أتمنّى ألّا يعمّ السلام في الشرق الأوسط. أريد أن تختفي كل عبارات السلام ومصطلحاته من قواميس التداول في الشرق الأوسط. لا سلام بوجود إسرائيل على أرض فلسطين. لا سلام في الشرق الأوسط قبل زوال الكيان الإسرائيلي بالكامل من أراضينا. أشتبه في كلّ شعارات السلام في بلادنا، وأرى أجندة صهيونيّة وراء كل الحركات والمنظمات التي ترفع شعارات السلام بيننا. السلام مع إسرائيل هو وصفة لاستمرار حروب إسرائيل ومجازرها: هذا هو سلام أنور السادات وبشير الجميّل ومبادرة آل سعود العربيّة. ماذا يعني أن ترفع منظمة في لبنان، مثلاً، أو حركة سياسيّة، مطالب حول السلام ونزع السلاح فيما تحتلّ إسرائيل أراضي لبنانيّة (حتى لا نتحدّث عن باقي الأراضي العربيّة التي لم يكترث لها الكثير من شعب لبنان) وفيما تقوم طائرات العدوّ بطلعات شبه يوميّة في الأجواء اللبنانيّة؟ من يحمي لبنان من غزوات إسرائيل؟ بالتأكيد ليس ميليشيا «الجماعة الإسلاميّة» المعروضة دوماً للبيع أو الإيجار. أتمنّى السوء، كل السوء، للأعداء الصهانية ومن عاونهم من العرب. أتمنّى إفشال كلّ مخطّطات آل سعود في العالم العربي. وأتمنّى أن تصبح الوهابيّة دون نفط أو غاز.
أتمنّى أن تزول كل الأنظمة العربيّة دون استثناء من الوجود، وأتمنّى أن تزول كل السلالات العربيّة الحاكمة أو الطامعة بالحكم على شاكلة آل الحريري. أتمنّى أن يرحل الجيل الثالث من الحكام (المفترضين) إلى جزر نائية. أتمنّى لو أنّ كل الحكام العرب يجلسون في قفص بانتظار محاكمة لا تستغرق أكثر من ساعات (نستعين بسابقة محاكمات المهداوي في هذا الصدد). أتمنّى لو أرى الحكام العرب من سوريا إلى المغرب وهم يحدّثون أولادهم عن استحالة وراثتهم للحكم عندما يكبرون. (في الماضي كان الأولاد يصلون إلى الحكم في العراق أو في الأردن، ومن دون جدال).
أتمنّى أن يشاطرني كل عربي وعربيّة العداء للعدوّ الإسرائيلي. أتمنّى أن يدرك كل عربي وعربيّة أنّه لن تقوم لنا قائمة في العالم العربي اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً بوجود دولة الكيان الغاصب بيننا. أتمنّى أن يدرك العرب أنّ وجود إسرائيل هو معين أساسي لديمومة الطغيان العربي. أتمنّى أن يُسجّل كلّ عربي على مفكّرة خاصّة كلّ جريمة ترتكبها إسرائيل، وذلك من أجل تذكير الذات بجرائم تلك الدولة والتحضير ليوم الحساب البشري، لا الإلهي. أتمنّى أن نحفظ عن ظهر قلب كلّ أسماء ضحايا العدوان الإسرائيلي عبر التاريخ. أتمنّى أن نحفظ عن ظهر قلب تضاريس أرض فلسطين. وأتمنّى أن تصبح مقاطعة إسرائيل سائدة كما البسملة.
أتمنّى أن نوثّق تاريخ العون العربي الرسمي والخاص للعدوّ. أتمنّى أن يعلم العرب التاريخ المشين للهاشميّين: من الشريف حسين إلى ذلك المشغول بألعاب الفيديو. أتمنّى أن تفتح البطريركيّة المارونيّة خزائنها بقرار رسمي لندرس تاريخاً من العلاقات السريّة مع الحركة الصهيونيّة، ولننشر وثائق اتفاقات مُوقّعة بين البطريركيّة والحركة الصهيونيّة (هناك معلومات أكيدة عن اتفاق واحد على الأقلّ). أتمنّى أن يُدان (وتُدان) في محاكم كل من أقام علاقات سريّة وعلنيّة مع العدوّ الصهيوني على مرّ السنين والعقود. أتمنّى أن ينال كلّ مُتعاون ومُتعامل مع العدوّ الإسرائيلي جزاءه.
