لست مع نقل «الملف السوري» إلى مجلس الأمن، وضد كلّ تدخل سياسي وعسكري من قبل الدول الإمبريالية، بما فيها روسيا، التي لم تعد اشتراكية ولا صديقة للشعوب منذ عقدين. فهي باتت دولة إمبريالية، تنازع عالمياً من أجل السيطرة والنهب. وهي من هذا الأساس، تدافع دفاعاً مستميتاً عن نظام ترى أنّه آخر مرتكزاتها في «الشرق الأوسط». ولذلك هي ضد مطامح الشعب السوري.و«اللعبة» التي مارستها الدبلوماسية الروسية، لكي يصبح الملف السوري ملفاً دولياً تبدو ناجحة إلى الآن. فالضعف الداخلي الشديد للسلطة السورية، فرض منذ شهرين تقريباً الانتقال إلى «حمل» النظام من خلال تحالفاته الإقليمية والدولية، من أجل القول إنّ هؤلاء الحلفاء لا يسمحون بسقوطه. ومن المؤسف أنّ المجلس الوطني السوري، خدم ويخدم هذا المسار، الذي هو في مصلحة السلطة وضد الانتفاضة، انطلاقاً من أوهام تتعلق بـ«جرّ» العالم إلى تدخل عسكري، يسقط السلطة وينصّبه حاكماً جديداً، من خلال السعي الحثيث إلى تدويل الملف السوري.
تقوم «اللعبة» الدولية (الأميركية خصوصاً)، التي أخذت تُنفّذ من خلال الجامعة العربية (وبلدان الخليج خصوصاً)، تقوم على إطالة أمد الصراع في سوريا، من أجل خلق حالة «وهن عام»، يفتح على إمكان التفكك الداخلي. ورغم أنّ الولايات المتحدة تبدو وقد سلّمت بأنّ الحل في سوريا هو روسي، إلا أنّها تدفع نحو تعقيد الوضع بما يجعل «النجاح» الروسي هشاً، وذلك في إطار صراع عالمي بين القوى الإمبريالية، على ضوء الأزمة المالية الإمبريالية، التي ضعضعت وضع أميركا كثيراً، وباتت تهزّ بلدان أوروبا، وتفتح الأفق لدور روسي صيني أكبر في عالم يتكوّن للتو، لكن هذا التسليم لدور روسيا لا يعني ترك الأمور بسلاسة، بل يجري العمل على تعقيد الأوضاع من أجل إنهاك روسيا كذلك. ولهذا سيكون ضرورياً رفض أي «تدويل» أو مراهنة على دور دولي، على العكس، فهذا ما تعمل عليه السلطة ذاتها.
وعلى ضوء ذلك، يمكن فهم ما جرى في مجلس الأمن من مناورات، أظهرت في الأخير «قوة» السلطة، وقوة «حمايتها» روسياً، وهو الهدف الذي جرى العمل عليه، بعد تكتيك إظهار القوة داخلياً من خلال خطاب الرئيس ونزوله إلى ساحة الأمويين بالطريقة التي حدثت، والتي تكشّف ضعف المشاركة الشعبية خلالها، كما من خلال الهجوم العسكري الشامل الذي بدأ ليلة التصويت على القرار في مجلس الأمن، واستمر بهدف «الحسم» استفادة من جو «اليأس» الذي يمكن أن ينتج عن «الصدمة» التي يستطيع الفيتو المزدوج الروسي الصيني إحداثها، إذ يبدو واضحاً أنّ السلطة باتت محمولة على قوى دولية، بعدما فشلت في حسم الصراع. وهو ما يمكن أن يقود إلى تعزيز ميل مقابل، يؤكد على ربط المسألة السورية بالصراع الدولي، يظهر واضحاً الآن أنّه لا يفيد، بل يقود إلى الإحباط. وهنا الشعب السوري هو الخاسر بالتأكيد.
لكن، هل ستدافع روسيا عن السلطة إلى النهاية؟ هذا ما يجري تصويره، والتأكيد عليه، وإظهاره على نحو مضخّم من خلال التشدد في مجلس الأمن بالشكل الذي ظهر فيه. وما يمكن قوله بخصوص الروس هو أنّه في الصراع الدولي ستدافع روسيا عن سوريا إلى النهاية، هي التي باتت من المناطق التي يعمل الروس على استمرار وجودهم فيها، في سياق سعيهم التالي إلى التوسع في مناطق أخرى عالمياً، بعدما ظهر ضعف الولايات المتحدة واضحاً. بمعنى أنّها لن تتنازل عن «موطئ قدمها» هذا، على أمل فرض توسع جديد في المنطقة، لكن داخلياً لا يمكن التصوّر أنّ روسيا سوف تدافع إلى النهاية عن السلطة، لأنّ المسألة تتعلق بعناصر أخرى، تتمثل في موازين القوى التي باتت تميل لمصلحة الانتفاضة، بعد تضعضع وضع السلطة (اقتصادياً و«شعبياً» وعسكرياً). وبالتالي هل ستقبل روسيا استمرار الدفاع عن سلطة تنهار؟ أو حتى، حين نرى بعض التوقعات بشأن الدخول في حرب أهلية وفوضى وعدم استقرار، هل ستقبل موسكو حليفاً في هذا الوضع، الذي يعني الضعف والتفكك؟ وسيتضح ذلك أكثر بعد فشل الهجوم العسكري الدموي الجديد، إذ ستكون في وضع حرج بعد آلاف الشهداء.
