رسالة إلى أوستراليا

صباح الخير يا أوستراليا.
يا سيّدة الغيم البعيد ــ القريب إلى أسمائنا، يا روزنامة البحر، وورق الموج المتساقط في غيابنا.
سلام لبنان لكِ، سلام الثلج في إهدن الآن إلى كلّ بيوت أهالينا هناك! إلى كلّ طيفٍ وظلّ يتمشّى بينكم ويعبر إلى عمق أرضه وتراثه وكبريائه هنا.
يا سيّدة الأحباب والأصحاب والأهل في المقلب الثاني يا أوستراليا. يا رحلة المساء الطويل إلى صباح اللّقاء الطالع من عيون الرفاق والموعد الآتي، الموعد المكلّل بالأحبّة!
أراكِ من هنا، أراك تفتحين نافذة خضراء، لتستقبلي طوني سليمان فرنجية، نجل رئيس تيّار المردة، في احتفال واسع على منبر الغربة في بلاد الإنتشار. أوّل مهرجان اغترابيّ في سيدني، المدينة المائيّة التي أبحرت سطوحها سفنًا في الماء، وناسها في ذكرياتنا!
غدًا يصل الـ «هنا» بالـ «هناك»!
يصل طوني فرنجية إبن الخميرة الوطنيّة العريقة، والحسّ الشعبيّ، والخدمة العامّة! إبن الصراحة والوفاء، وهذه المقاربات لا جدل حولها ولا خصوم. كأنّ الأمثلة التاريخيّة في حضورهم تكاد لا تحصى.
إبن أصالته هو. عندما تنظر إلى عينيه ترى وطنًا خاليًا من الصراخ والشتائم، وطنًا يلوّن دفاتر أيّامه بنفناف الفراشات، ويردّ الظلم عن أطفاله، وطنًا ينساب من رئتيّ الزهر إلى أقلامنا. هو امتدادٌ لصراحة أبيه على إيقاع الصدق، وإيقاع المواقف والجرأة في عزّ السكوت. فأبوه لا تزال صوره على الشرفات تسلّم على المارّة، تقف معهم، وتسأل الناس عن حالها وأحوالها، وبكلّ بساطة مطلقة، تنتخبه قرانا رافضًا للذلّ ومسامحًا ناضجًا.
غدًا، يا وجه الفرسان المشرف، وأنت في رحلة السفر، تتعرّف إلى وجوه حفرت في مقالع الغربة البعيدة ثروةً أخلاقيّة وإنسانيّة، وجوه لم يهزمها امتحان رحيلها مرّة، بل كدّست في زواياها حنينًا مقدّسًا إلى أعماق جذورها، ورتّبت جروحها بيديها، وناضلت على اسم الجبين. تتعرّف إلى ثقافة الهجرة المنتميّة بالرغم من صعابها إلى الرجوع، إلى حوار أهلها الطيّبين، وسهرهم الخافت، وعيونهم مشدودة نحو الأمل. تتعرّف إلى لبنانهم الدائم، الذي لا يغيب عنهم، وهم يكتبونه رسائل حبّ وعودة وقلق! هناك يا وجه الوطن الحاضر في عينيك، ستلتقي أشخاصًا كثرًا، يُفرحك كيف علّموا أولادهم، وخبّأوا حكايات مدارسهم في مراويل آمالهم، كيف ثبتوا وأسّسوا... وأصبحوا نابضي القيم والقوانين والعمران، أشخاصًا كثرًا يزرعون قمح الرجاء... ويصرّون على سلامها إلى أبيك.
يطلّ طوني سليمان فرنجية على أستراليا من بوّابة المناصرين وغيرهم، قلْتُ: غيرهم، وما زلت. فالقلب أضمن من العقل، والعين أوفى من الحلم، في مهرجان المردة العالي، وراية التيّار متوهّجة!
جرمانوس جرمانوس