يعاني آل سعود (وتوابعهم في لبنان من صف آل الحريري) مشكلة شيعيّة (وهي تتفاقم بتصاعد وتيرة التحريض المذهبي ضد الشيعة لدى هذا الفريق). والمشكلة لا تتعلّق أبداً بشعبيّة حزب الله وحركة أمل في أوساط الطائفة الشيعيّة في لبنان، أو بما يسمّى وحدانيّة التمثيل (وهي خيار شعبي، وإن كان ينتابني الحنين إلى الستينات والسبعينات عندما توزّع ولاء جماهير الشيعة على أحزاب يساريّة وقوميّة عربيّة علمانيّة متعدّدة). صحيح، هناك أفراد قلائل من الشيعة يعملون ويصدحون في إعلام آل سعود وآل الحريري. وصبحي الطفيلي (أسوأ وجه لحزب الله في حقبته المُخيفة)، ضيف دائم في وسائل إعلام آل سعود، وله حلقة أسبوعيّة (مملّة) في مجلّة «الشراع» (ذات المنسوب العالي من السوقيّة والابتذال حتى بمقاييس إعلام النفط والغاز، وصاحبها ــ الذي تلقّى صفعة مدويّة من إلياس الهراوي ــ تنقّل من الناصريّة إلى القذّافيّة قبل أن يحطّ في حضن أمراء آل سعود). وهناك طبعاً محمد عبد الحميد بيضون الذي يجود بما عنده وهو لا يعير للصدقيّة أي اعتبار: ماذا تقول عن هذا الرجل الذي سجّل أرقاماً قياسيّة في الفساد خلال تجربته الوزاريّة، وهو اليوم يحاضر في محاربة الفساد؟ (ومحمد عبد الحميد بيضون هذا ممنوع شعبيّاً من حضور المآتم والأفراح في منطقة صور بسبب ولائه لآل سعود وآل الحريري). وهناك طبعاً النائب غازي يوسف الذي بات منافساً قويّاً لحسن نصر الله في الساحة الشيعيّة. ويُقال ــ والكلام على ذمة الرواة ــ إن ساحات القرى والمدن في جبل عامل تفرغ من الأهالي عندما يظهر يوسف على شاشة تلفزيونيّة. وهناك من يقول إن نفوذ يوسف يمتدّ إلى القطيف والبحرين وجنوب العراق وبعض نواحي أذربيجان. لكن آل سعود لا يكتفون: يريدون غازي يوسف زائداً واحداً.طبعاً، إن التفتيش عن البديل الشيعي من حزب الله بدأ بعد مقتل رفيق الحريري بقليل. وعملت أجهزت الاستخبارات السعوديّة بالتعاون مع أجهزة آل الحريري على إنشاء تجمّعات وتنظيمات وروابط (على وزن «روابط القرى» التي ينشئها الاحتلال الإسرائيلي أينما حلّ) ودكاكين شيعيّة تهدف إلى تجميع الشيعة المناهضين لحزب الله. وقد أنفق الأمير مقرن (والحكومة الأميركيّة) الملايين من الدولارات في الانتخابات النيابيّة الماضية من أجل دفع حظوظ أحمد الأسعد (وهو يختفي ليظهر مرّة كل أربع سنوات مُصرّاً أن جثّة الإقطاع الشيعي ليست هامدة) لكن الرجل لم ينل أكثر من 1% من أصوات الشيعة في الجنوب اللبناني ــ معقل عائلته (وفق أرقام موسوعة كمال فغالي الانتخابيّة). والصحافي الراحل، نصير الأسعد، «قاد» هو والقائد الملهم، باسم السبع (الذي يحظى بتأييد الشيعة القاطنين في طائرة سعد الحريري الخاصّة) أكثر من محاولة لتأطير شيعة آل سعود. لكن المشاكل ظلّت تعتري المحاولات تلك، وكل أفراد الزمرة يريد ان يكون الزعيم الأوحد للشيعة. آل سعود يطلبون ودّ شيعة يستطيعون ان يطيعوا وألا يعترضوا على الكراهية ضد الشيعة التي يضخّها يوميّاً إعلام آل سعود. أي أن آل سعود يريدون شيعة مستعدّين للمشاركة في احتقار الشيعة وفي ذمّ مقاومة إسرائيل ــ أي مقاومة لإسرائيل من دون استثناء.