هنا يمكن لحظ الدور الروسي في مكان آخر. فروسيا، وللحفاظ على «موطئ القدم» ذاك، لن تبقى متمسكة بصيغة للسلطة هي أضعف من أن تحكم. وهذا يفتح على آليات عمل أخرى. هنا يمكن القول إنّه إذا كانت روسيا لا تريد التدخل الأميركي الأوروبي، وتحرص على أن تبقى سوريا قوية، فلا بد لها من أن تدعم تغييراً عميقاً لا يحافظ على السلطة القائمة، بل يسمح بتحقيق حتى مقترحاتها هي (أي حكومة حقيقية تتألف من المعارضة كما طرحت في أكثر من مرة). وهي تعرف أنّ الممسكين بالسلطة الحالية ليسوا في هذا الوارد، بعد تجارب عدة قامت بها (كما فعل الأتراك سابقاً). ومن ثم فإنّ تلمسها أنّ السلطة عاجزة عن الحسم، وغير مستعدة لأي تنازل (حتى وإن كان محدوداً)، قد يدفع إلى تحوّل ليس من خلال السماح بتدويل المسألة السورية، بل في دعم تغيير يحافظ على «وجودها» وتحالفاتها. ومن هذا المنطلق لا بد للموقف الروسي من أن يدعم التغيير أو يخسر، إذ سوف ينساق وراء اللعبة الأميركية التي تريد إطالة أمد الصراع من أجل إنهاك سوريا.
وبالتالي، إذا كانت الدول الإمبريالية «الغربية» تعمل على استمرار الصراع في سوريا، وعلى دفع البلد نحو الإنهاك، حتى لو تطلب ذلك الدفع إلى حرب «أهلية»، وتعمل على «تدويل» الصراع من أجل تعليق الأوهام بحل «خارجي»، مما يضعف توسع الانتفاضة، فإنّ تجاوز ذلك يفرض على الروس دعم التغيير، لا الدفاع المستميت عن سلطة ليس من الممكن أن تستمر، لكن الأهم هو الوضوح بأنّ الحل هو سوري، من خلال تطوير الانتفاضة. فما يجري على الصعيد الدولي هو صراع مصالح بين إمبرياليات، وتلك «الغربية» منها ليست في وارد التدخل، وبالتالي لا نريد أن تبقى المسألة السورية ورقة لعب دولية.
لهذا، وعلى ضوء ذلك، أظن أنّ على «المجلس الوطني» أن يستقيل من العمل السياسي، لأنّ كل ما قام به كان يصبّ في خدمة تكتيك السلطة، فالأساس الذي قامت استراتيجيته عليه هو أساس خاطئ (وفظيع)، وهو استحالة إسقاط السلطة بقوة الشعب، وبالتالي يكون الهدف هو الدفع إلى تدخل عسكري دولي من أجل التغيير. كل ذلك في وضع تتصارع فيه القوى الإمبريالية خدمة لمصالحها.
والأهم هو أن تسقط قوى الانتفاضة كل مراهنة على المجلس (هذه المراهنة التي نشأت لحظة تأسيسه، لكنّها تراجعت)، وعلى كل دور دولي، وأن تؤسس على كسب الفئات الشعبية التي لم تشارك بعد، لأنّها خائفة أو متخوفة، لأنّ ذلك هو الطريق الأهم لتقصير طريق الانتصار.
