صدرت تعيينات مديري فروع الجامعة اللبنانية الجمعة في 3 الجاري، واستثنت واحداً من 46 فرعاً، هو الفرع الثاني في كلية إدارة الأعمال لم يسمّ له مدير أصيل. رسم القانون (66) لعام 2009 بشأن «تنظيم المجالس الأكاديمية»، آلية لاختيار المديرين، وفّرت لعموم الأساتذة حق الترشّح لهذا المنصب. يسمّي مجلس الفرع المكوّن من رؤساء الأقسام ومدير الفرع خمسة من المرشحين، ثم يختار مجلس الوحدة المكوّن من مديري الفروع والعميد ثلاثة منهم، ترفع أسماؤهم إلى رئيس الجامعة. ناضل أساتذة الجامعة 25 سنة للحصول على هذا النص القانوني. كانت تسمية المرشّحين لمنصب المدير مناسبة لإظهار كيفية تعاطي الأساتذة مع هذا الاستحقاق. كشفت الممارسة عن إصرار أساتذة على تعطيل هذا القانون، وعرقلة العملية الانتخابية. منهم من سعى بكل الوسائل إلى إدراج اسمه في اللائحة، مستخدماً لغة التهديد والوعيد تجاه زملائه، وموسّطاً قوى خفية لسرقة هذا المنصب. ينتمي هذا البعض إلى فئة من لا يدخلون إلى صفوفهم للتدريس، ويتعرّضون بالأذى للطلاب حين يدرّسونهم وحين يشرفون على أبحاثهم، ويمارسون واجباتهم المهنية بالطريقة الأسوأ. مرّت كل الأيام الصعبة، وهي سنوات وضع مناهج جديدة وإيجاد أساتذة لها وتنفيذها، وهذا البعض غائب.
عمل هذا البعض على توسيط أطراف من خارج الكلية والجامعة للحصول على مركز يتيح لصاحب الحظوة التنصّل من واجباته كأستاذ. وعبّرت تصرفات هذا البعض عن اقتناع لديه بأن الوصول إلى منصب المدير يكون بالتشبيح والتهديد وممارسة الضغوط. خلال سنوات ما بعد الحرب وحقبة الوصاية، كان الناس لا يجرؤون حتى على الشكوى. وُجِد من استغل خوفهم وقهرهم. ثم تغيّرت الأمور. أصبح الكلّ أساتذة وطلاباً يحتجّون على الأقل. يسأل الطلاب: كيف يعيّن فلان مديراً بالتكليف وهو لا يدخل إلى صفّه، وليس لدينا في المادتين التي يدرّسهما ما نُسأل عنه في الامتحان الجزئي للفصل؟ وهو من قلة تريد مواقع تجعلها فوق المحاسبة، وتجعل الكلّ مضطراً إلى أن يداهنها ويمسح جوخها. يتصرّف هؤلاء وكأن أهل الطلاب خلّفوهم ليكونوا طرائد عندهم.
ويحصل كل هذا، لكي يبقى الذين ينفّذون دروسهم ويقومون بواجباتهم على أكمل وجه، مطأطئي الرؤوس أذلّة، يتلطّون حين يأتون لتأدية عملهم في كليتهم. يخجل المرء من ذكر الحيثيات التي تقدم بها هذا البعض للحصول على دعم من خارج كليتهم. وضع داعموهم كل ثقلهم لإقناع إدارة الجامعة بأهليتهم. وفّر استفزاز أحد هؤلاء الداعمين لرئيس سابق للجامعة على مدى سنوات، شعوراً له بأنّه قادر على أن يكون فوق المحاسبة. وهو اليوم يتطوّع للتخريب في كلية غير كليته الأصلية. لا ينبغي أن تترك إدارة الجامعة انطباعاً لدى الفروع وأساتذتها بأنّها تريد تركيعهم، من دون ذنب اقترفوه. ولا ينبغي أن يستمر الطلاب بالتساؤل لماذا يُضحّى بهم ويُضحّى بمستقبلهم، وأن يتساءل الأساتذة لماذا تُسحق كل رغبة بالكرامة لديهم، لإرضاء فرد على حسابهم. لا ينبغي إرضاء فرد على حساب 1800 طالب و160 أستاذاً. ولا ينبغي أن ينظر الأساتذة والطلاب إلى إدارة الجامعة، في ضوء ما يتعرّضون له، بوصفها إدارة متخلّفة تستهدف وجودهم، وتعمل على الحطّ من قيمتهم، وعلى تهجير المعنيين منهم ببناء مستقبل أفضل لبلادهم. ولا ينبغي أن يُدفعوا للاعتقاد أنّها تريد أن تقتل في وعيهم قيم الكفاءة المهنية والجدية في العمل واحترام كرامات الناس. أتاح تفريغ أساتذة جدد في 2008 إعطاء كيان لكليات وفروع في الجامعة، من خلال رفدها ببعض الشجعان والمخلصين. أصر هؤلاء على مواجهة عملية تهريب تعيين المدير التي يتعرّضون لها. أرادوا إظهار أنّه طفح كيلهم، ولن يقبلوا متسلّطين يمارسون عدوانية تجاههم لا تكلّ ولا تتوقّف. وقد فرضت أوضاع بلادنا وحالة الإدارة العامة أن تكون مناسبة انتقال الإدارة محنة بالنسبة إليهم. وهي ألزمتهم أن يتنكّبوا، لا لمهمة التدريس وتنفيذ واجباتهم فقط، بل أيضاً لمواجهة الظلم اللاحق بفروعهم ومنع استهدافها ووقوعها ضحية الشبيحة والأشرار.
*استاذ جامعي