنّ الخطاب في هذه الفقرة موجه إلى أصحابه، ولا يلزم مؤتمر «جنيف 2» بشيء، وهناك فرق كبير بين أن توافق أنت على حصول شيء وحصوله فعلياً.
بالطبع من المتوقع أن تطالب جميع أطراف المعارضة التي سوف تشارك في مؤتمر «جنيف 2» بأن تتحمل السلطة القائمة المسؤولية عما حصل في سوريا، وأن تتنحى، بل وأن تحاسب أيضاً. وهذا شيء مفهوم ومطلوب، لكن ذلك ليس شرطاً واجب التنفيذ، فقد يرى المؤتمر غير ذلك، على الأقل خلال المرحلة الانتقالية. حتى «المساءلة» التي طالب بها البيان في نهاية هذه الفقرة جاءت عامة لا تخص السلطة وحدها، بل جميع «الأعمال التي جرى ارتكابها أثناء الصراع»، مما يترك الباب مفتوحاً لمساءلة المعارضة ذاتها، وخصوصاً المعارضة المسلحة. والمساءلة هنا غير «المحاسبة» التي لطالما طالبت بها المعارضة السورية بجميع فصائلها، مما يترك باباً لنجاة حتى المجرمين الذين ارتكبوا المجازر ضد السوريين من العقاب، أقله في المدى المنظور.
في الفقرة الرابعة من البيان، وردت في المقدمة عبارة «نرحب بالتقدم المنجز بخصوص التحضيرات لمؤتمر «جنيف 2»، ونتعهد تقديم الدعم الكامل للممثل الخاص المشترك...». لقد حسمت هذه العبارة مواقف الأطراف المشاركة في لقاء لندن، ومنها بطبيعة الحال الائتلاف، بصورة لا لبس فيها من مؤتمر جنيف، ومشاركتها فيه، بل وتعهدها تقديم «الدعم الكامل» للسيد الأخضر الإبراهيمي «الممثل الخاص المشترك».
في الفقرة الثامنة من البيان أُشيرَ بوضوح إلى المخاطر الناجمة عن «انتشار التطرف»، ويذكر بالاسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وجبهة النصرة... ويترك الجملة مفتوحة لتشمل قوى أخرى محتملة. يفترض بالائتلاف بعد هذا البيان الذي وافق عليه أن يخرج من خطابه بتصنيف هذه الجماعات المسلحة من قائمة «قوى الثورة»، ويعدّها قوى إرهابية. وعلى خلاف مع خطاب الائتلاف السائد، فإن البيان في هذه الفقرة يطالب أيضاً بخروج جميع «المقاتلين الأجانب» من سوريا، وليس فقط تلك القوات التي تقاتل إلى جانب النظام.
في الفقرة 12 من البيان، ورد بالنص يجري «بالموافقة المتبادلة تأسيس هيئة حكومية انتقالية ذات سلطات تنفيذية كاملة وتتمتع بالسيطرة على جميع المؤسسات الحكومية، بما في ذلك القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات... وهذه الهيئة يجب أن تكون هي المصدر الوحيد للشرعية والالتزام القانوني في سوريا، وإن أية انتخابات في سوريا يجب أن تجري ضمن إطار الانتقال السياسي». قد يكون ما جاء في هذه الفقرة هو «شيطان التفاصيل» بذاته، فالموافقة المتبادلة المنصوص عنها هنا سوف تترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لتعظيم الاختلافات بين المعارضة والنظام، وإذا ما استخدم كل طرف حق الفيتو الممنوح له بموجب هذه الفقرة، فإنه يمكن توقع عدم التقدم إلى الأمام على طريق الخروج من الأزمة. لذلك لا بد من وضع آليات لحل التعارض والاختلاف في الآراء والمواقف بين المعارضة والنظام، وهي مؤكدة، من أجل نجاح المؤتمر والمساعي اللاحقة للخروج من الأزمة.
في الفقرة 16، وفي معرض الحديث عن وفد المعارضة الذي ينبغي أن يفاوض وفد النظام ورد بالنص «يجب أن تجري المفاوضات عبر وساطة الممثل الخاص المشترك ما بين وفد منفرد للنظام السوري، ووفد منفرد للمعارضة، والتي يجب أن يشكل الائتلاف الوطني السوري جوهرها ورائدها بصفته الممثل الشرعي للشعب السوري». تبدو هذه الفقرة الطعم الذي ألقي للائتلاف لتحفيزه على تغيير استراتيجيته السياسية وقبول الحل السياسي، لكن هنا أيضاً لم يعدّ الائتلاف الممثل الشرعي والوحيد للمعارضة، وإنّ عبارة «أن يشكل الائتلاف جوهرها ورائدها...» تعني أن هناك قوى معارضة أخرى، سوف تشارك إلى جانب الائتلاف في مواجهة وفد النظام، وإن توصيف دوره بالجوهري والرائد لا يعني أنّ دور المعارضين الآخرين ليس جوهريا ورائداً.
بصورة عامة يمكن القول إن بيان «لندن 11»، يتطابق في أفكاره الرئيسية مع بيان «جنيف 1»، وهو يكاد يستلهم في أغلب بنوده ما جاء في المذكرة التنفيذية لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، التي سلمت للمسؤولين الروس والأميركيين، وكانا قد أبديا إعجابهما بها في حينه.
* رئيس مكتب الاعلام
في «هيئة التنسيق الوطنية» السورية