* كاتب عربي
11 تعليق
التعليقات
-
كنت اعتقد ان ادب الخيالكنت اعتقد ان ادب الخيال الفلكي ( الفانتازيا) انتهى في سبعينيات القرن الماضي لكن يبدو ان كيله عندما راى يد تشوركين ترتفع اقنع نفسه بان ما يشاهده هو فلم وليس شريط اخبار ولكي يقنع نفسه بذلك ادار براسه كيله من روسكي ستاندارت ليستطيع ان يشاهد الفلم بالمقلوب ومن ثم يسطر مقالته
-
على هامان يا فرعون!انت لست مع نقل «الملف السوري» إلى مجلس الأمن وضد كلّ تدخل سياسي وعسكري من قبل الدول الإمبريالية!!!, و برهان غليون, والشقفة أيضاً و كذلك, كل المعارضة السورية, داخلية كانت, أم خارجية, و كلكم كاذبون, تستعملون "التقية" السياسية! لكنكم أغبياء أيضاً, تشي بكم الجمل -من خارج السياق- تحشروها عنوة في مقالكم و كلامكم, حتى ليظن المدقق انكم ستختنقون بهذه الجمل ان فوتم مقالاً, أو مناسبة لا تعبق بهذا الشحّار الأسود!. أصدقكم هو ذاك العرعور, الذي هدد و توعد كل من يجرؤ على معارضة طلب التدخل العسكري بقص اللسان!!. كيف لأكثر الناس بلاهة أن يصدق, أن ما جرى ليلة جلسة مجلس التعدي و النفاق, كان صنيعة النظام السوري!!! وانه اتى متدحرجاً مع تصاعد الأحداث في حمص! ألا يتابع الكاتب قنوات الدم و الدجل اياها!, وكيف كان سلوكها تلك الليلة, ألم يسمع الكاتب مداخلات مفاتيح البيانو كلها وهي تعزف ذات النغمة و تطرق على نفس الوتر على أثيرها. ألم يلاحظ الكاتب أن مهتماً عادياً بالشأن السوري (بلا أحقاد, ولا مصالح, طبعاً), لا يملك إلا إعادة النظر بكل أحداث تلك الليلة, بمجرد أن سمع مداخلات أعضاء المجلس "الموقر" و اللذين لولا غلال تلك الليلة لم يجدوا ما يقولونه!!
-
؟؟على ماذا يبني سلامة كيلة تحليلاته السياسية ؟ اولا . من سعى للتدويل هي الانتضافة ذاتها وعبرت عن ذلك بعدة جمع للتظاهر كجمعة الحماية الدولية و جمعة الحظر الجوي .. وروسيا بالتأكيد تدافع عن حليفها الاستراتيجي في المنطقة لكنها ايصا تدافع عن نفسها في المعادلة الجديدة في المنطقة التي فرضها الربيع العربي والذي تماهى بشكل شبه تام مع النظرة الامريكية الامبرالية حسب تعبير كاتبنا..وورسيا صرحت انها تدعم التفاوض ل 3 اطراف حسب تعبيرها وهم النظام والمعارضة السلمية والحركة المسلحة ... وهذا الحل هو الاكثر منطقية واكثر الحلول حقنا للدماء .
-
قناة السويس1.بحسب الكاتب، الامبرياليات سواسية كأسنان المشط: نشأة وتطور وتكوين وتموقع روسيا والصين ك"إمبرياليات" لا يفرقهن بشيء عن غيرهما. موقف روسيا والصين لا يمكن ولو عرضا أن يكون في مصلحة سوريا وشعبها في رد خطر التدخل العسكري والدفع باتجاه الاصلاح. كيلة خبير اختزال المنطق الماركسي وابتذاله ليقارب المنطق الصوري، ويعرف في الامبريالية ومواقفها أكثر من الامبريالية نفسها. 2. فقط مثقف مغترب عن شعبه بإمكانه القول أن على مجلس اسطنبول أن يستقيل من العمل السياسي، وكأن هذا المجلس بقادر على أن يمارس غير الدعارة. 3. مقارنة برأس الرجاء الصالح، توفر قناة السويس أكثر من 4300 كم على السفن المسافرة من السعودية إلى الولايات المتحدة. فلم اللف والدوران؟
-
إجهاض ‘التدويل‘ كتدويل آخر، والبحث عن فرص جديدة!يفرض السيد كيلة معنى لكلمة ‘التدويل‘ لا يفهمها سواه، معنى لا يتكرم بتفسيره قبل أن يطلق العنان لأوصاف ونعوت لا ينفك يكررها المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم. لقد فهمنا من ‘التدويل‘ منع الغزاة الأجانب من إستخدام الأمم المتحدة غطاء لتمزيق سورية. وقد أفلحت روسيا والصين للآن في ضمان ذلك، وهبت بالمقابل الدوائر الأمبريالية للتنديد بروسيا والصين ووصفهما بعبارات لم نسمع مثيلها البتة في أروقة الأمم المتحدة. ففي أي زمرة يرى السيد كيلو نفسه؟ جواب هذا التساؤل يقعي في مستنقu الحرب على السلطة في سورية بين ‘هيئة‘ السيد كيلو و ‘مجلس الإخوان المسلمين الوطني‘، سلطة يبدو بعدها في تزايد في خضم الأحداث، وخاصة ماقيل عن الحرص الروسي لإنطلاق قريب للحوار بين المعارضة الوطنية والمستقلين ونظام الحكم لمنع تكرار ما جرى في الأمم المتحدة. - بينما يرفل من يريد الدبابات الأمريكية أو العربية التي تقودها الولايات المتحدة، في باريس ولندن، بإنتظار الأوامر والفرص - تماما كما جرت عملية إختطاف إنتفاضة الشعب السوري الحقة لتجييرها للولايات المتحدة ولمن خبأ إرتباطاته ‘الرحـمية‘ بتلك الآفة تحت عباءة ‘عربية‘ و عقال.
