في الحرب الوطنية الكبرى التي تخوضها سوريا اليوم، هل نملك ترف نقد حليف إقليمي قوي ومواظب مثل إيران؟ كثيرون سيفضلون الصمت والتجاوز عن نقاط الخلاف، خصوصاً أنّها تقع في الجانب الأيديولوجي دون الجوانب السياسية والعملية التي لها الأولوية من وجهة نظر براغماتية. غير أنّ الحرب الدائرة الآن في سوريا وامتداداتها المشرقية، هي، بالدرجة الأولى، حرب أيديولوجية، حرب حول الأفكار والهوية والحضارة ونمط الحياة. وهذا هو، وحده، ما يبرر كل هذا الموت، وكل هذه المخاطرة الجماعية والشخصية، ويمنحهما المعنى.
ومن دون ذلك المعنى، تغدو قضيتنا هي مجرد الحفاظ على نظام سياسي من السقوط. وهو لا يستحق ذلك، ولا يساوي عندي، حياة إنسان واحد.
لكنّنا نقاتل من أجل قضية تساوي وجودنا. وواجبنا إزاء شهداء وأبطال الجيش العربي السوري، وواجبنا إزاء قضية التحرر الوطني المشرقية، يحتمان علينا، عندما يتعلق الأمر بالمعنى، أن نضع النقاط على الحروف مع «الحليف الإيراني» أو سواه.
تدعم إيران، مشكورة، نضال جيشنا وشعبنا، ولكنّها تصطف في الجبهة الأيديولوجية المعادية. إنّها تعلن عن إيمانها بـ«صحوة إسلامية» ــ هي، بالذات، منطلق الحملة البربرية التي تعصف بسوريا وبالمنطقة ــ وتؤكد علاقاتها بالإخوان المسلمين الذين يمتشقون سلاح الإرهاب المادي والمعنوي ضد شعوبنا، وتعتزّ بدعم حماس التي غدرت بدمشق، وتستعد للغدر بفلسطين والأردن، بعدما تموضعت في سياق الحملة البربرية ذاتها.
«صحوة إسلامية»؟ نعم. ولكن ليس في هذه الصفة، وحدها، ما يجعلها إيجابية ومحبذة وشرعية تاريخياً. إنّها صحوة صُنّعت، سياسياً وإعلامياً، في مطابخ الغرب والخليج وتركيا، لاستيعاب الثورات العربية، وإعادة انتاجها ــ كإصلاحات شكلية ــ في سياق الهيمنة الإمبريالية والرجعية والنيوليبرالية والسلام مع إسرائيل. وهذا ما حدث في تونس ومصر وليبيا والمغرب، حيث يحكم الإخوان المسلمون اليوم، مجددين الأنظمة السابقة نفسها، مع إضافات قمعية، خصوصاً للحريات الشخصية.
لكن نتائج «الصحوة الإسلامية» في المشرق الفسيفسائي التركيب الاجتماعي والطائفي والمذهبي والاثني، والمنخرط ــ موضوعياً ــ في مواجهة كيانية مع إسرائيل، هي أفدح بما لا يقاس. هنا، تتخذ «الصحوة الإسلامية» مسار الهجمة الإرهابية الهدّامة للمجتمعات والأوطان، وتمنح التحالف الأميركي الصهيوني، فرصة غير مسبوقة لضرب معاقل المقاومة ــ بكل أشكالها ــ وتصفية القضية الفلسطينية تحت راية إسلامية.

■ ■ ■


ابتسامة أحمدي نجاد الحبيّة، وهو يستقبل محمد مرسي، ليست مفتعلة. إنّها ابتسامة الترحيب بممثل «الصحوة الإسلامية المباركة». مرسي الذي هاجم، من على منبر قمة عدم الانحياز في طهران، الحليف العربي الوحيد الثابت للجمهورية الاسلامية في إيران منذ نشأتها 1979، أي النظام السوري، ولم يتورّع، بلا حياء، عن الجمع بينه وبين إسرائيل في خانة واحدة، عومل من قبل الإيرانيين كضيف شرف. حتى المرشد الأعلى، علي خامنئي، في خطابه أمام القمة، أخذ مرسي بالحسبان، ولم ينبس بكلمة حول سوريا. وفّرها ليقولها لرئيس وزراء سوريا، وائل حلقي، وجهاً لوجه!
وضّح علي لاريجاني، في تصريحات لفضائية «الميادين»، بصراحة، خلفية المشهد السياسي الذي ظهّرته قمة عدم الانحياز، في ثلاث نقاط تشكّل الافتراق الأيديولوجي الحاصل بين الموقف الإيراني والموقف السوري؛ إزاء الإخوان المسلمين، وإزاء حل الأزمة السورية، وإزاء حماس. عند لاريجاني، الإخوان هم حلفاء، ومكانهم محفوظ في الحل السياسي للأزمة السورية، وحماس حركة مقاومة ستواصل إيران دعمها.
