«الديموقراطية تعني أنّه إذا دقّ جرس الباب في ساعات الصباح الأولى، فمن المرجح أن يكون الطارق هو بائع الحليب» وينستون تشرشل

«هل أنت مناصر للمعارضة؟ أذاً أنت متّهم! انضمّ إلى تدريب «المتهم دوماً»!»
العبارة هذه ليست نكتة. هي جزء من إعلان حقيقي لنوع معيّن من الصفوف التدريبية في تركيا. فقد بدأ أخيراً «اتحاد المحامين التقدميين»، الذي لديه 11 فرعاً في البلاد، تنظيم دورات لتدريب الناس على كيفية التصرف حين يكونون قيد الاعتقال. يتم اعتقال المئات من مناصري المعارضة دورياً من قبل الأجهزة الأمنية. الجميع تقريباً، مع احتمال استثناء مناصري الحكومة، يستعدون لاستقبال الشرطة في بيوتهم ومكاتبهم، لكن هذه المرة مع بعض التحضيرات. هم يريدون فقط أن يعرفوا كيف يتصرفون حين يدق جرس الباب في ساعات الصباح الأولى.

كانت آخر حملات الشرطة في 13 شباط الجاري. تم اقتحام مقر«اتحاد نقابات موظفي القطاع العام» (KESK) في أنقرة، ونقابات تابعة له، في عملية تستهدف «اتحاد الأكراد» (KCK). اقتحمت منازل عدّة في اسطنبول، موش، فان، ديار بكر، إزمير، باتمان، أضنة، وغازي عنتاب. اعتقل حوالى 100 شخص. استهدفت العملية بشكل رئيسي النساء اللواتي يحتللن مناصب تنفيذية في الاتحادات. وقال «اتحاد نقابات موظفي القطاع العام» في بيان إنّ هدف العملية الأساس كان إيقاف تظاهرة تحضّر للثامن من آذار.
أصيب مناصرو المعارضة هذه المرة بصدمة، لأنّ معظمهم اعتقد بأنّ الحكومة ستنساهم لفترة. فقد كانت الحكومة مشغولة بصراعات السلطة داخل الإدارة، ما دفع «المتهم دوماً» إلى الاعتقاد بأنّ الشرطة ووكالة الاستخبارات لن يبقى لديها الوقت أو الطاقة الكافيان لملاحقة المعارضة.
يقول الخبراء إنّ حركة فتح الله غولن، وهي شبكة اقتصادية ودينية فوق ـــــ وطنية أوصلت حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكومة، تطلب اليوم دوراً سياسياً أكبر. واعتبرت مذكرة التوقيف الأخيرة بحق رئيس الاستخبارات التركية، حقان فيدان، جزءاً من الحرب بين حركة فتح الله غولن ورجال رئيس الوزراء في الحكومة. كان فيدان يقوم بمحادثات مع «حزب العمال الكردستاني» بوصفه مبعوث رئيس الوزراء الخاص، لكن الشرطة التي تعج برجال الحركة تحاول حشر اسم فيدان في قضية «اتحاد الأكراد» كمشتبه فيه.
رد رئيس الوزراء على مذكرة التوقيف بطلب عاجل لتغيير قانون مكافحة الإرهاب، لحماية حقان فيدان. في ذلك الوقت، اعتقل الأسبوع الماضي عنصران من الاستخبارات في أضنة بتهمة اختطاف المقدم حسين هرموش من الجيش السوري الحر. هما متهمان باختطاف هرموش من مخيم للاجئين في تركيا وتسليمه لمسؤولين في سوريا.
يشير هذان الحادثان إلى صراع بين مطالب حركة فتح الله غولن وسياسات الحكومة، لا في المجال الداخلي فقط، بل أيضاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
في خضم صراع جاد، اعتقد الأتراك والأكراد في المعارضة أنّ وتيرة عمليات الشرطة ستخف. لم يحدث ذلك. كانت الحكومة تبدو دوماً وكأنّ لديها ما يكفي من الوقت لجمع المعارضين وسجنهم. لهذا أصبح تدريب «المتهم دوماً» أحد التدريبات الأكثر شعبية في تركيا اليوم.
تقول المحامية إفريم دنيز كاراتانا، وهي واحدة من المدربين في برنامج «المتهم دوماً» لدى اتحاد المحامين التقدميين إنّ «الطلب كبير». ورغم بدء البرنامج منذ أسابيع فقط، يتصل أشخاص من الأحزاب السياسية، والاتحادات الطلابية، والنقابات العمالية، بالاتحاد لحضور التدريبات، كما تقول. حتى الآن، نظموا ندوتين في العاصمة أنقرة، وواحدة في إسطنبول.
وتقول كاراتان إنّ الاتحاد تلقى اتصالات من أناس من مختلف المناطق التركية. وفق ملاحظاتها، فإنّ أكثر الأسئلة طرحاً خلال التدريبات هو: «هل بإمكانهم أن يعتقلوني حتى لو لم أقم بأي أمر غير قانوني؟». وتضيف كاراتانا إنّ الإجابة هي «نعم».
تقول إنّ لدى الاتحاد فريقاً من 12 محامياً، يشكلون ست مجموعات من محاميين اثنين، ورغم ذلك لا يستطيعون تلبية كل الطلبات.
وتعلق كاراتانا بخصوص هذا النقص: «لدينا الكثير من العمليات الأمنية، والاعتقالات، كما تعرفون. لذلك، ليس لدينا العدد الكافي من المحامين للتدريب. نحن مشغولون أصلاً بالجري بين المحاكم من أجل موكلينا».
على تويتر، يوجد الكثير من مواعيد المحاكمات. كل يوم هناك موعد جديد لقضية جديدة للملاحقة. واليوم النكتة هي «لن يتركوا ما يكفي من الناس خارج السجون لمتابعة قضايا من هم في المحاكم». ويجادل البعض أنّ من الأفضل ربما تسليم الناس أنفسهم عوض الانتظار في البيت ريثما يدق جرس الباب في ساعات الصباح الأولى. يقولون «على الأقل أصبحنا مدربين تدريباً جيّداً الآن».
* محلّلة سياسيّة تركيّة (المقال مترجم عن موقع «الأخبار» الانكليزي «english.al-akhbar.com»، ترجمة ديما شريف)