لأسبوع أمسكت مصر أنفاسها خلال أيام الصيف الحارة، بانتظار نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. استمر تأجيل اعلان النتائج. كان من المفترض اعلان الفائز في 20 حزيران/ يونيو؛ وقد أظهرت النتائج الأولية أنّ محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين، الذي حظي بتأييد الكثير من القوات الثورية، هو الفائز. رغم ذلك، قررت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية تأجيل إعلان النتائج. وتناقلت وسائل الاعلام، التي يرأسها الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يتولون زمام الأمور فيها في عهد حسني مبارك، شائعات ومعلومات خاطئة: أنّ الإخوان المسلمين حشوا صناديق الاقتراع وكانوا يخططون، لو أنّهم خسروا، لتمرد مسلّح. في الواقع، كان ذلك خارجاً عن سيطرة الناخبين واللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، والآن بات في يد المجلس الأعلى للقوات المسلحة.السؤال واضح: هل سيقبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة نتائج الانتخابات؟ هل ستُجبَر «الدولة العميقة» (هذه المجموعات النافذة التي تكوّن دولة داخل الدولة، والتي تتألف من عناصر كأجهزة الاستخبارات، الجيش، رجال الأعمال، القوى الأمنية، السلطة القضائية والمافيا) على قبول نتائج الانتخابات؟ لمدة شهر، نظمت هذه العناصر حملة تعبئة لصالح اللواء أحمد شفيق، أحد فلول النظام القديم في مصر، وكانت تناضل في سبيل استعادة امتيازاتها. أشخاصٌ لم ينسوا شيئاً، ولم يتعلموا شيئاً.
بعد تردد كبير، قرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاستسلام، وفي 24 حزيران/ يونيو أُعلِن فوز مرسي. للمرة الأولى في تاريخ جمهورية مصر، يتولى مدني منصب رئيس الجمهورية.
لكنّ فوز مرسي بفارق ضئيل، بالكاد مليون صوت، على مرشّح مثّل النظام القديم، يبرز رفض شريحة من الناس للاخوان المسلمين، والتناقضات في سير العملية الانتقالية، إضافة إلى كونه انتصاراً للإخوان المسلمين، الذين خسروا نصف الأصوات ما بين الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مثّل ذلك هزيمة لجميع من اعتقدوا أنّ العودة إلى الماضي ممكنة.
في الأسابيع التي سبقت الانتخابات، ضيّق المجلس الأعلى للقوات المسلحة الخناق على المؤسسات. في 4 حزيران/ يونيو، سمح مرسوم صادر عن وزارة العدل للقوات المسلحة باعتقال المدنيين ومحاكمتهم، قرار أبطلته في 27 حزيران/ يونيو المحكمة الادارية العليا المصرية. بعد القرار الذي صدر في 14 حزيران/ يونيو عن المحكمة الدستورية العليا في ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، حلّ المجلس الأعلى للقوات المسلحة البرلمان، واستعاد الصلاحيات التشريعية التي أوكلها إليه وتبنى إعلاناً دستورياً إضافياً يحمي القوات المسلحة من «تدخل» المدنيين. كذلك، طالب بحقه في إبداء الرأي في صياغة الدستور المستقبلي، لكن الآن تتعرض هذه القرارات كلها للطعن أمام المحكمة الادارية العليا.
يقول الكثيرون إنّ الرئيس الجديد لن يتمتع بأي صلاحيات. هذا ليس صحيحاً تماماً: سيسمي رئيس الوزراء ويختار معظم الوزراء؛ سيتخذ قرارات اقتصادية هامة، وربما يتحدى زمرة رجال الأعمال الذين خربوا البلاد وسرقوها لسنوات كثيرة بموافقة «المجتمع الدولي». يستطيع أيضاً أن يبدأ بمعالجة مشاكل مصر الكثيرة، لا كتابة دستور جديد وحسب. يستطيع كذلك المباشرة بإصلاح النظام الاعلامي الفاسد تماماً، الذي يتحكم فيه أشخاص عيّنهم النظام القديم. خير مثال على ذلك كله هو صحيفة الأهرام، مع ديونها الخيالية ومئات الصحافيين العاملين فيها، ومعظمهم لا علاقة له بالصحافة، وإدارتها الفاسدة.
مما لا شك فيه أنّ هذه التغييرات كلّها رهنٌ بالكثير من المعارك المقبلة وبتوازن القوى. تمثّل الجبهة الموحدة التي شكّلتها القوى الثورية ومرسي، في 22 حزيران/ يونيو خطوة إلى الأمام. ستؤخذ بعين الاعتبار أيضاً عوامل أخرى: بخاصة، هل سيكون من الممكن تخطي الانقسام الزائف بين «الإسلاميين» و«العلمانيين»؟
يقول فهمي هويدي، وهو كاتبٌ محترم ذو ميول إسلامية تُنشَر مقالاته عبر العالم العربي، وكان ينتقد سراً وبشدة خطوة الإخوان المسلمين المتمثلة في دخول السباق الرئاسي، يقول إنّه ليس هناك ما يسمى الـ«دولة الدينية»، ويعتقد أنّه لا بدّ من تحقيق وحدة في مجالات كثيرة: «في البرلمان، رفض الليبراليون وأحزاب أخرى اقتراح الاخوان المسلمين بترؤس أيّ لجنة. وجدوا ذلك خاطئاً حتى عندما قدّم البرلمان تدابير إيجابية: إصلاح نظام البكالوريا، تحسين وضع 700 ألف عامل غير منتظم، إدخال الحد الأقصى للأجور، وما إلى ذلك».
من خلال الموافقة على مساعدة القوى الثورية في 22 حزيران/ يونيو، وضع الإخوان المسلمون حداً لعزلتهم. لقد تعهدوا معارضة النظام العسكري، ولا سيما من خلال المطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري الإضافي وعودة برلمان منتخب. والآن بعد انتخاب مرشحهم، هل سيحاولون التوصل إلى تفاهم جديد مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ كيف ستكون مقاربتهم لصياغة الدستور الجديد؟ لا تزال هذه الأسئلة بانتظار الأجوبة. بيد أنّ 30 حزيران/ يونيو سيُسجَّل في التاريخ كخطوة مهمة في إطار تفكيك النظام القديم وقبضته على الاقتصاد المصري.
*  صحافي فرنسي متخصّص في شؤون الشرق الأوسط، ومدير تحرير صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» (ترجمة باسكال شلهوب)