انتظرت حماس خمس سنوات لترى «إخوانها» في مصر، وهم يحصدون نتائج كبيرة في أوّل انتخابات برلمانيّة مصريّة تجري في أعقاب إسقاط مُبارك، بعدما كانت قد حصدت، هي الأخرى، نتائج كبيرة في انتخابات برلمان السلطة الفلسطينيّة في 2006، لكنّ الصعود الإخواني في مصر، جاء أيضاً، في ظل ظروف ضاغطة وغير اعتياديّة.فمن جهة، تواجه حماس، بعد سيطرتها على قطاع غزّة في صيف 2007، استحقاقات الإدارة اليوميّة لحياة الفلسطينيين القاطنين هُناك، الذين يَربون على مليون ونصف مليون مواطن، بما يحمله ذلك من تحديّات كبيرة، وهي تحديّات سياسيّة وماليّة وإداريّة معقّدة. ومن جهة أخرى، لم تكن سوريا، أحد حلفاء حماس الإقليميّين الأساسيّين، التي وفرت لعقدين تقريباً، مظلّة سياسيّة ولوجستيّة لحماس، بمنأى عن ارتدادات موجة «الربيع العربي». فقد وُضعت حماس أمام اختبار صعب، وجدت الحركة نفسها بعده، خارج البلد الذي وفّر لها دعماً سياسياً كبيراً، ومنحها مزايا التحالف الثابت وغير المُكلف نسبيّاً مع إيران.
كانت إحدى النتائج المتمخضة عن خروج حماس من سوريا، تبعثُر قادتها الأساسيّين بين عواصم الشرق الأوسط، وعلى رأسها القاهرة والدوحة وأنقرة. إنّ الخيط الرئيسي الذي يجمع بين هذه العواصم، هو أنّها تختلف عن سوريا لجهة كونها لا تستطيع تحمّل كُلفة إبقاء حماس على أراضيها مع نشاط سياسي، إلا إذا أصبح هذا النشاط مُنسجماً بشكل أو بآخر، مع التوجهات السياسيّة العامّة لتلك الدول. أي، بكلمات أخرى، اندماج حماس في المنظومة الإقليميّة من خلال تقديم تنازلات في البرنامج السياسي، وهو ما يبدو غير مُمكن، أقلّه في المدى القريب، بسبب عوامل مُختلفة.
في مصر تحديداً، التي تكتسب أهميّتها بمعاني الجغرافيا السياسيّة، لكونها تحدّ قطاع غزّة، لا ينبغي لحماس أن تعتنق أوهاماً كبيرة بشأن الإخوان المصريّين. لقد أشعل فوز الإسلاميّين الانتخابي هناك حمّى التبشير من قبل قادة حماس بـ«المشروع الإسلامي» الكبير، الذي سيغيّر وجه المنطقة، لكن نظرة متفحصة على أداء الإخوان المسلمين خلال المرحلة الانتقاليّة، وطبيعة العلاقة مع المجلس العسكري الحاكم، لا تبشّر حتماً بالكثير، وذلك لأسباب واضحة.
إذ إنّ، أولاً، وقوع الإخوان المسلمين كقوّة سياسيّة متمثلة بأغلبيّة معتبرة في البرلمان تحت ضغط مناخ سياسي واقتصادي متفجّر، يجعلهم غير قادرين على النظر أبعد من حدود الموقف المصري الداخلي، ويخلّصهم، في الواقع، من يوتوبيا الشعارات، ويدفعهم باتجاه مواقف محسوبة تماماً بالمعنى السياسي.
ثانياً، لدينا ملفات مصر الاستراتيجيّة في السياسة الخارجيّة، التي تتمحور حول علاقات جيّدة بإسرائيل والولايات المتحدة (انظر اتفاقيّة كامب ديفيد)، ستبقى في يد المجلس العسكري الحاكم صاحب النفوذ الفعلي. يجب على حماس ألّا تبني أوهاماً كثيرة على الانتخابات الرئاسيّة القادمة في مصر، التي تمثّل في نظر الكثيرين المحطّة الأخيرة في مسار نقل السلطة بعد انتفاضة كانون الثاني/ يناير 2011، لأنّها ستجري في ضوء الترتيبات بين العسكر والإخوان، ولن تحمل جديداً يذكر، لا في موقف الإخوان، ولا في سياسة مصر الخارجيّة.
ثالثاً، كشف مسار التحوّل السياسي القائم في مصر منذ انتفاضة كانون الثاني/ يناير 2011، أنّ جماعة الإخوان المسلمين نفسها قوّة مُحافظة، ليس لديها برنامج جذري بالمعنى السياسي أو الاقتصادي. لقد أكّد قادة الجماعة على الالتزام باتفاقيّات مصر السياسيّة، بما فيها اتفاقيّة كامب ديفيد، وعلى المستوى الاقتصادي، أكد الإخوان تبنيهم اقتصاد السوق، وقبولهم المعونات الماليّة الدوليّة، في بلد استندت فيه الانتفاضة الشعبيّة إلى الغبن النابع من معدلات الفقر والبطالة المرتفعة، التي أسهمت في إذكائها سياسات السوق المفتوح وسيطرة رجال الأعمال على الاقتصاد الوطني. جماعة سياسيّة من هذا النوع، لا يمكن بطبيعة الحال، أن تتخذ مواقف سياسيّة نوعيّة، تجاه حماس. مشروع الإسلام السياسي، بشكله المرتكز على التعبئة والشعاراتيّة يتحطّم الآن على محك الحالة الثوريّة في مصر، لا العكس كما تتوقّع حماس.
لقد كانت الأسابيع القليلة الماضية كافية لإعطاء مؤشرات وافية عن التعاطي الإخواني مع الموضوع الفلسطيني. تعرّض قطاع غزة لهجمة عدوانيّة إسرائيليّة، ترافقت مع أزمة عميقة ومستمرة في إمدادات الطاقة، مما يجعل قطاع غزّة يغرق في الظلام لما يزيد عن 12 ساعة يوميّاً، ويشل الحياة بالكامل هُناك. كانت استجابة الأغلبيّة البرلمانيّة الإخوانية باهتة للغاية: مُطالبة بطرد السفير الإسرائيلي، ووعود بالعمل من أجل مدّ غزّة بالوقود المصري، لكنّ شيئاً من هذا لم يتحقّق.
لقد حمل التغيير في مصر فوائد محدودة لحماس، تمثلت في التسهيلات التي حصل عليها قادتها للتنقل عبر القاهرة، وإقامة بعض قادتهم فيها، لكن، لا شيء أكثر من ذلك. قد تكون زيارة الدكتور محمود الزهّار الأخيرة إلى إيران، وإعادة التأكيد على عمق العلاقة معها، التي تضرّرت على نحو جزئي بسبب موقف حماس من سوريا، جزءاً من فهم الاستجابة للمصاعب الإقليمية التي تواجه الحركة، وخاصّة أنّ رئيس مكتبها السياسي، قد اختار، على ما يبدو، قطر، مقراً مؤقتاً له. لننتظر ونرَ.
* صحافي فلسطيني