أتمنّى أن يُشفى الكثير من اللبنانيّين واللبنانيّات من مرض جنون العظمة واختلاق البطولات. فيليب سكاف، مثلاً، ذهب إلى ليبيا لينتج برنامجاً حافلاً لتبجيل الطاغية القذّافي. لكن سكاف بعد سقوط العقيد طبعاً عاد أخيراً ليزعم أنّه تعرّض لتهديد في ليبيا بأنّ مصيره سيكون مثل مصير موسى الصدر لو أنّ برنامجه (لتبجيل القذّافي) لن يكون ناجحاً. على من يا فيليب سكاف؟ هل وضعوا مسدّساً في رأسك لإجبارك على الإقامة ستة أشهر في ليبيا على ما رويت لـ«إن.بي.إن» من أجل إقامة مهرجان لتبجيل الطاغية القذّافي؟ من أجبرك على قبول المهمة يا فيليب؟ يعني تريد الشيء وعكسه؟ تريد أن تبجّل العقيد ثم تعود بعد سقوطه لتزعم أنّ مهمتك كانت محفوفة بالخطر؟ ولماذا تقبل المهمة؟
أتمنّى منع (ولو بالقوّة) أي من الفارّين المذعورين إلى حضن العدوّ الإسرائيلي من بقايا عملاء جيش لحد وعائلاتهم من العودة إلى لبنان. أتمنّى نشوء منظمة أهليّة لمنع هؤلاء الفارين إلى كنف العدوّ من دخول أرض لبنان مرّة أخرى. هؤلاء حرموا أنفسهم وحرموا عائلاتهم من الوطن مدى الحياة. ذلك أقل عقاب يستحقّه هؤلاء. والذي يتورّط في العمالة للاحتلال وجيشه يخرج طوعاً من الوطن، وعن الوطن. إنّه هو المسؤول عن معاناة عائلته، ولا تجوز الرحمة هنا، مهما ذرفت محطتا «إل.بي.سي» و«إم.تي.في» الطائفيّتان من دموع، ومهما جاهر التيّار العوني والكتائبي والقوّاتي وميشال سليمان، لأسباب طائفيّة وانتخابيّة، بحق هؤلاء في العودة.
أتمنّى أن يدرج المنهج الدراسي اللبناني فرض زيارة كل مخيّم فلسطيني على كل طلبة المدارس الخاصة والعامّة لفهم معاناة شعب فلسطين. أتمنّى الّا تبقى أرزة واحدة في لبنان، لأنّ وجودها أسهم في نشر مرض عقلي عضال بين اللبنانيّين واللبنانيّات. أتمنّى لو أنّ ميشال سليمان يشرح لنا طبيعة زيارته الأخيرة لدبيّ عندما شكر سلالتها الحاكمة على استضافة لبنانيّين هناك. هل يجهل ميشال سليمان أنّ تلك الدولة طردت، من دون سبب أو مسوّغ قانوني، لبنانيّين بسب انتمائهم الطائفي؟ ثم، هل يشرح لنا ميشال سليمان سبب سعيه وراء الرئاسة في لبنان وهو الذي لا يحمل برنامجاً أو فكراً أو مبادرة باستثناء عقد جلسات للحوار واقتراح جعل لبنان (عندما يتعمّر «أحلى مما كان») مركزاً لحوار الحضارات؟
أتمنّى أن يجاهر العلمانيّون والعلمانيّات في الوطن العربي بمطالبتهم بالعلمنة الشاملة غير المنقوصة، وأن يطالبوا بالفصل الكامل للدين عن الدولة، والعكس. وأتمنىّ على العلمانيّين والعلمانيّات فضخ زيف شعار الدولة المدنيّة (الذي يختبئ وراءه الأخوان المسلمون ومن لفّ لفهم من «ليبراليّين يمينيّين» كما سمى هيثم المناع شلّة المجلس الوطني السوري من غير الأخوان) لأنّ لا معنى قانونياً أو دستورياً له. أتمنّى أن يرفض العلمانيّون شعار «الدولة المدنيّة» المائع والشعار مقبول من الأخوان ومن آل الحريري، ممّا يؤكّد سوء مراميه ومقاصده.
