من ليس له حاضر ليس له تاريخ
لطالما قيل لنا إن من ليس له تاريخ ليس له حاضر، فما العبرة من التاريخ؟ روايات وقصص لأحداث مهمة وحروب مصيرية أسهمت في بناء وطن واستقلال وحرية، أو أدت إلى اندثار وحدة وطنية وزرعت بذور الطائفية وأوقدت فتنة جهنمية. فأي تاريخ نريد أن يدرسه عن ظهر قلب أبناؤنا؟ أم نخجل من البوح به حتى أمام أترابنا؟ فالحقيقة الساطعة قد ننعم بنورها حيناً إلا أنها أحياناً تتحول إلى ضوء حارق يلفح حاضرنا كالنار في الهشيم. منذ اثنين وعشرين عاماً نصّ «الطائف» على وجوب «إعادة النظر في المناهج التعليمية وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية». ولكن هل آن الأوان لكتابة كتاب تاريخ سمّمته السياسة قبل أن يولد؟ ليْتهم باشروا كتابة هذا التاريخ فور عودتهم من الطائف بدل أن يتحول إلى إرث ثقيل بين الحكومات، ليستحيل في هذا الزمن مهمة مستحيلة وينضم إلى مجموعة النأي بالنفس والسحب من التداول.
فكل فريق يريد أن يسطّر التاريخ أمجاده غير آبه بالثمن الذي مهره لإكليل الغار الذابل هذا. غطرسة هنا وارتهان هناك. ومساومة على اقتسام الغنائم تحت غطاء أكثرية تفتقد المواطنية. المنتصرون عادة يكتبون التاريخ، ولكن من دون أن يخوضوا في التفاصيل التي يكمن الشيطان بين ثناياها. ونحن في لبنان تاريخنا مليء بالحروب والنزاعات والانقسامات السياسية والطائفية والطبقية حول قضايا جوهرية تارة، ولا منطقية تارة أخرى. فأي كتاب تاريخ موحد سيجمعنا والاختلاف حاد على الروايات المتعددة لحقيقة ما أصاب البلاد في العقود الثلاثة الماضية على الأقلّ؟ بالإذن منك حمورابي، نحن نكتب تاريخاً بالتوافق والتراضي. يا للسخرية. فلنبقَ ممتنين لشريعتك، ولنسحب هذه الصفقة من التداول، لأن تاريخنا هو هويتنا وليس وزارة أشغال أو طاقة. والطريف أن البعض لا يمانع بوجود أكثر من كتاب تاريخ للتدريس، نظراً لاختلاف وجهات النظر. أليس هذا إمعاناً في التفرقة والتشرذم؟ ألا يكفي أن نربّي أجيالاً بلا تاريخ فتفتقد تربيتنا الروح مع تغييبنا لهذا التاريخ؟
دعونا نتصالح مع حاضرنا في البداية ونعترف بأننا أمعنّا في ارتكاب الأخطاء، وبالرغم من ذلك نحن على أهبة الاستعداد للتصحيح لنصنع حاضراً مشرّفاً، ونخبر عندها أبناءنا أننا تصالحنا مع ذاتنا ومع شركائنا في الوطن، وبتنا نحيا في حاضر مشرّف يستحق أن يكون له تاريخ موحد نترفع عن خسائره.
لينا حشّا