مطلوب نهضويون
توالت الاحداث في المنطقة العربية في السنوات الاخيرة وصولاً الى ما يعرف بـ«الربيع العربي». واذا كانت سنة 1798 التي حملت غزو نابليون بونابارت الى مصر هي السنة المفصل في تاريخ العرب الحديث، فإن سنة 2003 كانت مفصلية في تاريخ العرب الحالي والمستقبلي مع اطاحة اول معاقل الديكتاتوريات العربية بالتدخل العسكري الاميركي في العراق، والذي تتالت بعده سنوات الاستنزاف الاميركي حتى أواخر سنة 2011 التي أفلت مع افول الجيش الاميركي عن العراق.
واذا كانت الحملة الفرنسية على مصر 1798 قد حملت المطبعة التي حققت الصدمة للعقل العربي ودفعته الى تلمس طريق النهضة، فإن ثورة وسائل الاتصال الحديثة وما حملته من مفاهيم ونماذج غربية في الحكم والسياسة والثقافة والتقنية والقيم والسلوك... قد صعقت بدورها العقل العربي، فثار عنصر الشباب على واقعه وتخطى كل الخطوط الحمراء لتنجح ثوراته في اطاحة اهم الديكتاتوريات، وبات المشهد العربي محفوفاً بالكثير من المخاطر والغموض الذي يلف مصير الثورات، فإما أن تتحقق «نهضة عربية» جديدة بكل المقاييس، وإما العودة السلبية الى «السلفية». واذا كان العقل العربي قد تعامل مع النهضة بانقسام محوره الاول محاكاة الغرب والاخذ بحضارته من دون تفكير، ومحوره الثاني محاكاة الماضي والعودة الى الفكر الاسلامي، الى ان حسم الانقسام رجالات نهضويون قدموا انموذجهم النهضوي الاصيل، فإن البلدان العربية اليوم تحتاج الى عقول نهضوية تعمل على الاستفادة من نتائج الثورات وتظهيرها في اطر تخدم قيام نهضة عربية حقيقية بمفاهيم ديموقراطية محلية وبعقل ديني منفتح، لأن المشهد الثوري العربي الحالي افضى الى وصول جماعات اسلامية جل انجازاتها انها كانت جماعات منظمة استفادت من الثورات الشعبية غير المنظمة للوصول الى الحكم، وهي تحمل مشاريع مجتزأة لا تعكس كل الهويات العربية الى جانب اوضاع اقتصادية مهترئة تهدد تجاربها في الحكم. واذا ما أسفرت هذه التجارب عن فشل في الحكم يخشى ان يكون مصير العقل الثوري «الصدمة» و العودة الى «الماضوية» او «السلفية».
باختصار، العقل العربي بحاجة الى مواءمة بين الطموحات المبتغاة والواقع وقراءته بصورة عصرية تعكس ثقافة المنطقة بعناوينها المختلفة من دون اجتزاء لتحقيق ديموقراطية من انتاج محلي والا فستتعرى المنطقة ثقافياً من هوية جامعة لتقع في الهويات المتناحرة وانفصام الذات الواحدة لاننا لم نخرج بعد من اطار الصدمة، التي اختصرتها فتاة من ثورات العرب وقف عقلها عاجزاً عن الاختيار بين حرية الغرب الجنسية وملاءات العرب الدينية فكان مصيرها التعري...
منى زعرور