حلقي، كان ضعيفاً ومرتبكاً، وهو يردّ على مرسي، بكلام دبلوماسي مرعوب (أحيي، هنا، شجاعة فيصل المقداد في الدفاع عن كرامة سوريا) بينما أحسن وزير الخارجية وليد المعلّم، بتلخيص مرسي كله بكونه يتحدث «كرئيس حزب، لا كرئيس دولة».
بالفعل، مرسي مجرد إخواني حاقد. وهو، ككل الرجعيين، يمقت النظام السوري، لا بسبب «الديموقراطية» وسوى ذلك من الشعارات الجوفاء، بل بسبب كونه آخر معقل لحركة التحرر الوطني العربية، ويمقت سوريا ــ التي يدعي التضامن مع شعبها ــ لأنّها معقل العلمانية والمدنية في العالم العربي. وهو يتضامن، في الحقيقة، مع «طلاب الحرية»، حرية القتل المذهبي والطائفي، من جحافل الإرهابيين الوهابيين (إخواناً وسلفيين) الذين يريدون تدمير البلد وتحطيم نسيجه الاجتماعي الوطني ونمط حياته، وتذبيح وتهجير أبنائه مدفوعين بغرائز الكراهية المموّلة خليجياً وأميركياً.
ومرسي، كأي إخواني، هو مجرد انتهازي، أراد، بإعلانه العداء للنظام السوري، من طهران، أن يبعث برسالة لحلفائه الإمبرياليين والخليجيين، مفادها أنّ العلاقة مع الإيرانيين لا تمسّ التزاماته نحو واشنطن والرياض والدوحة.
بصم مرسي، بأصابع يديه وقدميه معاً، على التحالف السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة وتجديد الولاء لمعاهدة كامب ديفيد، ليس فقط من خلال الالتزام بها، وإنما، أيضاً، بمواصلة حصار غزة، وهدم أنفاقها المبتكرة لكسر ذلك الحصار، وتجييش حملة لتأمين سيناء لصالح أمن إسرائيل. ومع ذلك، فهو يتجرأ على النظام السوري الذي، رغم كل شيء، لم يركع لمعاهدة صلح مع تل أبيب، وواصل، باستمرار، النضال ضدها في كل مجال متاح، في الثقافة والدبلوماسية والمقاومة.
ويأتي مرسي، أصلاً، على خلفية توافق كامل مع سياسات مبارك الاقتصادية المنحازة للبزنس والاستثمار الأجنبي والخصخصة، بل ومع شروط صندوق النقد الدولي التي تقونن تلك السياسات في اتفاقية دولية. وهو خالي الوفاض تماماً من أي حل جدي لمشاكل مصر الغارقة في المديونية والبطالة والفقر المدقع وجبال القمامة وانهيار البنى التحتية، سوى النصيحة والإحسان. ومع ذلك، فهو يريد اسقاط سوريا المستقلة والمتحررة من المديونية والمنتجة والقادرة»، رغم وقوعها الجزئي في براثن النيوليبرالية، أن تؤمن، لأغلبية شعبها، مستوى حياة أفضل، مهما كان متواضعاً، من مستوى حياة أغلبية المصريين.
وسوريا، رغم أنها أقامت علاقات انتهازية مع الرجعية السعودية ــ نرجو أن تكون قد انتهت إلى الأبد ــ ظلت وفية للمشروع العربي، ولكرامتها المشرقية، ولم يهرول رئيسها إلى الرياض، ليخشع أمام ملكها، عارضاً عليه، كما فعل مرسي، خدمة «المشروع السعودي».
تمنيت لو أنّ مسؤولاً سورياً ردّ على مرسي الذي حيّا كفاح الشعبين الفلسطيني والسوري من أجل الحرية، بسؤال بسيط: لماذا لم تقترح، بشأن إسرائيل، ما تقترحه بشأن النظام السوري، أي المواجهة والإسقاط، بل اكتفيت بمعاتبتها عتباً حيياً على اجراءات الاحتلال دون أن تطالب بزواله؟
منطق «الإخوان المسلمين» متهافت ولا يحتاج إلى أكثر من قبضة شجاعة تسدّد إلى مفاصله: لقد تولوا مصر وفق صفقة استدامة أساسيات نظام حسني مبارك من دون شخوصه. إنّهم خدم الإمبريالية الجدد لا غير. ولا يراهنن أحد على «اعتدالهم» الديني أو الطائفي أو المذهبي. ذلك أنّهم عاجزون، موضوعياً، عن التحرر من المؤثرات الوهابية أو الابتعاد عن مواقع السلفية أو التحوّل إلى قوة ديموقراطية. لماذا؟
أولاً، بسبب ارتباطهم التقليدي والسياسي والتمويلي بالسعودية وقطر والخليج،
ثانياً، بسبب اضطرارهم إلى التنافس مع السلفية على جمهور «الصحوة الإسلامية». وهو تنافس لا يفوز به المعتدلون بل المتشددون والأكثر تشدداً،
ثالثاً، بسبب التزامهم العضوي بالنيوليبرالية والكمبرادورية. وهو التزام يقود إلى فشل حتمي في المجال التنموي، ويفرض الانحياز لرجال الأعمال ضد الفقراء والمهمشين الذين لا يبقى، أمام الإخوان، لإدامة الهيمنة على وعيهم سوى حشوه بالتشدد الديني والطائفية والمذهبية.
