بصرف النظر عن آثام المادة الثامنة في الدستور السوري السابق التي أرخت بظلالها أربعة عقود متتالية من حكم البعث للسوريين، فإنّها في أحد أشكالها كانت حماية للعلمانية في سوريا. وبغياب هذه المفردة السحرية عن بنود الدستور الجديد المقترح، كمحصلة لانسحاب حزب البعث من «قيادة الدولة والمجتمع» لمصلحة التعددية السياسية، فإنّ العلمانية في خطر، رغم أنّ البعث لم يعلن علمانيته على نحوٍ صريح. أولى تجليات هذا التحوّل تتمثل بحتميّة أن يكون الرئيس مسلماً، وتالياً فإنّ جزءاً كبيراً من مكوّنات الشعب السوري خارج سباق الرئاسة سلفاً، مما يجعل بعض الأقليات محكومة دينياً، ومشكوكاً بمواطنتها الكاملة. هذا التناقض في بنود الدستور السوري الجديد، سوف يوقظ أسئلة حول المساواة الغائبة، ومعنى الديموقراطية التي يتطلع إليها السوريون بعطشهم التائه في صحراء شاسعة. السؤال الملح هنا هو لمصلحة من أن يكون الرئيس مسلماً، في مجتمع تشكّل فيه الأقليات أكثرية، وتالياً، فإنّ رغبات أغلبية السوريين، خصوصاً الشباب منهم، لا تضع في حسبانها الدين أو المذاهب بقدر توقها للمواطنة.
يستعيد سوريون كثر الفترة التي تسلّم فيها فارس الخوري (المسيحي) وزارة الأوقاف، أو قيادة سلطان باشا الأطرش (الدرزي) للثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي. لكن هذه الحقبة الذهبية تبدو بعيدة تحت ضربات المشاعر الطائفية التي يسعى بعضهم إلى التمترس وراءها، ودفن العلمانية في مقبرة الجندي المجهول. العلمانية التي لم تتمكن أحزاب اليسار طوال عقود من تصحيح معناها الحقيقي، فهي ظلّت في قاموس المفهوم الشعبي مساوية للالحاد، فيما انهمكت هذه الأحزاب بمناظرات جوفاء، لم تترك أثراً ملموساً في الشارع. وذلك على عكس ما فعلته فتاوى خطباء الجوامع، في الوقت الذي قام بعض الرفاق البعثيين بفعل الشيخوخة الجسدية والفكرية، الالتفاف على اللقب من «رفيق» إلى «حاج»، أو جمع اللقبين تحت عباءة واحدة، بفضل بعثات الحج السنوية التي تتيحها وزارة الأوقاف مجاناً لموظفي المؤسسات الحكومية، بمهمّة مأجورة. قراءة أسماء الأحزاب الجديدة التي وافقت الدولة على ترخيصها أخيراً، لا تبتعد في جوهرها عن مناخات الليبرالية
الإسلامية.
تكفي نظرة عجلى على تصريحات قادتها أو أسمائها لمعرفة برامجها المقبلة، مثل «النهضة»، و«الأنصار»، و«التضامن»، و«التنميّة». معظم هذه الأحزاب تتطلع إلى منجز حزب «العدالة والتنمية» التركي، متجاهلةً الفاتورة التي أنجزها كمال أتاتورك في تأكيد علمانية الدولة أولاً، وغياب أتاتورك عربي يحقق مثل هذه القفزة في بناء الدولة الحديثة، من جمال عبد الناصر إلى اليوم.
شبهة العلمانية التي صبغت حقبة طويلة من الممارسة السياسية في سوريا، ستندحر الآن إلى الوراء أكثر بوصفها لعنة تستحق الرجم، أما محاولات بعض التيارات العلمانية الجديدة إثبات وجودها في الساحة السياسية، فهي لن تكون أكثر من فولكلور ضروري لمتطلبات السياحة، في بلد عمره خمسة آلاف عام من الحضارة، تبعاً لما تقوله كتب الجغرافيا والتاريخ والثقافة القومية في المدارس والجامعات.
* كاتب سوري من أسرة «الأخبار»
6 تعليق
التعليقات
-
أنا أعارض . إذاً أنا موجود بسأنا أعارض . إذاً أنا موجود بس على شو عم عارض ؟ لا أحد يعرف ما هو حلي البديل ؟ لا أحد يعرف هل تقدمت بفكرة مفيدة منذ أن فتحت فمي للكلام ؟ أكيد لأ
-
شر البلية ما يضحكههه هلق صرتو عم تترحمو عالمادة الثامنة ؟ ’’رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه’’ !!
-
قبل ماتصرعونا من سنة لهلققبل ماتصرعونا من سنة لهلق بالمادة التامنة....كنتوا فكروا بهالموضوع. بس ماحدا كان يتجرأ يجيب سيرة المادة التالتة ببداية الأحداث...خفتوا تزعلوا الاخوان...بيطالعوكن برا جنة الثورة. هلق بلشتوا تندبوا وتنعوا؟؟
-
العلمانية ظلّت في قاموس المفهوم الشعبي مساوية للالحاد،لكن العلمانية مساوية لشو ؟ الايمان العميق بالرسالات السماوية؟ مش راح نخلص من التلفيق الفكري تبعكن؟ ما كفانا كل المصايب الي عملتوها ؟ و كل الهزائم الي جريتوها لامتنا, و كل يلي صار من 1967 لحد الان ما اعطاكن فكرة تراجعوا مسلماتكن الفكرية . بؤس العقلانية و بؤس الماركسية الي تتدعوها.
-
شعبويةأعتقد معظم من ينتقدون ويثيرون الضجة حول المادة الثالثة يتحدثون بفذلكات لغوية ومواقف نكاية بالنظام وليس بقرأة للواقع الذي يقول أنه في بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما حاولت السلطة دستورا دون ذكر لدين الرئيس قامت الدنيا ولم تقعد وإجبرت السلطات على التراجع رغم أن تلك الفترة كانت المنطقة والعالم والبشر أقل تعصبا دينيا وطائفيا وكان لليسار يسارا يعتد به...أما الآن وكأن معظم الكُتاب لايرون ولايعيشون في هذه المنطقة التي يكاد يقودها مللك وشاهنشاه .... إنها قمة الشعبوية والمزاودات البائسة أن يُطلب من النظام السوري ، الذي لازال يتمسك بقدر من العلمانية بين هيجان التطرف الديني المحيط،إستبعاد دين الدولة من الدستور القابل للتعديل بعد 18 شهرا من إقراره.