-
يجب قول هذا إلى ضعفاء العقوليجب قول هذا إلى ضعفاء العقول الذين يظنون أن روسيا مخلصة وليست إمبراطورية أخرى ولها مصالح.
-
"لهذا، وعلى ضوء ذلك، أظن أنّ"لهذا، وعلى ضوء ذلك، أظن أنّ على «المجلس الوطني» أن يستقيل من العمل السياسي، لأنّ كل ما قام به كان يصبّ في خدمة تكتيك السلطة، فالأساس الذي قامت استراتيجيته عليه هو أساس خاطئ (وفظيع)، وهو استحالة إسقاط السلطة بقوة الشعب، "..هذه مشكلة خطيرة, أن تعتقد أن للمجلس المذكور إستراتيجية معناه أنك لا ترى مدى خضوع المجلس ورئيسه للإملاءات "الإمبريالية" الغربية مباشرة أو عبر الأذناب "العربية".
-
ما شاء الله يا أستاذ سلامةما شاء الله يا أستاذ سلامة ...(لكن الأهم هو الوضوح بأنّ الحل هو سوري، من خلال تطوير الانتفاضة.) ولكن بأي مالٍ وبأي دعم ؟!!!!! ثمَّ تكتشف البارود فتقول : (فما يجري على الصعيد الدولي هو صراع مصالح بين إمبرياليات، وتلك «الغربية» منها ليست في وارد التدخل، وبالتالي لا نريد أن تبقى المسألة السورية ورقة لعب دولية.) فلماذا هذه الضغوط الإقتصادية ؟!! (العقوبات) والدبلوماسية (سحب السفراء)؟!!!!! وأخيراً تأتي بالترياق الشافي :(والأهم هو أن تسقط قوى الانتفاضة كل مراهنة على المجلس (هذه المراهنة التي نشأت لحظة تأسيسه، لكنّها تراجعت)، وعلى كل دور دولي، وأن تؤسس على كسب الفئات الشعبية التي لم تشارك بعد، لأنّها خائفة أو متخوفة، لأنّ ذلك هو الطريق الأهم لتقصير طريق الانتصار.).. فهل بالخطف والقتل والتنكيل بالجثث تُكسب الفئات الشعبية ؟!!!! أم بتدمير البنى التحتية ؟!!!!! أم بمحاربة الناس بلقمة عيشهم ؟!!! من خلال ضرب المنشآت الحيوية في البلاد بضرب مصادر الطاقة .. وإرهاب الصتجار والصناعيين لمنعهم من إيصال منتجاتهم للمواطنين ..
-
يا عيني عليكأما عنجد اول مقالة بقرأها لحضرتك فيها جملة مقنعة ((طبعا هي مقالة مقنعة على العموم)) بدي كان واحد يشاركني بهالرأي أنه: (( أظن أنّ على «المجلس الوطني» أن يستقيل من العمل السياسي، لأنّ كل ما قام به كان يصبّ في خدمة تكتيك السلطة، فالأساس الذي قامت استراتيجيته عليه هو أساس خاطئ (وفظيع)، وهو استحالة إسقاط السلطة بقوة الشعب، وبالتالي يكون الهدف هو الدفع إلى تدخل عسكري دولي من أجل التغيير.)) وكمان للي مفكر أنه روسيا والصين لوجه الله عم تشتغل ، هي كمان فكرة خاطئة
-
موهبةسنة كاملة، وما زال سلامة كيلة يدور في فلك آخر .. ويدور ويدور بصراحة أنا معجب جداً بقدرتك على البقاء داخل عالمك الخاص الجميل كل تلك الفترة . ويقيني هو أن من المستبعد أن تخرج منه قريباً. فما يبدو هو أن لا باب له ولا نافذة. ولا حتى ثقب مفتاح
-
سلامة كيلةكلام كتب في صحف أخرى. يستمر الكاتب في تكرار نفسه. يقول كارل كراوس: إن عدم الكتابة يتطلب شجاعة أكبر بكثير من الكتابة.