غالباً ما نجد المملكة العربية السعودية تقف بوجه التسويات السياسية في المنطقة، إما مباشرة أو عبر أدواتها. نرى ذلك واضحاً في الموقف من الأزمة السورية، كذلك فإن ما نشهده من ردود فعل من الجانب السعودي على الاتفاق الغربي الإيراني بخصوص الملف النووي دليل آخر على هذا الموقف.
بالإضافة إلى مواجهتها للحركات الإصلاحية في المنطقة، ولو بأساليب مواربة، تَعتبر المملكة السعودية أن مثل هذه التسويات والحركات لها ارتدادات سلبية على حجم حضورها ونفوذها، إن محلياً أو إقليمياً، ما جعلها تختار مواجهة هذه التحديات بتبني واحد من أخطر التوجهات الفكرية، أعني الفكر الوهابي التكفيري الذي يمتاز بالجمود ورفض الآخر المختلف معه رفضاً باتاً، لدرجة انتهاج الإبادة والتطهير.
والسعودية هي المُصدّر الرئيسي لمُخرجات هذا الفكر، حيث تفتح له المنابر الإعلامية وتدعمه مالياً، وقد استفادت المملكة من هذا الفكر محلياً وخليجياً وعربياً وعلى المستوى الإسلامي الأعم، بهدف تعميق التمايزات المذهبية. فبالنسبة إلى بلدان الخليج، استهدفت السعودية إشغال شعوبها بهذه التمايزات على حساب التعاون والمشاركة للمطالبة بالحقوق والإصلاحات السياسية. أما إقليمياً، فقد استخدمت السعودية مخرجات هذا الفكر لتواجه به ثورات ما يسمى «الربيع العربي» من خلال دعم التيارات الدينية المتشددة في هذه الدول.
وبالإضافة إلى الفكر التكفيري، تبنّت المملكة السعودية فكرة شيطنة إيران قومياً، لتواجه بها تحدي وجود نموذج لدولة مستقلة سياسياً وغير تابعة لـ«حلف الناتو»، وفيها قدر محترم من الديموقراطية التي تنشدها شعوب المنطقة، ما جعل مخاوف السعودية تتعاظم تجاه هذا النموذج الذي قد يثوّر شعبها وشعوب المنطقة على أنظمتها والمفتقدة لأبجديات الديموقراطية. ومن هنا تبنّت السعودية مشروع إشاعة فكرة «الإيرانوفوبيا»، في تقاطع واضح مع المصالح الإسرائيلية، لخلق حاجز بين شعوب المنطقة (والخليج بالذات)، وبين التجربة الإيرانية من خلال وسائل الإعلام التي تسيطر عليها المملكة، ما أسهم كثيراً في خلق وهم اسمه «الأطماع الإيرانية في المنطقة».
ومع الأسف، نجد أنّ هذه الفكرة ترسخت في أذهان الكثيرين ممن يُسمون «النخبة المثقفة» في دول الخليج. والجدير بالذكر أنّ المملكة تملك أكبر حصة من الأسهم في «عربسات» (ما يقارب ٤٦%)، ما يجعل نفوذها وهيمنتها على سلاح الإعلام العربي كبيرة للغاية. وهي تمارس الضغط والابتزاز على القنوات الإعلامية التي تظهر خلاف ما تريد، وكمصداق على هذه الضغوط والابتزازات ما حصل أخيراً مع قناة «المنار» خلال انعقاد الجمعية العمومية للمجلس التنفيذي لاتحاد إذاعات الدول العربية من تهديد بسحب عضويتها من اتحاد الإذاعات العربية، إن لم تقدم القناة اعتذاراً عن تغطيتها لأحداث ثورة البحرين.
أما التحدي الأخطر الذي تواجهه المملكة اليوم، فهو ما يتعلق بالاتفاق النووي بين الغرب وإيران، وانعكاساته على حجم النفوذ السعودي في المنطقة، وخاصة أن بقية دول الخليج تسبح بحرية أكبر في دائرة الغرب، ما قد ينذر بخطوات منفردة لهذه الدول لعقد اتفاقات مع إيران على غرار الخطوات الغربية. وهو ما أشعر السعودية بخطر حقيقي، دعاها إلى رفع صوتها في القمة الخليجية الأخيرة، داعية إلى ضرورة تأسيس «الاتحاد الخليجي»، بدعوى مواجهة الأخطار والتعاون الاقتصادي والتنموي وتحقيق الرفاه للمواطن الخليجي، وما هي في الحقيقة إلا دعوة تستهدف الحفاظ على ما بقي للسعودية من نفوذ على دول الخليج، التي باتت تفككاتها واختلافاتها السياسية واضحة وجلية بعد أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، والاتفاق الغربي الإيراني، جنباً إلى جنب مع ميل متزايد منها إلى الطيران بعيداً خارج السرب السعودي المتهالك.

* كاتبة كويتية