في مقابلة لكاتب هذه السطور مع راديو «كلي كردستان» قبل أيام، كان أحد الأسئلة المطروحة: هل بإمكان الكرد بعد إعلان إدارتهم المرحلية في غرب كردستان (كردستان سوريا) لعب دور مماثل لدور كرد العراق في احتضان قوى المعارضة العراقية ككل؟ هو لا شك سؤال وجيه ويثير نقطة جديرة بالشرح والتوقف عندها، وخاصة أن الكرد في سوريا باتوا يلعبون دوراً متصاعداً كقوة طليعية للحركة الديموقراطية السورية، بعدما أثبتت الوقائع صحة نهجهم في اختطاط الخط الثالث الديموقراطي التعددي بين خطي النظام والمعارضة الطائفيين ومع أن ثمة قوى ديموقراطية عديدة في المعارضة السورية ترتبط بعلاقات تحالف وتنسيق مع الكرد، وخاصة مع حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان وعبرهما مع الهيئة الكردية العليا. والبعض منها اندرج ضمن مشروع الإدارة المرحلية المشتركة في غرب كردستان، كهيئة التنسيق الوطنية وحركة المجتمع التعددي وغيرها من القوى العربية الديموقراطية الهادفة إلى سوريا تعددية لامركزية، لكن المعارضة العروبية الطائفية التوجه والتي تتخذ من اسطنبول مقراً لها، وعلى رأسها الائتلاف لطالما ناصبت التجربة الديموقراطية في غرب كردستان العداء، بل ووقفت مباشرة خلف الهجمات المتواصلة عليها من قبل أفرع تنظيم القاعدة في سوريا منذ نحو أكثر من عام. وحسبنا التنويه إلى بيانات الدعم والتأييد مرة بعد مرة لهذه الجماعات من قبل الائتلاف، كالبيان الذي أصدره الأخير بعيد تحرير تل كوجر حيث دافع صراحة عن تنظيم القاعدة، الذي كان قد حوّل تلك البوابة الحدودية بين العراق وغرب كردستان إلى منصة لهجماته الإرهابية على مناطق غرب كردستان.والحال أنّ الكرد في سوريا نجحوا إلى حد كبير في مد جسور التعاون والتحالف مع القوى ذات التوجهات المدنية والعلمانية المناهضة لثلاثية: العسكرة والتطييف والأسلمة، التي أصابت الثورة في مقتل. وعلى رأسها هيئة التنسيق الوطنية التي رغم كل الحملات الشرسة ضدها فرضت نفسها قوة أساسية في معادلات التغيير والتحول، ولا سيما مع التحضيرات لمؤتمر جنيف الثاني، والذي عبّرت الهيئة صراحة عن دعمها لتمثل الكرد فيه تحت إطار الهيئة الكردية العليا. كما ثبت أن قراءاتها ورؤاها لطبيعة المشهد السوري كانت الأصوب، بدليل أن المعارضة السورية الاسطنبولية أخذت تقر رويداً رويداً برؤية الهيئة ومقارباتها التي كان يجري تخوينها.
ولعل اشتراكها في الإدارة المرحلية، وهي المتعارف على تسميتها أنها معارضة الداخل وتضم قوى وشخصيات مشهود لها بمقارعة الاستبداد منذ عقود، يعتبر خير دليل على انفتاحها على الحلّ الديموقراطي العادل للقضية الكردية في سوريا الجديدة. أضف إلى ذلك تمثل أكبر حزب في غرب كردستان، وهو حزب الاتحاد الديموقراطي في الهيئة، على عكس الائتلاف الذي أصدر بياناً أشبه بإعلان حرب صريح على الشعب الكردي بعيد إعلان الإدارة المرحلية، رغم أنّه عملياً، وإن بصورة غير مباشرة، يخوض حرباً مفتوحة ضد غرب كردستان عبر دعمه تنظيم القاعدة من خلال دولة داعش وجبهة النصرة في محاولاتهما لاحتلال غرب كردستان وتعريبها وإقامة إمارات إسلامية ما قبل قروسطية فيها.
قصارى القول إنّ كرد سوريا يلعبون الدور ذاته الذي لعبه كرد العراق لجهة توافقهم مع القوى المعارضة المؤمنة بالديموقراطية والتعددية، وبكون القضية الكردية محك التحول الديموقراطي البنيوي، والتي برهنت من خلال تمثلها في مشروع الإدارة في غرب كردستان مبدئية مواقفها وجديتها حيال هذه القضية.
وهذا يذكرنا بإقرار المعارضة العراقية بالفيدرالية كحل للقضية الكردية في العراق قبل سقوط نظام صدام، الأمر الذي لا ينطبق على المعارضة السورية في الخارج والممثلة في الائتلاف الداعية إلى تأجيل بحث القضية الكردية إلى ما بعد إسقاط النظام في مسعى التفافي واضح على هذه القضية بما هي واحدة من أهم القضايا الوطنية في سوريا.
هذا يستوجب، ومن الآن، التوصل إلى إقرارات وطنية ما فوق دستورية بعدالتها وبحلها حلاً ديموقراطياً يلبّي طموحات الشعب الكردي في حكم نفسه بنفسه في مناطقه في غرب كردستان في إطار دولة اتحادية لامركزية، ولعل إشارتنا أعلاه إلى موقف ذاك الائتلاف الرافض للإدارة المرحلية خير شاهد على أنه يحمل رؤى عنصرية وشوفينية متنكرة لأبسط مقومات عدالة القضية الكردية، بما هي قضية شعب وأرض. وهو لا يختلف عن النظام في التعاطي مع الملف الكردي بدليل اجتراره لخطاب البعث الذي لطالما اتهم الكرد بالانفصالية والعمل على تقسيم سوريا واقتطاع جزء منها، وصولاً إلى نكتة إضعاف الشعور القومي العربي... كما بدا واضحاً في اللائحة الاتهامية المبتذلة التي أصدرها الائتلاف بمناسبة إعلان الإدارة المرحلية المشتركة في غرب كردستان ما دحضه اشتراك مختلف مكونات غرب كردستان وضمنها المكون العربي في تلك الإدارة، الأمر الذي يؤكد حقيقة أن الكرد عامل توحيد واستقرار ودمقرطة في سوريا، لكن على أسس التوافق والتعدد والتكافؤ، وأن الادارة المعلن عنها في غرب كردستان ليست بأي حال مشروعاً تقسيمياً، ولا هي بمشروع كردي خالص بدلالة تمثل جميع مكونات غرب كردستان عرباً وسرياناً وكرداً... فيها كما سلفت الإشارة ما يصلح أن يعمم على سوريا ككل بما أنها بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب.
* كاتب كردي