في التجربة السورية الحاضرة، لا نجد أي فارق يذكر بين «الإخوان» وبين الفصائل السلفية والتكفيرية وجماعات «القاعدة». فالجميع في خندق واحد. «الإخوان» يمتشقون السلاح ويرفضون الحلول السلمية وينسقون مع أجهزة الاستخبارات الإقليمية والغربية المعادية لبلدهم. وفي الممارسة على الأرض، لا نستطيع التمييز بينهم وبين أعتى مجرمي «القاعدة»، سواء في تدمير الموجودات الوطنية أو في الذبح على الهوية الطائفية والمذهبية، ويزيدون على هؤلاء بالاستعداد للتفاهم مع إسرائيل.
هذا هو نموذج «الصحوة الإسلامية» الذي يهلل له الإيرانيون بخليط من الدوافع. فالنظام الإيراني هو، في الأخير، نظام يستند، كلياً، إلى مشروع الإسلام السياسي في طبعته الشيعية. ورغم الخلاف المذهبي الحادّ بينهما، فإنّ أساسيات الإسلام السياسي لدى السنّة والشيعة هي نفسها. وهي تعبر عن النزعات الثيوقراطية، أي إخضاع السياسة، الدولة والمجتمع والإنسان، لسيطرة رجال الدين أو لمزيد من الدقة لسيطرة حزب يستمد شرعيته من ادعائه تمثيل الدين الصحيح. وإذا كان الدفاع عن مصالح الدولة القومية الإيرانية في تحقيق النمو الداخلي والتوسع الإقليمي، قد وضع النظام الإسلامي الإيراني في سياق التعارض مع الولايات المتحدة، فعلينا أن نتذكّر أن ذلك السياق ظل دائماً مرناً، وانطوى على تفاهمات، بل وعلى تواطؤ صريح ضد عراق صدام حسين، الذي لعب الإسلام السياسي الشيعي ضده، اللعبة نفسها التي يلعبها الإسلام السياسي السني، اليوم، ضد سوريا بشار الأسد. وفي الحالتين، لا يمكن القول إنّه ليس هنالك مبررات محلية لمعارضة النظامين، لكن الحرب على العراق، كما هي الحرب اليوم على سوريا، قامتا في خدمة الإمبريالية الأميركية والرجعية الخليجية وإسرائيل.
هل يمكن أن تغدو مصر الإخوانية نسخة سنية من إيران الخمينية؟ كلا.
أولاً، لأنّ الثورة الإيرانية نشبت، بالأساس، ضد السيطرة الإمبريالية الأميركية على إيران، وليس في ظلها، كما هي الحال بالنسبة إلى الثورة المصرية. وبينما هدمت الأولى النظام القديم كله، لم تفعل الثانية سوى تجديد النظام السابق المهترئ.
ثانياً، لأنّ نخب الإسلام السياسي الإيرانية التي قطفت نتائج ثورة شعبية عامة، تشكلت، كمشروع سياسي، في ظل مشروع قومي شغّال بالفعل، وله طموحاته وآلياته في مجالات النمو والدفاع والتوسع الإقليمي. وكانت الثورة الإيرانية، في أحد أوجهها الأساسية، تعبيراً عن ضرورة تفلّت ذلك المشروع من قيود النظام الشاهنشاهي وتبعيته للغرب، في حين أنّ نخب الإسلام السياسي المصرية تجددت وتشكلت كقوة في ظل الساداتية، وازدهرت في ظل غياب المشروع القومي الناصري الذي كان، بالأساس، محل عدائها.
ثالثاً، لأنّ نخب الإسلام السياسي الإيراني، على العكس من نظيرتها المصرية، حافظت خلال الفترة النضالية، وبسبب الخلاف المذهبي، على استقلالها إزاء الرجعية الخليجية، وتمتعت، بسبب فعالية المشروع القومي الإيراني، بتكوين معاد للإمبريالية.
رابعاً، لأنّ النخب الإسلامية الإيرانية عبرت في العمق، وتعبّر عن دولة قومية وحركة قومية، بينما نظيرتها العربية عبرت وتعبر عن نزوع معاد للقومية العربية.