أتمنّى أن تندثر العشائر والقبائل وكلّ مخلّفات التشكيلات الاجتماعيّة المتخلّفة، تلك التي يسارع المُستعمر إلى استئجارها حالما تطأ جيوشه شواطئنا وصحارانا الموروثة من العصور الوسطى. أتمنّى أن تصبح التجمّعات العشائريّة القائمة على مفاهيم الرجولة المنافية للمساواة مع المرأة من قبائح الحياة الاجتماعيّة العربيّة. أتمنّى أن تزول الطوائف من الوجود وتصبح العلامة الطائفيّة عقيمة مثل الانتماء إلى القيسيّة واليمنيّة في القرن الحادي والعشرين. أتمنّى أن ينسى الشعب العربي اسم العشيرة أو القبيلة التي انتمى إليها أجداده.
أتمنّى أن تعود مؤسّسة جامعة الأزهر إلى ما كانت عليه أيّام جمال عبد الناصر: مؤسّسة تقدميّة وتنويريّة تنبذ الأباطيل والتعصّب والمذهبيّة والطائفيّة والرجعيّة. أتمنّى ألّا ينقاد الشعب العربي وراء فقهاء الاحتلال مثل علي السيستاني أو فقهاء براميل النفظ والغاز مثل القرضاوي. أتمنّى أن يعود الدين أو عدمه الى الحيّز الخاص المحض، دون أي تدخّل للدولة. أتمنّى أن يصبح المصدر الوحيد للتشريع في الدول العربيّة هو العقل لا إمام إله (كما أراد المعرّي).
أتمنّى أن يستمرّ الملك السعودي في إذلال وليد جنبلاط، الذي لم ينفك عن استجداء غفران سعودي لشخصه من الملك السعودي، بالرغم من إبلاغ الأمير مقرن لغازي العريضي أنّ الحكم السعودي قطع علاقته نهائيّاً بجنبلاط بعدما أيّد الأخير نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة في لبنان (ثم تستمرّ المملكة في الزعم أنّها لا تتدخّل في الشأن اللبناني). لم يتوقّف جنبلاط عن الاستجداء والتملّق (الذي يجيده بعد عقود من الخبرة)، كما أنّه لم يتوقّف عن تطيير برقيّات العزاء والتهنئة لأمراء كبار وصغار في آل سعود. أتمنّى أن يستمّر جنبلاط في رقصته إزاء آل سعود لسنوات طوال.
أتمنّى أن ينبذ الشعب العربي برمّته كل من أظهرته «ويكيليكس» ناصحاً ومرشداً للاحتلال مثل الفضيحة المسمّاة الماريشال للّو المرّ. أتمنّى أن يصبح لدينا في العالم العربي من يقوم داخل مؤسّسات الحكم بفضح تآمر الحكّام بالتفصيل والتوثيق.
أتمنّى أن تتشكّل حكومة جديدة في لبنان برئاسة شربل نحّاس، على أن يتولّى شربل نحّاس نفسه كلّ الحقائب الوزاريّة في الحكومة. عندها فقط، أستطيع أن أتصوّر احتمالاً جديّاً للإصلاح في لبنان. أتمنّى أن ينجح شربل نحّاس في القضاء على الحريريّة وترسّباتها الضارّة.