لكن يبدو أن محمد حسن الأمين قد حسم أمره أخيراً في مناصرة آل سعود، مما سرّ قلوب الأمراء والشيوخ في محميّات النفط والغاز. وكان الأمين من أوائل الشيعة الذين جمعتهم عائلة الحريري في بوتقة تجمّع مناهض لحزب الله بعد اغتيال الحريري. وبناء عليه، حظي الأمين (متى وكيف حظي بلقب «علّامة» حضرته؟) بتغطية من وسائل آل الحريري وآل سعود، إلى ان حطّ رحاله في برنامج «خليك (مع الحريري) بالبيت» على شاشة الحريري نفسها. ولمّا سأل المُضيف عن رأيه في سلاح المقاومة، تصبّب العرق من جبهته وظهر الزبد على شفتيه، وثار وصاح، وأطلق بحق المُضيف أقذع الشتائم البذيئة تحت الهواء، لكن ورعه لم يتأذّ البتّة. واتهم المُضيف بأنه يستدرجه كي يقول كلاماً ضد المقاومة. يبدو أن الأمين كان يحتاج فقط إلى مزيد من الإقناع السعودي (الفكري، طبعاً). يبدو أيضاً أن الأمين كان حذراً آنذاك من ردود فعل مُبكّرة ضد مواقفه التي تناقضت مع البيئة الشيعيّة المؤيّدة للمقاومة. وابتعد الأمين عن الأضواء لفترة، لكنه بقي في خانة الحريري. وتوّج مواقفه النيّرة هذه السنة بزيارة إلى مملكة القهر السعوديّة وخطب في مهرجان الجنادريّة التنويري. والطريف الطريف ان الأمين ذهب إلى الجنادريّة بصحبة هاني فحص، وهو مدعو آخر إلى رحاب آل سعود (وكان بين المدعوّين في تلك الزيارة، الكاتب المصري، علي سالم، وهو من أعتى وأوائل دعاة التطبيع مع العدوّ في العالم العربي، وهو تنويري أيضاً). والرجلان شاركا في ندوتيْن عن السلفيّة اتفقا فيها أن النموذج السلفي الوهّابي هو زبدة الخلاص الإنساني وأن الأقليّات في العالم العربي لا تحظى بالحريّات التي تسود في مملكة القهر الوهّابي. لكن الأمين لم يكتفِ بالندوة (وكان طارق متري خطيب الحفل وذلك لأنه ينتمي إلى رهط مثقّفي التنوير السعودي ــ الحريري)، بل ألقى كلمة موجزة في حضرة خالد ضاهر وسائر الأمراء قال فيها إن اللبنانيّين لا يريدون إلا دولة مثل الدولة السعوديّة. هنا اكتمل تنوير العلّامة الأمين.
لكن نموذج هاني فحص هو أكثر طرافة. قد يُقال إن عادل عبد المهدي أكثر العرب المعاصرين تقلّباً في المواقف الأيديولوجيّة. الرجل لم يترك عقيدة إلا اعتنقها، من الماويّة إلى الماركسيّة ــ اللينيّنيّة إلى القوميّة العربيّة ثم حزب الدعوة قبل أن يستقرّ في اعتناق عقيدة بوش. لكن هاني فحص مرّ بتجربة متشابهة: كان قوميّاً وكان يساريّاً وكان قريباً (أو أكثر) من حركة «فتح» (اعترف أخيراً بأنّه كان يتقاضى مرتّباً من ياسر عرفات لكن المرتّب كان صغيراً على ما يقول. وكان قريباً من «أمل» ومن «حزب الله»). وهاني فحص ــ على عكس الأمين ــ رجل ذو موهبة أدبيّة رفيعة (كتب محمد حسن الأمين الشعر، لكن يحيى جابر كتب «ملحمة شعريّة» عن رفيق الحريري): وكتابه «ماضٍ لا يمضي» من أجمل الكتب الأدبيّة التي صدرت أخيراً. ولغة فحص خاصّة به، وهو يكتب بطريقة لم نعهدها في رجال الدين (كدت أنّ أضيف «نساء الدين» قبل أن يصيبني الإدراك لحجم الهيمنة الذكوريّة في المؤسّسات الدينيّة المسيحيّة واليهوديّة والإسلاميّة في الشرق الأوسط) من قبل. ولفحص موهبة في الوصف لا يضاهيها إلا وصف أدباء العرب في أوائل القرن العشرين ومنتصفه. لكن السياسة عند فحص تبدو ضرباً من التجارة: تجده يكتب كقومي عربي في «السفير» ويكتب كقومي لبناني في «المستقبل» وكموالٍ لآل سعود في صحف النفط والغاز. ويستطيع فحص بفضل موهبته الأدبيّة (والتي يستحق آل سعود التهنئة عليها) ان يتصنّع الحماسة المتناقضة بين جريدة وأخرى. هل هو نموذج وليد جنبلاط في المؤسّسة الدينيّة اللبنانيّة؟ لكنه عضو في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي يصدر بيانات تتوافق مع سياسات حزب الله.