دعونا، إذاً، من أوهام «الصحوة الإسلامية»، ودعونا نسأل: ما الذي تريده طهران من مصر الإخوانية؟ تريد أن تستعيد قدراً من العلاقات مع مصر، يسمح بكسر الحصار العربي السنّي المفروض عليها، ويتلافى إسباغ ثوب مذهبي على حرب إسرائيلية أميركية تستهدفها. في هذه الحدود، فإنّنا نستطيع أن نتفهّم المساعي الإيرانية للتقرّب من مصر الإخوانية. لكنّها سياسة انتهازية، وسوف تمنى بخسارة جسيمة، حين تتم تلك المساعي على حساب سوريا. وهي وصلت، أو تكاد إلى هذه الحدود، حين تسبغ طهران ثوب الشرعية على القوى التي تقاتل الدولة السورية.
ستواصل طهران تقديم الدعم السياسي والمادي لدمشق، بينما هي تقدّم الدعم الأيديولوجي لأعدائها. فالحديث عن «الصحوة الإسلامية» يصب، حتماً، في مصلحة الجماعات الإرهابية المسلحة التي تشن، تحت شعارات إسلامية بالأساس، حرب التحالف الإمبريالي الرجعي الخليجي التركي ضد سوريا. وعلى المستوى السياسي، فإنّ التراجع الانتهازي أمام خطاب الإخواني محمد مرسي المعادي لسوريا، واستمرار العلاقات السرية والعلنية مع «الإخوان المسلمين»، يشكل التفافاً على التحالف مع النظام السوري الذي يخوض، اليوم، الحرب على «الصحوة الإسلامية» بالذات، وعلى المنظمة الأكثر فاعلية داخلها، أعني «الإخوان».
لا مكان لـ«الصحوة الإسلامية» في سوريا موحدة، بل في إمارات طالبانية تقوم على تفكيك البلد الفسيفسائي التركيب. وهو، كذلك، بحيث لا يمكن لحمه إلا بالأيديولوجية العروبية العلمانية المدنية. ولا مكان لـ«الإخوان المسلمين» في مصالحة وطنية في سوريا متحررة، ما دام هؤلاء يمثلون ارتباطاتهم الغربية والخليجية بأكثر مما يمثلون الارتباط بفئات محلية، وما داموا قد اصطفوا، جنباً إلى جنب، مع السلفيين الجهاديين و«القاعدة»، في الحرب على الدولة السورية وبُناها التحتية ومؤسساتها وتركيبتها الاجتماعية وجيشها الوطني، وما داموا يشكلون، بالأساس، منظمة طائفية ومذهبية، ولا يمكنها أن تكون، في ظروف سوريا، خارج هذا التوصيف المعبر عن بنيتها الفكرية والتنظيمية.
لنجاة الدولة السورية ومجتمعها ووحدتها واستقلالها ودورها في مقاومة إسرائيل، لا بد، أولاً، من هزيمة «الصحوة الإسلامية» التي تتغنّى بها طهران، أي لا بد، بالملموس، من هزيمة «الإخوان المسلمين» الذين يواصل «الحليف الإيراني» علاقاته معهم، ويأمل بتطويرها. وهي لن تتطوّر إلا إذا أدار ظهره للتحالف مع دمشق.
البرنامج الوحيد القابل للحياة في سوريا هو البرنامج الوطني الاجتماعي القائم على الآتي:
ـ الأيديولوجية العروبية العلمانية التقدمية، بوصفها المضمون الموحّد للوطنية السورية، والإطار اللاحم للدولة والمجتمع في فضاء وحدة المشرق التي تشكّل الضمانة الاستراتيجية للوحدة الداخلية لكياناته الخمسة، سوريا ولبنان والعراق والأردن وفلسطين.
ـ التنمية الشاملة المتعاضدة داخلياً، والقائمة على نبذ النيوليبرالية وبسط سيطرة الدولة على القطاعات الاقتصادية الأساسية، وتأمين التراكم الاستثماري الوطني والتشغيل وزيادة الانتاجية للمؤسسات والقوى العاملة.
ـ الديموقراطية الاجتماعية القائمة على آليات مقوننة لإعادة توزيع الثروة وتمكين الفئات الشعبية من المشاركة في التنمية وفي مردودها، والحصول على نطاق شامل من الخدمات العامة العالية المستوى ومنخفضة الكلفة في مجالات السكن والنقل والاتصالات والطاقة والمياه والتموين، والمجانية في مجالات الصحة والطبابة والتعليم والثقافة... إلخ.
ـ الحياة المدنية المتحررة من كل قيد أو إرهاب، والحقوق المقوننة لحرية العقيدة والفكر والثقافة والفن، وحرية الرجال والنساء في اختيار نمط الحياة الشخصي.