أتمنّى أن لا تفوز مغارة جعيتا في أيّ تصويت سخيف على الإنترنت: يستطيع العقل الوطني اللبناني أن يبني أساطير وخرافات على أصغر أنواع التكريم أو أوهام التعظيم التي يحظى بها لبنان، ولو بناه على تصويت على الإنترنت وقد جنّدت له الدولة عناصر الجيش وقوى الأمن، مع أنّ تلك العناصر لم تتجنّد في الدفاع عن لبنان في حرب 2006. أتمنّى أن تقوم نقابة الأطبّاء في لبنان بإصدار رأي علمي في غباء تلك المزاعم الدوريّة لأطبّاء ومشعوذين لبنانيّين حول «اكتشاف» دواء للسرطان. كما أتمنّى أن تتوقّف حفلة الجنون اللبناني في كلّ سنة جديدة حول توقّعات ونبوءات محتالين ومنجّمين من لبنان: يكفي إصدار كلام مُعمّم حتى تقوم محطة «إل.بي.سي» أو «إم.تي.في» ببث تقرير إخباري كي تثبت افتراضياً صحّة التوقّعات. وهذه السنة بثّت «إم.تي.في» خبراً عن تعيين الأمير نايف وليّاً للعهد وتعيين الأمير سلمان وزيراً كإثبات على صحة تنبؤات ميشال حايك عن إدخال «دم شبابي» في الحكم السعودي، مع أنّ الأميريْن في الثمانينيات من عمرهما. (وميشال حايك يحرص على تملّق السعوديّة في «تنجيمه» لعلمه أنّ أمراء آل سعود ينفقون الملايين على المنجمين والسحرة وقارئي الكف، ومع أنّهم يقطعون رؤوس السحرة والمنجمين من الفقراء. أصرّ الملك فهد على اصطحاب ابنه عبد العزيز معه أينما ذهب، عندما كان طفلاً فقط لأنّ قارئة كفّ أشارت عليه بضرورة ملازمة طفله له لاستجلاب حظ سعيد).
أتمنّى لو أنّ فارس سعيد يستمرّ في تحليلاته السياسيّة لأنّها تفيدنا في السخرية منها على فايسبوك وتويتر. من غير فارس سعيد (وحسني البورزان في «صح النوم») يستطيع أن يربط بين خلاف حول أولويّة السير في زقاق في بيروت وبين المداولات الدوليّة حول ملف تخصيب اليورانيوم في إيران؟ من غير فارس سعيد يستطيع أن يربط بين انفجار قارورة غاز في مكان ما في لبنان، وخطط معسكر الممانعة في المنطقة؟ ومن غير فارس سعيد يستطيع أن يعطينا دروساً (غير مباشرة) في الحاجة إلى فرض تدريس مبادئ العلاقات الدوليّة؟
أتمنّى لو أنّ اقتصاد سريلانكا وإثيوبيا والفيليبين يتحسّن باطراد كي تعود كلّ الخادمات الأجنبيّات في لبنان إلى بلدانهنّ. لا، أنا لا أريد أن يمتنع لبنان عن استضافتهن، لكن لبنان وشعبه لا يستحقّان أن تتحوّل أولئك الزائرات إلى سلع وجوارٍ وضحايا تعذيب. أتمنّى لو أنّني أعاقب شخصيّاً كل من اساء إلى عاملة أجنبيّة في لبنان، وكل من سبّب لها أن تتدلّى من حبل فوق الشرفات. أتمنّى لو تجري محاكمة واحدة في لبنان ضد مستخدم أو مستخدمة واحدة بتهمة الإساءة إلى إنسان. أتمنّى لو أنّ محكمة تحكم على مستخدم أن يفني حياته في اصفاد يعمل على خدمة الخادمة التي عذّبها.
أتمنّى لو أنّ العمّال السوريّين في لبنان (الذين فقد منهم أكثر من 600 بعد اغتيال السيئ الذكر، رفيق الحريري، في 2005، والذين قتلوا منهم نحو أربعين) يتوقفون عن العمل في لبنان ولو ليوم واحد كي يرى اللبنانيّون مدى مساهمة هؤلاء في الاقتصاد والإعمار اللبناني. هؤلاء أعادوا إعمار لبنان (وبأموال الشعب اللبناني) وليست عصابة رفيق الحريري. إنّ العمّال السوريّين ضحايا أيتام: لا النظام السوري القمعي يكترث لمعاناتهم، ولا طرفا الصراع في لبنان يكترثان لهم، وإن كان طرف اليمين العنصري مثل «إم.تي.في» استفاق أخيراً على قضيّة العمّال السوريّين، وصوّر قتلاً لعامل على أنّه مؤامرة من النظام السوري لمنعه من التظاهر. اللبنانيّون العنصريّون أبرياء دوماً. أتمنّى أن تقوم الحركة العمّاليّة اللبنانيّة بمناصرة حقوق العمّال السوريّين المهضومة.
أتمنّى دوماً أن أعيش لأرى عصر نضوب النفط العربي. أريد أن أشهد سلالات النفط وهي تعود إلى بيع التمور. أتمنّى أن أرى وجوه الليبراليّين العرب الذين يقدّمون جباههم كي يمسح بها أمراء النفط نعالهم، بعد أن تنضب موارد النفط عنهم. أريد أن اراهم وهم يكتشفون فجأة فظاعة قطع الرؤوس في السعوديّة. أتمنّى أن تتذكّر سلالات خدمة المستعمر شظف العيش.
أتمنّى لو يعود حبيب الشرتوني نهائيّاً إلى لبنان. أتمنّى أن يُستقبل بالأهازيج وأقواس النصر. أتعهّد بأن أكون مثل كثيرين وكثيرات في الغربة مع المُستقبلين. أتمنّى أن تعلن الدولة اللبنانيّة يوم عودة حبيب الشرتوني يوماً وطنيّاً جامعاً. أتمنّى أن تكرّس كلّ مدارس لبنان الخاصّة والعامّة الطائفيّة منها والمذهبيّة يوماً لاستخلاص العبر والدروس من فعل الخيانة الذي ارتكبه بشير الجميّل وحزب الكتائب اللبنانيّة والقوّات اللبنانيّة ضد شعب لبنان والعالم العربي. أتمنّى أن يصبح اسم شارع الحمراء شارع خالد علوان. أتمنّى أن تتزيّن بيروت بصور ونصب لخالد علوان.
أتمنّى أن تُزال كل صور رفيق الحريري وتماثيله وأنصابه. شبع لبنان من حملة دعائيّة لا تشبه إلا حملات هتلر الدعائيّة في الثلاثينيات. بشاعة ملايين الدعاية وقدرتها على إحداث تغييرات جذريّة في الأهواء السياسيّة (خصوصاً مع استعمال السلاح الطائفي والمذهبي) يجب ألّا تبقى ماثلة للعيان يوماً بعد يوم. أتمنّى أن تصبح عائلتا الحريري والجميّل في المنفى (ذاته). أتمنّى أن يصرّ الشعب العربي على إقصاء كلّ أصحاب المليارات عن الحلبة السياسيّة دون استثناء. أتمنّى أن يعي أصحاب المقاومة أنّ الثروة والمقاومة لا تجتمعان «بنوب».
لكن ماذا أتمنّى لأطفال فلسطين حول العالم، ماذا أتمنّى؟ أتمنّى لو أنّني أسقيكم حبّي وحناني مع الفطور الصباحي كل يوم. أتمنّى لو اعطيكم كل ما عندي، وأضيف. أنا لو قدّمت تجويفة عينيّ لكم كمنفضة لسجائركم عندما تكبرون، أشعر بتقصير كبير. أنا لو متّ مرتيْن من أجلكم لما اكتفيت. أريد لو أنّ بمستطاعي أن أوقظكم برفق كل صباح وأجهّز لكم حقيبتكم المدرسيّة وأمشّط شعوركم. أتمنّى أن آخذكم بيدي كي تزوروا رفات أجدادكم في أراض لن يتجذّر المشروع الصهيوني فيها أبداً. أتمنّى لو أحمل كلّ أطفال فلسطين على ظهري في الأعياد وفي الأيّام العاديّة. لهؤلاء، اتمنّى كل التمنّي. أتمنّى لو يتسنّى لي الهبوط في مطار جورج حبش الدولي بعد تحرير فلسطين.
