إثر الأزمة المالية التي عصفت بأميركا في 2007 ــ 2008 (أزمة الرهن العقاريّ) وطاولت الاقتصاد العالمي، دخلت منطقة اليورو في أزمة ركود اقتصاديّ. الأمر الذي دفع رؤساء هذه الدول وحكوماتها إلى عقد قمّة في باريس في تشرين الأول/ أكتوبر 2008 لدراسة السبل الآيلة إلى وضع خطة عمل مشتركة مع البنك المركزي الأوروبي، تؤدّي إلى الاستقرار الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي. وضع المسؤولون الأوروبيون آنذاك، خطة لمواجهة الأزمة المالية، هدفت إلى دعم البنوك الأوروبية لمساعدتها على تجاوز الأزمة. تبيَّن بعد ذلك هشاشة منطقة اليورو، خاصة عندما برزت أزمة الديون السيادية مطلع 2009 في اليونان، واسبانيا، والبرتغال، بعدما خفضت وكالات التصنيف الماليّة درجة السيولة في هذه الدول، فأدّى ذلك إلى رفع فائدة الاقتراض فيها. جاءت أزمة الديون اليونانيّة نتيجة الخوف الذي اعترى الدائنين من عدم استطاعة اليونان الإيفاء بالتزاماتها ودفع فوائد الدين. ولقد نتج تضخم بالموازنة العامة مقداره 13% من الناتج القومي عن الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، إضافة إلى بعض العوامل الخاصة باليونان، منها استدانة كبيرة بلغت120% من الناتج القومي. وزاد في عمق الأزمة نقص في الشفافيّة من قِبل الحكومة اليونانيّة في إظهار الدين، والعجز، والتضخّم، ولا سيّما في اقتطاع أموال من خارج الموازنة.
إنّ هذه الأمور مجتمعة، دفعت بالمفوضيّة الأوروبيّة إلى طلب تفسيرات من اليونان، وأثارت موجة من النقاشات حول الطريقة التي يجب مساعدة اليونان من خلالها (هل يجب الاهتمام بهذه الأزمة بين الأوروبيّين وخاصّة دول منطقة اليورو، أم تترك اليونان تتدبّر أمرها بمساعدة صندوق النقد الدوليّ؟).
وفي شباط 2011، وضمن إطار القمّة الأوروبيّة الاستثنائيّة، التزم الأوروبيّون دعم اليونان إذا بذلت مجهوداً كبيراً للخروج من الأزمة. وبالفعل، زار فريق من الاتّحاد الأوروبيّ، والبنك الأوروبي اليونان لدراسة الأزمة عن كثب. وضمّ هذا الفريق خبيراً من صندوق النقد الدوليّ للتدقيق في حسابات الدولة اليونانيّة.
واتّخذ الأوروبيّون آنذاك قراراً يمكّن دول منطقة اليورو من دعم أيّة دولة تعاني من صعوبات ماليّة بعد أن تكون قد طلبت مساعدة صندوق النقد الدوليّ. وفي أقلّ من شهرين، قدَّم المسؤولون في منطقة اليورو خريطة طريق لدعم اليونان، ووضعوا موضع التنفيذ آليّة غير مسبوقة للمساعدة تُرجمت على شكل قروض ثنائيّة وصلت إلى حدود 110 مليارات دولار (80 مليار من دول منطقة اليورو و30 مليار من صندوق النقد الدوليّ).
وإن كانت أزمة إيرلندا تختلف بعض الشيء عن أزمة اليونان، إلا أنّها شهدت المصير نفسه. وبعكس اليونان، كانت إيرلندا تشهد نموّاً وازدهاراً اقتصاديين، وكانت أموالها العامة في وضع سليم بحيث سُميت «النمر السلتي» (مقارنة بنمور آسيا ونسبة إلى اللغة السلتية). وعلى الرغم من ذلك، تأثّرت إيرلندا أكثر من غيرها، بأزمة الرهن العقاري الأميركيّة، وواجهت الدولة الإيرلندية أزمة مصارف، هي الأكبر في تاريخها، إذ وصلت بنوك كبرى عدّة إلى حدود الإفلاس. فقامت الحكومة الإيرلندية بضخ مبالغ من الأموال العامّة في المصارف، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع العجز العام بنسبة 32% من الناتج القوميّ، ولم تستطع مواجهة الأزمة وحدها، فطلبت مساعدة صندوق النقد الأوروبي للاستقرار المالي. فقرّر الصندوق وضع 90 مليار يورو في تصرّف الحكومة الإيرلنديّة التي قامت بطبع 50 مليار يورو، حسب الاتفاقيّات الأوروبيّة التي تسمح بذلك.
في المقابل، ظهرت مخاطر الأزمة في البرتغال، أواخر 2010، بعد أزمة اليونان، وإن كانت مؤشّراتها تتشابه مع أزمة اليونان. إلاّ أنّ العجز العام لم يتعدَّ الـ10% بينما كان 15% من الناتج القومي في اليونان، والدين العام لم يتعدَّ 77% من الناتج القوميّ، بينما وصل إلى 115% في اليونان. دفع هذا الوضع الحكومة البرتغاليّة إلى طلب مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدوليّ. وأدت المفاوضات بين الفريقين إلى إعطاء البرتغال ما يقارب الـ80 مليار يورو في خطوة أولى نحو الانقاذ في صيف 2011.