ـ محورية الجيش القومي والاستراتيجية الدفاعية والمقاومة بالنسبة للدولة والمجتمع معاً.
ـ الحريات السياسية في ظل الثوابت أعلاه.
ويتعارض هذا البرنامج، بوضوح، مع اتجاهات الإسلام السياسي المحكوم بأن يكون، بحكم الفسيفساء السورية، طائفياً ومذهبياً، والمحكوم بسبب تكوينه الفكري والاجتماعي، إلى أن يكون نيوليبرالياً ومعادياً للحريات المدنية والسياسية، وبحكم صلاته الغربية والخليجية، ميالاً للتفريط بالاستقلال الوطني وبالاستراتيجية الدفاعية والمقاومة.
ولا يظهر الاختلاف مع «الحليف الإيراني» بأكثر مما يظهر من الموقف من «حماس» التي لا تزال تحظى بدعم متباه من طهران، بصفتها حركة مقاومة. من وجهة نظر التحرر الوطني وسوريا، لم تعد حماس تملك تلك الصفة، بل إنّها، على العكس، تحوّلت جزءاً من صفقة التفاهم الكبرى بين الأميركيين والخليجيين والإخوان المسلمين.
تقيم حماس في غزة إمارة نصف طالبانية، وتقمع الحريات السياسية والمدنية والشخصية، ويعشش فيها المليونيرات. وهي أثبتت، إلى ذلك كله، نموذجها الحازم في منع أي صدام مقاوم مع إسرائيل في إطار هدنة طويلة قد تستمر إلى ما لا نهاية. وقد يتم تبرير ذلك المنع بضرورة واقعية؛ لكن باسم ماذا، إذاً، تتولى حماس الحكم الدائم وتعزل غزة وتقسم الجسم الفلسطيني؟
حركة حماس في غزة والضفة والخارج، كانت تشكّل، قبل ان يسمى الربيع العربي، حالة اعتراض فلسطينية على المشروع السياسي لحلف الاعتدال العربي. وكانت هذه ميزتها الأساسية التي تمنحها صفة مقاومة. لكن، بخروج قيادة «حماس» من دمشق، وانضوائها التام تحت الراية القَطرية التي تمثّل، اليوم، رأس الحَرْبة الأميركية الإسرائيلية لمشروع أسلمة الشرق الأوسط الجديد، تكون حماس قد خرجت من خط المقاومة كله. أم أنّ الحمساويين يحملون معهم جينات المقاومة، اينما حلّوا حتى في أحضان العدوّ؟
لم تغادر حماس سوريا بسبب صعوبات أمنية أو لوجستية الخ، بل هي غادرت الموقع السياسي السوري، وتحوّلت إلى جزء من الحملة الوهابية المضادة، مبرهنةً على أولوية ارتباطاتها الخليجية على اهتمامها الفلسطيني.
المقاومة ليست بندقية وشعارات، بل هي انتماء لخط سياسي استراتيجي. وبالقفز من هذا الخط السياسي الاستراتيجي تغدو البندقية، سلاحاً شرطياً أو ميليشياوياً، وتغدو الشعارات مجوّفة بلا معنى. وخط المقاومة في فلسطين ولبنان، ارتكز و يرتكز، واقعياً، على دمشق المطلوب اليوم رأسها لهذا السبب بالذات. ومن المفارقة أنّ حماس هي من بين أشدّ المتحمسين لقطع هذا الرأس.
تأمل حماس بتسوية وضع غزة من خلال «الإخوان» في مصر. وهي ستكتشف، إذا لم تكن قد اكتشفت فعلاً، أنّ رئاسة مرسي لن تخفض، بل ستزيد الأثقال التي ترهق القطاع المحاصر. لكن المشروع الحمساوي الأساسي يستهدف «كونفدرالية إخوانية» بين الأردن وقسم من الضفة الغربية (لأنّ القسم الآخر سيضم الى إسرائيل) وهو لا يعدو كونه مشروعاً فرعياً من المشروع الأميركي الكبير لـ«أخونة الشرق الأوسط» حول المحور العثماني. هذا المشروع الذي يضع حماس في موقع معاد لمصالح الشعبين الفلسطيني والأردني هو السمكة الكبيرة التي ترجو حماس اصطيادها لدى سقوط القلعة السورية، وانفتاح الإقليم على الترتيبات الأميركية الجديدة.
ما معنى أن تواصل طهران دعم حماس المرتدّة؟ إنها رسالة في بريد الإخوان المسلمين، وتالياً في بريد الخليج والولايات المتحدة. فالإيراني ليس ساذجاً لكي لا يدرك أنّ حماس قد انتقلت إلى موقع سياسي جديد، ولكنّه يبحث، بنظرة براغماتية، عن مخارج دنيوية لأزمة الانشقاق الشيعي السني، وإنْ تكن تلك النظرة متماهية مع عقلية تستند إلى المعيارية الدينية التي أظهر السيد حسن نصر الله رفضه لها، مؤكداً بالمقابل على معيارية المقاومة.
