على وقع الهزائم والانكسارات العسكرية المتتالية للجماعات الارهابية التابعة لتنظيم القاعدة في غرب كردستان (كردستان سوريا)، اثر المقاومة الشعبية العارمة بقيادة وحدات حماية الشعب (YPG)، التي أثبتت بعد نحو عام من بداية هذه المعارك مدى قوتها وانضباطها ونجاحها في حماية المنطقة بكافة مكوناتها، أخذت هذه المجاميع الارهابية باللجوء إلى أسلوب العمليات الانتحارية والارهابية عبر السيارات المفخخة. فعلى مدى الأشهر الماضية نفذت عمليات عديدة ضد نقاط التفتيش التابعة لقوى الأسايش، ولعل آخر هذه الجرائم هي العملية الارهابية في كوباني، التي يمكن اعتبارها العملية الأكبر لجهة قوة التفجير وعدد الضحايا. عشرات الشهداء والجرحى، بينهم أطفال، باستهداف مقر الهلال الأحمر الكردي في المدينة، في جريمة تثبت مدى الانحطاط الأخلاقي والقيمي لدى هذه الجماعات الرعاعية الضاربة عرض الحائط بأبسط قواعد الحروب وأخلاقياتها. ولعل استهداف مقر الهلال الأحمر، الذي يقع بجانب مدرسة ابتدائية، حيث سقط عدد من طلابها ضحايا، هذا التفجير الآثم، ينمّ عن مدى العجز والفشل لهذه الجماعات ولمن يقفون خلفها. فبعد توالي هزائمها وانكساراتها العسكرية من تل كوجر إلى سري كانيه، فكري سبي وعفرين، تعتمد هذه العصابات هذا الأسلوب الارهابي الجبان في استهداف المدن والقرى الآمنة في غرب كردستان، وقتل المدنيين في محاولة يائسة لتعويض اندحاراتها وفشل مخططاتها لاحتلال المنطقة وتعريبها وإقامة إمارات اسلامية فيها.
ولا ريب أنّ استهداف كوباني بهذا التفجير الضخم لم يأتِ اعتباطاً، فالمدينة لطالما مثّلت قلعة كردستانية حصينة، لها اسهامها المشهود في رفد الثورات التحررية في مختلف أجزاء كردستان، ولا سيما في شمال كردستان (كردستان تركيا)، فضلاً عن أنها كانت شرارة ثورة 19 تموز من العام المنصرم، لتتبعها أخواتها من مدن غرب كردستان من عفرين إلى رميلان وصولاً إلى تل كوجر، حيث المعبر الحدودي بين غرب كردستان والعراق.
وكوباني دشّنت عملياً الإدارة الكردستانية في غرب كردستان، لكونها أول مدينة تتحرّر من النظام. تلك الإدارة التي دخلت حيز التطبيق العملي اثر الاعلان التاريخي عن ولادتها في 12 تشرين الثاني 2013، تحولت بعد هذه الجريمة إلى أيقونة للمقاومة والحرية والنصر في عموم غرب كردستان، وليجري اعلانها أحد أضلاع مثلث غرب كردستان الإداري، ككانتون في إطار الإدارة الاقليمية العامة.
والجريمة المنحطة بكافة المقاييس عبر استهداف مقر مدني طبي، لم يصدر حتى مجرد بيان إدانة لها من قبل الائتلاف العربي السوري، وملحقه المسمى المجلس الوطني الكردي، لكنه فور الاعلان عن البدء في تطبيق الإدارة المرحلية المشتركة في غرب كردستان سارع إلى اصدار بيان عدائي يقطّر عنصرية وحقداً، ذكّرنا بالرطانة البعثية إياها عن اتهام الكرد بالنزعات الانفصالية والتآمر والعصيان والتخريب، في اجترار سقيم من هذا الائتلاف للائحة الاتهامية للنظام البعثي بحق الكرد على مدى عقود، التي لطالما حوكم بموجبها المناضلون الكرد في سوريا بتهم تهديد أمن الدولة والعمل على اقتطاع جزء من الأراضي السورية واضعاف الشعور القومي للأمة العربية وتقسيم سوريا، كما ردد بكل صفاقة المدعو عبد الحكيم بشار، كبير المستعربين «الكرد» في الائتلاف العربي السوري في مقابلة جمعت كاتب هذه السطور معه على شاشة «العربية»، بعيد إعلان الإدارة المرحلية لغرب كردستان.
* كاتب كردي