أتمنّى أن تنتشر الانتفاضات العربيّة وأن ترتقي إلى مرتبة الثورات. أتمنّى أن تعمّ الانتفاضات كي تغيّر وبجذريّة كل جوانب الحياة العربيّة. أتمنّى أن تنفضح مؤامرات الأخوان المسلمين كمطايا للثورات المضادة. أتمنّى أن يصبح «الربيع العربي» مُدمّراً كي يدكّ الأسوار والقصور والسجون والتكايا والزوايا. أتمنّى أن يحقّق الشباب العربي أحلامه في الحقيقة، لا في الخيال.
وأخيراً، أتمنّى لو يُتاح لي في السنة المقبلة أن أرى فيروز تغنّي وهي حاملة الدفّ. هل مرّت صورة في 2011 أجمل من صورة فيروز والدفّ؟ أتمنّى ألا يحاول أصحاب المواهب وأصحاب اللا مواهب، حتى لا ننسى أولاد منصور الرحباني، الإساءة إلى فيروز. من يحاول أن يسيء إلى فيروز وينجح؟ وكم من الغباء تتطلّب محاولة الإساءة إلى فيروز. (أعلم: سيهرع أولاد منصور الرحباني كي ينقذهم قاضي الأمور المستعجلة في بيروت).
كذلك أتمنّى أن يعي الشعب العربي أنّ إمكان التغيير لم يمت بعد رغم تكالب المؤامرات. أتمنّى أن يمتزج الأمل والعزيمة والتصميم كي نخرج من النفق الطويل أطول من قرن من الزمن.
ملاحظة: اختار جلبير الأشقر أن يردّ على مراجعتي لكتابه بمزيج من مديح الذات ذاته، هو والتباهي على الطريقة اللبنانيّة التقليديّة (وخصوصاً أنّه حاضر كما اخبرنا في «خمس من أهم الجامعات» في كاليفورنيا وفي «عشر من أبرز الجامعات الأميركيّة») وبأسلوب الشتائم والاتهامات والسوقيّة والصبيانيّة. كيف أساجل من يصرّ بالإنكليزيّة على أنّني لم أقرأ كتابه (بالرغم من المراجعة التفصيليّة المتضمّنة ملاحظات عن صفحات معيّنة)، ويصرّ بالعربيّة على أنّني لم أقرأ كتباً أشرت إليها في مراجعتي، وأنّه هو الذي قرأها (مع أنّه لم يشر إليها في كتابه)؟ كيف أساجل من يصرّ على أنّ إحسان عبد القدّوس كان يساريّاً، ومن يزعم أنّ حازم صاغيّة لم يكن في صف اليمين (الليبرالي) في 1997، مع أنّ مهدي عامل كتب ضدّه بعنف في منتصف الثمانينيات؟ كيف أساجل من اشمأزّ من وصفي لفلسطين بـ«الغالية»، كما أنا أشمئزّ من تفضيله لفصائل في الصهيونيّة ضدّ غيرها. حاولت أن أكتب مراجعة جديّة ومُنصفة لكتابه، لكن الأشقر لا يتقبّل أي نوع من النقد، ربّما لأنّه يكاد يصف نفسه بأنّه راعي الانتفاضات العربيّة وأنّه خليفة إدوارد سعيد (والأخير كان «قومجيّاً» بمقياس الأشقر، بالمناسبة)، وقد ثار وهاج وأرغى وأزبد وشتم (وعيّرني بـ«اللغا اللبنانيّي» أيضاً). هذا أسلوب لا يمكن أن أردّ عليه: شوارع وأزقّة أتركها للأشقر كي يسرح فيها وحده.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)