ليس كل حزب الله هو نصر الله. والحزب، مثل النظام الإيراني، يتواطأ مع حماس بتجاهله الكامل للمخاطر التي تعصف ببلد عربي يواجه خطة سوداء لشطبه لحساب إسرائيل، في وطن بديل أصبح له اليوم ثوب إسلامي. وتشكل حماس وإخوان الأردن الحمساويون، محوره ورأس حربته.
لن يكسب الإيرانيون شيئاً من الرقص مع الذيل الملتحي للشيطان الأميركي الخليجي، أم أنكم تظنون حقاً أنّ قضيتكم تُحَل أو تهون بالتقارب الشيعي ــ السني؟ كلا. الإمبريالية والرجعية الخليجية والصهيونية تعادي إيران بسبب مشروعها القومي، لا بسبب تشددها الديني ولا لحاها ولا تشيّعها. وأعداء هذا المشروع لن يكفوا إلا بتدميره أو امتلاك الإيرانيين للقدرة على الانضواء غير الملتوي في تحالف القطبية الجديدة الصاعد، حيث التعددية الأيديولوجية الجيوسياسية هي الإطار الوحيد الممكن لعضويته. وفي هذه التعددية... المشرق عروبي وعلماني وتقدمي. واضح؟

هل الحراك الأردني شوفيني حقاً؟




تحت عنوان «حماس في الهلال الأميركي»، كتب جوزيف مسعد في «الأخبار» (22 آب 2012) مقالاً لا يمكن المرء إلا أن يؤيد خطه العام. ومما يسرني بالفعل، أنّ مسعد لا يتبع الليبراليين ويسير في الخط الوطني التحرري في ما يتصل بالمسائل المطروحة اليوم على الساحة العربية والفلسطينية. غير أنّني أدهش من إصراره على قراءة المشهد الأردني من وجهة نظر الخصوم السياسيين الذين يساجلهم برؤية نقدية ثاقبة وصحيحة، في كل مكان، ما عدا الأردن، حيث يتبنى جملة من الادعاءات التي يؤلفها التحالف الليبرالي الإخواني، وينشرها، وينسج منها أطروحة التأسيس للوطن البديل.
أولاً، لكي يكون البحث في مسألة الأردنيين الفلسطينيين نزيهاً وغير ملتبس، ينبغي التمييز بين هؤلاء الذين يشكلون نحو 40 بالمائة من إجمالي المواطنين الأردنيين، والجالية الفلسطينية التي تقيم في البلاد، ويربو عديدها على المليون من مواطني السلطة الفلسطينية المتمتعين بحق الإقامة القانونية في الضفة الغربية، الذين وفدوا إلى الأردن بعد قرار فك الارتباط في 1988، وليسوا لاجئين ولا نازحين. وقد وفد هؤلاء للدراسة أو الاستثمار أو العمل... إلخ. وتُمارَس، منذ وقت، ضغوط أميركية وإخوانية وليبرالية، لمنح هؤلاء المقيمين الجنسية الأردنية. وقد أثمرت تلك الضغوط المرتبطة بمؤسسة الفساد والرشى، تجنيس نحو المائة ألف منهم، بقرارات إدارية. وهذا هو ما يرفضه الوطنيون الأردنيون ويطالبون بوقفه من خلال قوننة قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، بما يضع حداً للهجرة الطوعية من فلسطين نحو الأردن. والقسم الثاني من الجالية الفلسطينية يتمثل في نازحي غزة. ولا يترتب لهؤلاء حقوق سياسية في الأردن أصلاً، لأنّ قطاع غزة لم يكن جزءاً من الدولة الاتحادية السابقة.
ثانياً، يستعير مسعد من الشائعات الدارجة حول الأردن أنّ أغلبية الأردنيين من أصول فلسطينية، نأوا بأنفسهم عن المشاركة في الحراك الشعبي الشرق أردني، بسبب «الرعب»، ليس فقط «من جانب التمييز الحكومي الجاري والممأسس ضدهم»، بل أيضاً من جانب «الوطنيين الشرق أردنيين من اليمين واليسار على حد سواء». ويتابع: «حتى العديد من العناصر الثورية التي تقود الحراك الشعبي، يرون نضالهم المشروع من أجل الديموقراطية وضد دكتاتورية النظام وشوفينيتهم المعادية للفلسطينيين، على أنها المعركة نفسها».
في واقع الحال، هذه شائعات فعلاً؛ إذ لا يوجد أي تمييز ضد الأردنيين ــ الفلسطينيين، لا حكومياً ولا شعبياً، ولا يوجد شيء اسمه سحب جنسية من أردني مهما كان أصله، بل لا توجد جهة لها مثل هذه الصلاحية بموجب أحكام الدستور والقانون. أما ما يثار عن سحب الجنسيات ــ وهي حالات محدودة ــ فيتصل بفلسطينيين، لا أردنيين من أصل فلسطيني ــ حصلوا على الجنسية بقرار إداري، وفق تعليمات فك الارتباط مع الضفة الغربية في 1988، بشرط واضح هو عدم التخلي عن حق الإقامة في الضفة الغربية أو القدس. لذلك، إن مَن لا يجدد تصريح العودة أو الهوية المقدسية، يتعرض لعقوبة هي وقف جنسيته الأردنية. ومن الواضح أنّ هدف هذا الإجراء إجبار المعنيين على إدامة صلاتهم مع الضفة والقدس وحقوقهم فيها.
أما في ما يتصل بمواقف الوطنيين والثوريين الشرق أردنيين، فإنّ اتهام أمثال هؤلاء بالشوفينية، هو افتئات على مناضلين، وتشويه، بلا دليل، لحركة وطنية اجتماعية تلتزم، في خطها العام، مبادئ حركة التحرر الوطني، سواء لجهة عدائها المتجذر للإمبريالية الأميركية وإسرائيل، أو لجهة مطالبتها باستعادة القطاع العام وإقامة الديموقراطية الاجتماعية، أو لجهة نضالها ضد التدخل في سوريا.
الأردنيون الفلسطينيون ليسوا مرعوبين أبداً. ويمكن أي باحث نزيه أن يلاحظ الفارق النوعي في تعامل السلطات الخشن جداً مع مواطني المحافظات الشرق أردنيين، وتعاملها الناعم ــ والسياحي ــ مع مواطني عمّان حيث الكثافة السكانية للأردنيين ــ الفلسطينيين. وهذا التمييز ليس إثنياً بالطبع. إنّه تمييز اجتماعي ضد المفقَرين والمهمشين والعُصاة.
اتجاه الأردنيين ــ الفلسطينيين إلى عدم المشاركة في الحراك الشعبي الأردني، له أسباب عديدة أبرزها سببان: (1) أنّ ذلك الحراك له حوافز وغايات اقتصادية اجتماعية بالدرجة الأولى، لا تهمّ أغلبية الأردنيين الفلسطينيين الذين تحوز الفئات البورجوازية والبورجوازية الصغيرة منهم 65 بالمئة من ثروات البلاد، بينما تتكفل فرص العمل الثانوية في العاصمة وحوالات المغتربين في الخليج بتوفير هامش مرن للمناورة الاجتماعية في صفوف جماهيرهم. (2) أنّ قسماً رئيسياً من النشطاء الوطنيين من الأردنيين الفلسطينيين، ينطلق من أولوية الشأن الفلسطيني. ولذلك، فعندما تكون هناك فعاليات متصلة بأي شأن فلسطيني، بما في ذلك التظاهرات والاعتصامات، فإننا نلاحظ اختفاء «الرعب» الذي يتحدث عنه مسعد، والذي يمنع الأردنيين الفلسطينيين من المشاركة. بالعكس، تراهم يشاركون بكثافة.
ثالثاً، يزعم مسعد أنّ القيادات الأردنية من المحافظين والتقدميين، من اليمين واليسار، من الملكيين والثوريين، يتفقون على شيء واحد، هو الموقف الشوفيني ضد الأردنيين الفلسطينيين، بل إنّ مسعد يضيف أن هدف الحراك الأردني الرئيسي هو الاستيلاء على السلطة ومن ثم طرد الفلسطينيين من البلاد أو تهميشهم.
إذا كان ذلك الادعاء صحيحاً، فهو يطرح سؤالاً: ما السر الجيني الخطير وراء هذا الإجماع المستحيل الذي يخترق الصراع الاجتماعي والسياسي ليتدفق في نهر الشوفينية ضد الفلسطيني؟ ولكنّه، في الحقيقة، ادعاء زائف تماماً، بل إن احتدام الصراع داخل الفضاء السياسي الشرق اردني، حوّل الأردنيين الفلسطينيين إلى بيضة القبان المطلوب ودّها من طرفي الصراع اللذين أدركا استحالة الحسم من دون استمالة أولئك المحايدين حتى الآن إلى جانبه.
يستعين النظام، كما يذكر مسعد، بفتح وحماس معاً لاستمالة الأردنيين الفلسطينيين إلى جانبه، وبالمقابل، يبذل قادة الحركات الوطنية الاجتماعية الشرق أردنية، جهوداً مضنية لاستمالة مواطنيهم من الأصول الفلسطينية ودمجهم في الحركة الشعبية، لكن القوى التي تكسب الرهان، اليوم، في المخيمات هي قوى الإسلام السياسي المتعدية للحدود (السلفية الجهادية، السلفية الوهابية، والإخوان المسلمون المتشددون) وخصوصاً بالعلاقة مع الصراع الدائر في سوريا. والسؤال الجدي المطروح اليوم على الباحثين يتمحور حول دواعي الشعبية التي يحظى بها التمرد السوري في المخيمات؟
رابعاً، تحظى النخب الفلسطينية ــ الأردنية بحصة وازنة في مجمل النظم المسيطرة في البلاد. وهي تتلقى، بالفعل، دعماً مفتوحاً من القصر الذي سعى على مدار العقد المنصرم إلى تبديل قاعدته الاجتماعية، ليس بسبب السخافات المتعلقة بدور زوجة الملك الفلسطينية الأصل، ولا بسبب عواطف الملك نفسه، بل بسبب التحوّلات النيوليبرالية التي هدمت القطاع العام الاقتصادي وبدلت موقع الثقل في الاقتصاد الأردني نحو القطاع الخاص، حيث تسيطر النخب الفلسطينية الأصل.
لكن ظلت هنالك مؤسستان لم تحظ تلك النخب فيهما بمواقع وازنة، هما الجيش والبرلمان. بالنسبة إلى الجيش، فإنّ التراتبية المؤسسية العسكرية الصارمة تتحكم بالصعود القيادي للعسكريين كما هو معروف، ما يجعل من المستحيل تجاوز الأنظمة لتعيين جنرالات من أصول فلسطينية، بينما كانت غالبية الأردنيين الفلسطينيين، ولا تزال، تعفّ عن العسكرية بالنظر إلى الفرص المفتوحة في القطاع الخاص والخليج، بينما تكاد تكون العسكرية، المسار الوحيد المفتوح أمام أبناء العشائر المفقَرين.
ولتلافي هذه العقدة، تفكر أوساط مقربة من القصر بدمج جيش التحرير الفلسطيني في الجيش العربي الأردني، بما يضمن حصصاً قيادية للأردنيين الفلسطينيين من دون الإخلال بالتراتبية العسكرية.
حصة الأردنيين الفلسطينيين الممكنة في البرلمان تدور حول 25 بالمئة، وغالباً ما لا يستفيدون منها بالكامل بسبب امتناعهم التقليدي عن المشاركة في العملية الانتخابية. لكن من الواضح أنّ نسبة التمثيل المتاحة هي أقل من نسبة المواطنين من أصول فلسطينية، التي تدور حول 40 بالمئة من إجمالي المواطنين. وهناك أسباب موضوعية تكمن وراء ذلك، أهمها الكوتات الجغرافية والمسيحية والبدوية والشركسية التي تعود إلى ما قبل 1948، ويستحيل المساس بها واقعياً.
ومن خلال نظرة محايدة، يمكن القول إنّ النسبة المتاحة لتمثيل الأردنيين الفلسطينيين قد تطوّرت خلال العقدين الأخيرين بصورة مؤثرة في سياق النهج الحكومي للتوطين السياسي. غير أنّ القوى والتيارات الإسلامية والليبرالية ليست راضية عن ذلك التطور. وهي تريد الإفادة من الضغوط الغربية لتحقيق مطلبين هما:
ــ تجنيس المقيمين الفلسطينيين بما يرفع نسبة المكون الفلسطيني من الشعب الأردني إلى 55 بالمئة،
ــ إقرار نظام انتخابي على أساس الكثافة السكانية،
ــ نقل السلطات والصلاحيات إلى حكومة برلمانية تمثل «الأغلبية الفلسطينية».
وتمثل هذه المطالب مجتمعة، كما هو واضح، انتقالاً «ديموقراطياً» إلى الوطن البديل.
الوطنيون الأردنيون، بالمقابل:
ــ يسعون، بوسائل نضالية، برلمانية وغير برلمانية، إلى إسقاط الطبقة الكمبرادورية ونهج الخصخصة، وتفكيك مؤسسة الفساد، واستعادة القطاع العام الاقتصادي والخدمي،
ــ يرفضون تجنيس المقيمين، ويدعون إلى قانون جديد للجنسية يوحّد معايير المواطنة، على أساس تاريخ مرجعي واحد هو تاريخ فك الارتباط بين الضفتين في 31 تموز 1988،
ــ يؤيدون نظاماً انتخابياً على أسس سكانية وجغرافية واجتماعية وتنموية في آن واحد،
ــ ويعملون من أجل انتقال السلطات إلى حكومة وطنية ديموقراطية،
ــ ويناضلون من أجل إقرار سياسة دفاعية تحقق التوازن مع العدو الإسرائيلي، وتسمح للأردن بتحرير إرادته من معاهدة وادي عربة والتزاماتها، والعمل على تحرير الأراضي الأردنية المحتلة، وتوفير الدعم الفعال للمقاومة الفلسطينية.