إنّ ما يجري في مخيم نهر البارد ما هو إلا نتيجة للتراكمات القهرية الحاصلة في المخيم منذ 2007. فما حصل أخيراً، ورغم إمعان البعض بطرحه بصورة مناقضة للحقيقة، ليس امتداداً لما يجري في لبنان أو جواره من تجاذبات سياسية، بل نتاج لحالة احتقان طال عليها الزمان وتجاهلتها القيادة الفلسطينية والقوى اللبنانية التقدمية والإعلامية، على مدى الخمس سنوات الماضية.
فمنذ تدمير مخيم نهر البارد في 2007، يعيش سكانه في حصار اقتصادي وعسكري يشابه في قصوته الوضع الفلسطيني تحت الاحتلال. ورغم الوعود الفضفاضة من الحكومات اللبنانية المتتالية، لا يزال العديد من أهالي مخيم نهر البارد، بعد خمس سنوات من ترحيلهم، يعيشون في حاويات للشحن أو مرآب للسيارات غير صالحة للحياة الآدمية.
تاريخياً تميّز مخيم نهر البارد عن المخيمات الفلسطينية الاخرى بموقعه الجغرافي المميّز بين مدينة طرابلس ومنطقة الشمال حتى الحدود مع سوريا، فأصبح مركزاً اقتصادياً عمل على تأمين عمل لأكثر من 60 بالمائة من اليد العاملة. إلا أنّه نتيجة الحصار والحالة العسكرية المفروضة على المخيم، فإن أكثر من 80 بالمائة من اليد العاملة الشابة اصبحت عاطلة من العمل. لا أحد يتوقع أو يعيش وهماً بأن الدولة اللبنانية يجب أن تؤمن فرص عمل لأهالي المخيم، لكن على الدولة أن توقف السياسات الظالمة التي تحد من قدرة المخيم على النهوض اقتصادياً لتأمين احتياجاته الذاتية. إن احدى أهم السياسات المعرقلة للحركة الاقتصادية في المخيم هي الحصار العسكري ــ ليس الحواجز العسكرية ــ الذي يمنع الدخول والخروج من المخيم لغير حاملي تصريح عسكري صادر عن مكتب استخبارات الجيش اللبناني. وكذلك فإنّ التغطية الإعلامية للأحداث الأخيرة كانت أحادية الجانب، فمنعت وسائل الإعلام من دخول المخيم، وكأنّ غزة انتقلت إلى شمال لبنان. فنشرة تلفزيون الجديد مثلاً، المعروف بطرحه المهني، لم تكن موضوعية في ما سمي بالتقرير والصورة «الحصرية»، لنشرة الأخبار مساء الثلاثاء الماضي. كان التعليق الإخباري منحازاً ومتناقضاً حتى مع طبيعة الصور «الحصرية»، وكرر التعليق أنّ شباباً من المخيم خرجوا من مراسم دفن الشاب الفلسطيني وقاموا بمهاجمة لثكنة عسكرية للجيش اللبناني بالحجارة، في محاولة لتبرير إطلاق الرصاص الحي على الجمهور الأعزل.
هناك موقع عسكري للجيش اللبناني في أحد المنازل المحتلة داخل المخيم الجديد، وليس «ثكنة عسكرية» كما ادعى التقرير، ولم يذكر التعليق أنّ هذا الموقع منع أهالي المخيم من الوصول إلى مقبرة خالد ابن الوليد المحاذية لدفن الشاب الفلسطيني.
لقد كانت الآمال كبيرة على الحكومة اللبنانية الحالية من أجل أن تنهي العسكرة المذلة الغير مبررة أمنياً والتي تعرقل إعادة الوضع الاقتصادي في مخيم نهر البارد. إنّ أهالي مخيم نهر البارد لا يستطيعون حتى دفن أمواتهم في المقابر المغلقة بقرار عسكري، ولا يستطيعون إعادة ترميم المنازل المحاذية للمخيم القديم.
والمعروف أنّ مخيم نهر البارد خالٍ وبشكل تام من أي سلاح خارج على السلطة اللبنانية، وقد تعاون سكان المخيم بإخلائهم البيوت طوعياً في 2007، وها قد مرت 5 سنوات من دون اي تقدم، رغم الوعود الناقصة التي أصدرها رئيس الوزراء اللبناني في صيف 2007.
معالجة الوضع الحالي في مخيم نهر البارد تكون من خلال إدراك مسببات الأزمة والتي تتمثل برفع الحصار العسكري القائم منذ أكثر من خمس سنوات، وتسليم مقابر الموتى، والسماح بترميم المنازل في المناطق التي لا تزال مغلقة عسكرياً، إلا إذا كان المقصود هو الإمعان بإذلال من تخلوا عن السلاح، جاعلين من ذلك حافزاً للبعض الآخر للإبقاء على سلاحه لأنّه الضمانة الوحيدة للحفاظ على كرامته الإنسانية.
* كاتب فلسطيني