أما في إسبانيا، فإنّ إنزال درجة تصنيفها من درجة AA+ إلى AA من قِبل وكالة التصنيف «ستاندر أند بورز»، أدى إلى زعزعة اقتصاديّة، وخلل ماليّ، وتوقّعات سلبيّة في النموّ الاقتصاديّ بعدما تأثّرت اليونان بأزمة الرهن العقاريّ الأميركية، فخمدت الفورة الكبرى التي عاشتها مدريد قبل ذلك في مجال العقارات. وعلى الرغم من أنّ العجز العام وصل إلى 11% من الناتج القوميّ، إلاّ أنّ الحكومة الاشتراكيّة التزمت بتقليصه إلى النسبة المقبولة في الاتحاد الأوروبي أي 3%، إلاّ أنّها لم تنجح في ذلك.
بالنسبة إلى إيطاليا، فقد بدأت بوادر أزمة الديون السياديّة بالظهور خلال 2011، وزاد الضغط على الوضع المالي الأزمات الداخليّة السياسيّة، واللغط القائم على سمعة «برلسكوني»، وظهور أزمة الديون في اليونان والبرتغال وإسبانيا. في ظلّ هذه الأجواء، وعدت الحكومة بالقيام بإجراءات جدّيّة للخروج من الأزمة، وإعادة التوازن إلى الموازنة. لكنّ وكالة التصنيف الائتمانيّ «ستاندرد أند بورز» عادت وأسقطت التصنيف المالي لإيطاليا، ممّا أدّى إلى اشتعال الأزمة مجدداً. وفي تشرين الثاني 2011، وخلال قمّة الدول الـ20 في «كان» الفرنسيّة، وُضعت إيطاليا تحت وصاية الاتّحاد الأوروبيّ، وصندوق النقد الدوليّ من أجل القيام بإجراءات جدّيّة للخروج من الأزمة الأمر الذي دفع القوى السياسيّة الإيطاليّة إلى المطالبة بإسقاط «برلسكوني».
أمّا فرنسا فقد بدأت منذ صيف 2011 بسلسلة إجراءات استباقيّة تكرّست بضخّ 11 مليار يورو في المصارف، وفرض سياسة تقشّف محدودة، وزيادة الضريبة على الشركات، وخفض سن التقاعد وتطبيقه اعتباراً من 2017. وعلى الرّغم من كلّ هذه الإجراءات، فإنّ هناك توجهاً عامّاً في فرنسا للقيام ببيع بعض الديون إلى البنك المركزيّ الأوروبيّ في خطّة إنقاذ للمساعدة على إعادة النموّ الاقتصاديّ الفرنسيّ.
انطلاقاً من تلك المعطيات، اتّفق الخبراء الاقتصادّيون على ستّة أهداف يتعيَّن على قمّة العشرين ودول منطقة اليورو تحقيقها كي تنجح في انتشال الاقتصاد العالمي الغارق في أزماته، وهذه الأهداف هي:
1. احتواء أزمة منطقة اليورو: وفي هذا الإطار يجب الضغط على دول منطقة اليورو لتصحيح المسار الاقتصاديّ، وخفض الديون، والعمل على إعطاء الفرصة للصين والبرازيل للمساعدة على احتواء انتشار الأزمة، واستخدام مواردهما الهائلة في رأس المال لدعم صندوق النقد الدوليّ لمكافحة أزمة الموارد.
2. تقديم خطة ذات صدقية لتنسيق السياسات الاقتصادية الكلية، وذلك من أجل تحقيق نموّ قويّ ومستدام ومتوازن. وكانت كلّ الدول الأعضاء قد أيَّدت هذا الاقتراح منذ 2009.
3. إنشاء آليّات للتقييم المتبادل: وكانت الدول في 2009 في قمّة «بطرسبرغ» قد اتّفقت على ذلك. وهذا الأمر يشكّل تنازلاً كبيراً من جانب الدول الكبرى كأميركا والصين اللتين ستفتحان الباب للتدقيق الخارجيّ ولا سيّما من خلال صندوق النقد الدوليّ.
4. تطبيق الإصلاحات المتفق عليها سابقاً في صندوق النقد الدوليّ بحيث تقدم دول مجموعة الـ0 خطة واضحة لهذه الإصلاحات تشمل الحصص في صندوق النقد المترتّبة عليها، وأن تعمل على إقرار جدول زمنيّ صارم لتطبيقها.
5. تحديد معايير احترازيّة مشتركة تحدّد عمل المؤسّسات الماليّة العابرة للحدود، لأنّ هناك العديد من المخاطر التي تهدّد عمل المؤسّسات الماليّة بعد أزمة «ليمان براذرز» وهو أكبر مصرف عالميّ استثماريّ ينهار منذ 1990. لذلك على دول الـ20 ابتكار وسائل للتصدّي لهذه المخاطر.
6. إحياء أجندة التجارة العالمية: على الدول تجديد تصميمها على إعاد تنشيط مفاوضات تحرير التجارة العالميّة في الاجتماع الوزاري المقبل في كانون الأول 2011.
* استاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية