نشبت حروب في العديد من البلدان خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة، كان قاسمها المشترك أنها أدّت إلى تفتيت الدول الوطنية التي استُهدِفت بها. جهد باحثون كثيرون لفهم طبيعة تلك الحروب، وأطلقت عليها الباحثة ماري كالدور صفة «الجديدة» (كالدور، 1999). يصح هذا التوصيف في رسم صورة ما يجري في سوريا في الوقت الراهن.
1. الحروب «الجديدة»
أ - الهوية وسيلة لبلوغ السلطة


تُستخدم الهوية في «الحروب الجديدة» وسيلة من قبل المقاولين السياسيين للوصول إلى السلطة (identity politics). المقصود بالهوية هنا وفق تعريف كالدور وكومار لها، مشترك تصح في تعريفه أكثر كلمة «الثقافة» (culture) (المصدر نفسه: 77). ينتمي من يحملون هوية مشتركة إلى ثقافة معينة، وليسوا بالضرورة من أصول عرقية واحدة. وقد يكون القاسم المشترك، إثنياً أو دينياً أو مذهبياً أو لغوياً، أو أي شيء آخر يستطيع السياسيون استثماره.
الأهم هو أنّ استخدام الهوية للتعبئة السياسية بغية الوصول إلى السلطة يقوم على تجميع الناس تحت لافتات (labels) تتيح فرزهم بعضهم عن بعض. لا تكون السياسة على قاعدة الهوية معنية باكتساب «قلوب وعقول» الناس، بل تتعاطى مع من تصنّفه كمختلف بالتخلّص منه، من خلال القتل، أو الفرز السكاني والتهجير والتطهير. وهي سياسة إقصائية. تتناقض السياسة المبنية على الهوية في هذا مع أشكال التعبئة السابقة، التي كانت تقوم على قاعدة تبنّي أفكار بعينها (politics of ideas)، من مثل الإشتراكية أو الحرية الاقتصادية، أو النضال من أجل البيئة، إلخ. في حالة التعبئة القائمة على أفكار، تتم استمالة الناس من خلال كسب «قلوبهم وعقولهم»، ويعنيها الوصول إلى أكبر عدد منهم وتوحيدهم (المصدر نفسه: 7).
وفي البلدان الغربية المتطورة، استندت التعبئة السياسية إلى أفكار تقدمية تناولت بناء الدولة وتوفير تقديمات سياسية إيجابية للمواطنين، وارتكزت على مبدأ عمومية الحقوق الموفّرة لهم. وقد أتاحت التعبئة على أساس أفكار إرساء الدول الغربية على القيم المدنية (civic). وتصدّت هذه الدول بواسطة القيم المدنية لأشكال التصنيف والتمييز على أساس ديني أو مذهبي أو إثني، إلخ.

ب- حروب تقوم بها قوى «غير نظامية»

الحروب «القديمة» هي التي سادت العالم منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى الحرب العالمية الثانية. وقد ترافقت مع بناء الدولة الحديثة، التي كان أهم شروطها بناء مؤسسات عسكرية توفّر للدولة الاحتكار القانوني لاستخدام القوة. وقد جرت إزالة الجيوش الخاصة المكوّنة من مرتزقة وأصحاب سوابق ومجرمين. كان هؤلاء يمثّلون قوام الجيوش في القرون الوسطى (ميوللر، 2002). وقد وفّرت الجيوش الحديثة التي أقامتها الدول الغربية الأمن والسلامة للمواطنين. كانت الحروب الكلاسيكية المضبوطة بأنظمة وقواعد تتجنّب استهداف المدنيين. وهو ما أثبتته حروب القرن العشرين، إذ كانت الخسائر بنسبة 8 إلى واحد بين العسكريين والمدنيين (كالدور، 1999: 8). وقد تمت بلورة تشريعات وأنظمة ومواثيق حمت هؤلاء وجعلتهم بمنأى عن الحرب، كمعاهدة جنيف في 1948 ولاهاي وهلسنكي في 1975. (كالدور، 2007: 3).
لم يكن احترام الشرائع والمواثيق خاصية تحلّت بها الجيوش النظامية فقط، بل كان احترامها قاعدة في حروب الغوار أو حروب التحرّر الوطني التي قامت على أساس ايديولوجيات وأفكار وبرامج تحرّرية، لعل أشهرها الثورة الصينية بقيادة ماوتسي تونغ، وحرب فيتنام وغيرهما.
ناقضت الحروب «الجديدة» تلك «القديمة»، في طبيعة القوى التي عوّلت عليها لبلوغ غاياتها. لم تعتمد على قوى نظامية تتميّز بالزي الموحّد وتكون مسلكيتها مضبوطة بأنظمة وقواعد. كان أغلب القائمين بها من القوى شبه ــ العسكرية (para-military) التي جسّدتها الميليشيات وتشكيلات المرتزقة. وفي تجربة يوغوسلافيا السابقة، كان المجرمون وأصحاب السوابق يشكلون 80 بالمئة من عديد المنظّمات شبه ــ العسكرية، ويتكوّن الباقي من قوميين ــ إثنيين متطرفين (كالدور، 1999: 53). وأدّى «أمراء الحرب» الدور الرئيسي في حروب أفريقيا.
عملت القوى التي تستخدم التعبئة على قاعدة الهوية على نشر «الخوف والكراهية» للوصول إلى غاياتها. وتصرّفت على نقيض المنخرطين في الحروب «القديمة» لجهة استهدافها المدنيين أولاً. ذلك ما أظهرته حروب التسعينيات من البلقان إلى القوقاز إلى أفريقيا وغيرها، حيث كانت خسائر المدنيين فيها 8 مقابل واحد «للعسكريين» (المصدر نفسه: 100). كان المشترك بين تجربتي يوغوسلافيا السابقة ودول أفريقيا اعتماد القوى المنخرطة فيها «التطهير الإثني» (cleansing) وسيلة حرب رئيسية. لم تكن تلك العمليات آثاراً ثانوية للحرب، بل كانت هدفها. تشبّه الباحثة كالدور عمليات «التطهير» تلك، بوسائل الثورة ــ المضادة (counter ــ insurgency) التي بلورتها الجيوش الغربية واعتمدتها ضد حركات التحرّر الوطني، والتي تقوم على «تجفيف الماء»، أي إفراغ المناطق التي تدعم الثوار من أهلها. وتقول إنّ شناعة الوسائل التي اعتمدها من أداروا الحرب في البوسنة والهرسك مثلاً، أو في أفريقيا، تعود إلى ما كانوا قد تعلموه في الدورات التدريبية التي تابعوها في الولايات المتحدة (المصدر نفسه: 98).
وكانت الحروب «الجديدة» نقيض «القديمة» لجهة أنّها جعلت كل ما كان مداناً يستوجب الملاحقة أمام القضاء، نهجاً وممارسة اعتيادية لديها. وإذا كانت الحروب «القديمة» قد جرّمت التعديات على المدنيين وأعمال القتل والنهب والاغتصاب التي تستهدفهم، فإنّ هذه الامور أصبحت في صلب الحروب «الجديدة». شكلت الحروب «الجديدة» ردّة إلى ما قبل الأنظمة والقواعد والتشريعات والمواثيق التي جرت بلورتها على مدى قرنين، الأمر الذي جعل البعض يراها عودة إلى القرون الوسطى.

ج- حروب أهلية لكنّها دولية في الوقت عينه

انتقدت الباحثة كالدور استخدام تعبير «الحرب الأهلية» لوصف النزاعات على قاعدة الهوية التي كانت تجري داخل الدول المختلفة (intra-state wars) بعد الحرب الباردة. وذلك لأنّ مشاركة الخارج فيها كانت أساسية. وفضّلت استخدام صفة «الدولية» (international war) في تعريفها (كالدور، 2007: 5). وقد بدا طابعها الدولي من خلال: 1) دور الشبكات التي تتخطى الدولة بمفردها، وتضم لاعبين من الخارج ومن الداخل (transnational networks) يتعاونون في خوض الحرب؛ 2) الدور الكبير الذي أدّته دياسبورا هذه البلدان في رفدها بالأفكار والتمويل والمتطوعين (كالدور، 1999: 85)؛ 3) تمويلها من الخارج، الأمر الذي أدى إلى نشوء اقتصادات حرب مرتبطة بالخارج (globalized war economies).
أما الشبكات المتخطية للدولة، فقد جمعت حكومات غربية وحكومات دول إقليمية ومقاولين سياسيين محليين. وأدّت الدياسبورا دوراً رئيسياً في حروب يوغوسلافيا لجهة تمويل المنظمات شبه ــ العسكرية التي تخوض الحرب، ولجهة بلورة مشاريع وأفكار وتصورات لما ينبغي أن يكون عليه مستقبل بلدانها الأصلية. وشكلت الدياسبورا أدوات استخدمتها البلدان الغربية لفرض أجنداتها في النزاعات المحلية. وشكّلت الدياسبورا أيضاً، إطاراً عملت من ضمنه وبتغطية منه عصابات الجريمة المنظّمة (كوستوفيكوفا وبوجيسيك، 2006: 4).
وفي بداية حروب يوغوسلافيا السابقة، شكل تمويل الحكومتين البوسنية والكرواتية للقوى شبه ــ العسكرية في البوسنة والهرسك، المصدر الرئيسي للموارد التي سمحت لتلك القوى بخوض الحرب. وعوّلت القوى نفسها المنخرطة في الحرب على إسهامات الأفراد في الخارج في تمويل أفعالها. وفي حروب أفريقيا الأهلية، تكوّنت اقتصادات حرب، استندت إلى دعم الدول المجاورة للمتحاربين، ودعم البلدان الصناعية للبعض منهم. واستفاد المتحاربون على وجه الخصوص من المساعدات الإنسانية التي وفرتها القوى الدولية، من خلال فرض ضرائب أو «رسوم جمركية» عليها لمصلحتهم. وقد نشأت شبكات مستفيدة من الحرب، جعلت همها إطالة هذه الأخيرة لتأمين استفادتها منها.

2. الحرب في سوريا
أ - حرب المواجهة بين قوى إقصائية والدولة الوطنية


يقوم مفهوم الدولة الوطنية في الأساس على عمومية الحقوق للمواطنين، وعدم تخصيص فئات منهم بحقوق لا ينالها الآخرون. مبدأ عمومية الحقوق ذاك هو الذي قامت عليه الدولة الغربية. وهذا هو المبدأ الذي قامت عليه الدولة السورية، التي لا تعترف بوجود جماعات ما ــ دون ــ وطنية لها حقوق خاصة تتميّز بها. وإذا كانت الممارسة قد أظهرت خروجاً على هذا المبدأ، فهي تعبّر عن شوازٍ يثبت القاعدة.
توفّر الدولة الوطنية شروط قيام جماعة سياسية وطنية (political community) مكوّنة من مواطني هذه الدولة. ولعل العروبة والعداء لإسرائيل يجسدان عنصرين أساسيين مكوّنين للجماعة الوطنية السورية. تهدف الحروب «الجديدة» إلى فرط الجماعة السياسية الوطنية القائمة، وإعادة تشكيلها من جديد، بل قد تكون إعادة التشكيل سبب انفراط الدولة الوطنية نفسها، وتفتُّتها، أو إحلال كيانات جديدة محلها. هذا ما قد يحصل في سوريا.
تقف القوى التي تمارس التعبئة على قاعدة الهوية ضد عمومية الحقوق للمواطنين. يقوم مشروعها في الأساس على تصنيف المواطنين على قاعدة الهوية وعدم المساواة بينهم. وكانت تتم في غالب الأحيان إعادة فرز السكان على قاعدة هويتهم، وصولاً إلى مناطق مطهّرة من وجود الآخر. وقد شهدت مناطق الاختلاط المذهبي في الريف السوري، كما في حمص على وجه الخصوص، أشرس عمليات الفرز السكاني المذهبي.
وإذا كان نشر «الخوف والكراهية» هو الأداة التي تستخدمها القوى المنخرطة في الحروب «الجديدة» لتحقيق أهدافها، فإنّ هذا الأمر لا يتوقف بمجرّد انتهاء الفرز السكاني الذي تبغيه تلك القوى. تثبت التجربة أنّ العودة إلى الحرب وافتعال النزاع على الدوام، هو الوسيلة التي لا تنفك تعود إليها القوى التي وصلت إلى الحكم بالتعبئة على أساس الهوية. تؤدي المشاريع الإقصائية التي تعمل لأجلها القوى المنخرطة في الحروب «الجديدة» إلى قيام أشباه ــ دول صغيرة، تكون في حالة نزاع مستمر مع جيرانها. ويعمد القائمون على تلك الدول إلى استثارة النزاع لتوفير الشرعية لأنفسهم.
وقد أجمع دارسو تجربة التسعينيات على أنّ افتعال النزاع هو استراتيجية تعتمدها النخب التي تتوسّل الهويّة للوصول إلى الحكم أو البقاء فيه (فيرون ولايتن، 2000؛ غانيون، 2004؛ براس، 1991). وقد أعطى الباحث سميث شرعية لسياسات الهوية التي ترمي إلى إنشاء كيانات أو دول على هذا الأساس، باعتبار أنّها توفر تجانساً سكانياً يؤمن الاستقرار. أما ماري كالدور، فدحضت تلك الأفكار استناداً إلى الطبيعة الإقصائية لممتهني التعبئة على قاعدة الهوية، وإلى حاجتهم الدائمة إلى افتعال النزاع لضمان شرعيتهم واستمرارهم في الحكم (كالدور، 1999: 87).

ب- حرب مواجهة بين قوى الثورة المضادة العالمية والعربية مع دولة تنتمي إلى قوى التحرّر الوطني

تشكل سوريا منذ نشوئها ككيان ثقلاً قومياً جعلها في صدام دائم مع الدول الاستعمارية، بدءاً من تجربة الانتداب الفرنسي. هُزِمت في معركة عسكرية وأدت هزيمتها إلى تكريس كيانين منفصلين، لبنان وسوريا. وواجهت بنجاح المشروع الانتدابي الرامي إلى تفتيتها إلى كيانات أربعة. وتم إعدام أول رئيس وزراء انقلابي فيها بعد التأكد من حصوله على أموال أجنبية بهدف نزع سيادتها وتكريس التحاقها بالمعسكر الغربي. وانضمّت إلى أحد معسكري الحرب الباردة لرد الأذى عنها والحفاظ على مقدرتها على أن تبقى مستقلّة في قرارها في موضوع الصراع مع إسرائيل. وطغت مسألة الصراع مع إسرائيل على خياراتها إلى درجة تعريفها من الأكاديميين الغربيين بأنّها «دولة أمن وطني» (national security state). وسمَت تلك الأولوية سياساتها وجعلتها تضع في مرتبة أدنى أدواراً جوهرية ينبغي أن تتنكّب الدولة لها.
مارست الدولة السورية على مدى عقود ما سمّاه الكاتب ناهض حتر، الحرب «خارج الأسوار» (حتر، 2012)، بالتعويل على قوى مساعِدة واعتماد سياسة براغماتية تجاه القوى الغربية التي تخاف أذاها. كان الصديق يدفع أثمان تلك البراغماتية أكثر من العدو. اعتمدت الدولة السورية تلك البراغماتية على مدى عقود، لكنها بقيت دولة تدخّلية. كان من شأن تدخلها، ولو أنّه ليس من النوع الأفضل، جعل سوريا دولة من 23 مليون مواطن يحسب حسابها. ومع استمرار نموها الديموغرافي، كان يتزايد استهدافها من إسرائيل وأميركا وتتزايد الرغبة في فرطها وتفتيتها. يقول المؤرخ صالح عبد الجواد إنّ هذا ما استخلصه الإسرائيليون من دراستهم المكثفة للتجربة الصليبية (عبد الجواد، 2012).
حفِل العقد الأول من الألفية الجديدة بأحداث عدّة، كان أولها دحر العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، ودفعه إلى الانسحاب. ثم جاء العدوان المجرم على العراق في 2003 تكملة لعملية استهدافه منذ 1980. عوقبت سوريا على دورها في مواجهة العدوان بإخراجها من لبنان. وفي 2006 تحقّق نصر جديد يصعب تصديقه، في اندحار العدو مجدّداً في حرب تموز. يستفيد من ذلك النصر الكلُّ بمن فيهم الأفّاكون، في حماية أماكن عيشهم واستثماراتهم والبنى التحتية والمرافق العامة، ويمنع الإسرائيليين من إعادة لبنان إلى العصر الحجري كما يقولون. انتظر الناس الذكرى السادسة لحرب تموز ليعرفوا مدى انخراط سوريا ــ الدولة في المقاومة ضد إسرائيل. وعرَف الناس أنّ ثمة تصنيعاً عسكرياً نشأ في سوريا. هذا المجمّع الصناعي ــ العسكري الناشئ هو ما يستهدفه الإسرائيليون. أي إنّ العقد الأول من الألفية الجديدة، شهد نشوء قيادة جديدة لحركة التحرّر الوطني العربية، نأت في سوريا عن البراغماتية السابقة وأصبحت أكثر وضوحاً والتزاماً في خيارها المقاوِم. هذا ما يستهدفه الإسرائيليون والأميركيون.
أشارت القراءة الاقتصادية للأحداث إلى دمار الزراعة وانسحاب الدولة من الدعم لها كسبب مباشر في انفلات الأمور على النحو الذي حصل. وقد أُلغي خلال فترة شهدت توالي سنوات الجفاف، نزولاً عند اقتراحات صندوق النقد الدولي، الدعم عن «الطاقة والمازوت خاصة، والأسمدة الكيماوية والمبيدات، من دون أن تتوافر للمنتجين إمكانية التمويل أو الاقتراض السهل...» (مرزوق، 2011). وأُشير أيضاً، إلى أنّ رفع الدّعم عن بعض المدخَلات الأساسية والسلع الوسيطة كما الاستهلاكية، أدى دوراً مباشراً في توسيع الهوة بين الشعب والنظام، وأنّ ذلك لم يكن عفوياً، بل جرى «إعداداً للأرضية لما يحدث اليوم» (شلهوب، 2011). يتقاطع ذلك مع ما كان يعرفه المتابعون عن مسؤولية مستشاري رئاسة الوزراء السابقين، المحاطين هم أنفسهم بخبراء أجانب، في الدفع إلى اتخاذ تلك الإجراءات، بل يمكن القول إنّ رفع الدعم كان نتيجة عمل استخباريّ دولي ناجح.
وقد أوردت الصحف أخباراً عديدة عن تدخل الدول الغربية في الحرب ضد سوريا، أغلبه حتى الآن على الصعيد الاستخباري. وآخر الأخبار أنّ الاستخبارات الألمانية تراقب حركة الجيش السوري اليومية من البحر، وذلك حتى عمق 600 كلم داخل البلاد، وتوفرها للمعارضة عبر الأميركيين والبريطانيين (الأخبار، 21/8/2012). ومنذ 1990 ظهر التفوق التكنولوجي الماحق للولايات المتحدة في عدوانها الأول على العراق. كانت الشاشة تُظهِر مواقع الجيش العراقي واستحكاماته بلون مختلف عن لون القوات الغازية، وتتيح إبادة قطعاته بالقصف الجوي بلمح البصر.
ودأبت السعودية على تمويل السياسة الخارجية للولايات المتحدة منذ 1975، مقابل حماية نظام الحكم فيها (برونسون، 2005: 382-383). أما بعد أيلول 2001، فأصبحت أكثر انبطاحاً أمام رغبات أميركا وتالياً إسرائيل. تموّل السعودية وقطر حرباً دولية لفرط الدولة الوطنية في سوريا خدمة لأهداف إسرائيل.
تفرّج المثقفون العرب على تدمير العراق مرة ومثنى وثلاث. كانوا يقبلون تبريرات المسؤولين الغربيين للحرب المفتوحة على بلدانهم كأنّها حقائق لا تحتمل النقاش. هل ينبغي أن يتفرّجوا على عملية تدمير سوريا الجارية أمام أنظارهم كما في السابق؟

المراجع

Brass Paul٬ Ethnicity and Nationalism: Theory and Comparison٬ New Delhi٬ India: Sage Publications٬ 1991.
Bronson Rachel٬ “Understanding US-Saudi Relations” in Gerd Nonneman٬ Paul Aarts (eds.)٬ Saudi Arabia in the balance٬ London٬ Hurst and company٬ 2005٬ pp. 372-398.
Gagnon V.P.٬ The Myth of Ethnic War: Serbia and Croatia in the 1990s٬ Cornell University Press٬ 2004.
Kaldor Mary٬ Human Security: Reflections on Globalization and Intervention٬ N.Y.: Willey٬ 2007.
Kaldor Mary٬ New and Old Wars: organized violence in a global era٬ Stanford CT : Stanford University Press٬ c1999.
Kostovicova D٬ V. Bojicic-Dzelilovic٬ “The Balkans in Globalization’s Throes: Examining the Transnational Quality of the Region’s Problems”٬ in I P Journal٬ 1/4/2006٬ 9 pages.
Laitin David٬ James Fearon٬ “Violence and the Social Construction of Ethnic Identity”٬ International Organization٬ Vol. 54٬ No. 4٬ 2000٬ pp. 845-877.
Mueller John٬ “The Remnants of war: Thugs as Residual Combatants”٬ in American Political Science Association٬ July 29٬ 2002٬ 43 pages.
إيلي شلهوب، «سوريا: دوامة الحوار»، الأخبار، 20/9/2011.
صالح عبد الجواد، «الأزمة السورية: هل نتّعظ من دروس الحروب الصليبية؟»، الأخبار، 20/2/ ٢٠١٢.
ناهض حتر، «سوريا بوصفها دولة المقاومة العربية»، الأخبار، 24/7/ ٢٠١٢.
نبيل مرزوق، «عوامل اقتصادية للانتفاضة السورية»، الأخبار، 17/8/2011
* أستاذ جامعي لبناني