كل رهط الشيعة في مضارب آل سعود يقتدون بـ«الوصايا» لمحمد مهدي شمس الدين. لكن الكتاب الصغير (الصادر عن «دار النهار» بلغتيْن كي تعمّ الفائدة العالم أجمع) لم ينل حقّه من المراجعة ــ أو ربّما القراءة. (نستطيع ان تكتشف الصلة السعوديّة للمؤلّف هنا عبر قراءة ما كتبه إبراهيم شمس الدين في عدد «تاريخ العرب والعالم» الخاص بالملك السعودي، والذي عبّر فيه عن مواهب رفيعة في التملّق). وشمس الدين هذا كان فقيها لأمين الجميّل وقد رفض الثورة عليه (راجع كتاب نبيل هيثم عن نبيه برّي). وفيما كان محمد حسين فضل الله يعبئ الرأي العام اللبناني والعربي ضد الاحتلال الإسرائيلي وضدّ حكم أمين الجميّل التابع للاحتلال، كان شمس الدين ركناً في جهاز الهيمنة التابع لحكم أمين الجميّل، رافضاً الإفتاء بمعارضته. لن ندخل في جدال حول ما إذا كان سعود المولى (وهو من جماعة شيعة الوهابيّة) قد كتب الوصايا أم أن شمس الدين كتبها، لكن الكتاب حمل توقيع شمس الدين بموافقة الورثة.
والكتاب يحظى برضى من آل الحريري وآل سعود لأنه يحمل تجنّياً على اليسار، ويزعم بصفاقة أن الشيعة في لبنان قبل الحرب كانوا يتوزّعون بين أحزاب اليسار وحزب الكتائب اللبنانيّة وحزب الوطنيّين الأحرار. (ص. 22). نسي شمس الدين حجم تأييد اليسار في أوساط الشيعة في سنوات ما قبل الحرب الأهليّة (عندما كان يُقال إن «الشيعي شيوعي») بسبب الضغينة الأيديولوجيّة الحاقدة. وعندما يتكلّم شمس الدين عن تحسّن مستويات التعليم في أوساط الشيعة، ينسى فضل منَح الدول الاشتراكيّة والتي أفادت أهل الجنوب أكثر من كل إسهامات زعامات الإقطاع والمؤسّسات الشيعيّة الدينيّة والطائفيّة. لم تقدّم حكومة إيران الإسلاميّة جزءا يسيراً مما قدّمته الدول الاشتراكيّة التي أمدّت من حُرِمَ من الجامعات الخاصّة في لبنان بشهادات الهندسة والطبّ.
في كل قرية جنوبية اليوم دين لدول المنظومة الاشتراكيّة التي علّمت أكثر من رفيق الحريري (كما يحلو لعامر محسن القول). وطرفة الطرائف أنّ علمانيّي 14 آذار المزيّفين هم الذين يلهجون بحمد «الوصايا» متناسين أنّ شمس الدين يدعو في كتابه إلى التمسّك الصارم بالنظام الطائفي اللبناني والامتناع عن المطالبة بإلغاء الطائفيّة (ليس هناك من طائفيّة سياسيّة وطائفيّة غير سياسيّة. الطائفيّة هي طائفيّة أينما حلّت). لكن هوى شمس الدين النفطي يبرز عندما يدعو كل الأقليّات الشيعيّة في العالم العربي إلى التمنّع عن المطالبة بحقوقهم (يعني دول الخليج) ويدعوهم إلى الامتناع عن أية حركة تتضمّن مواجهة «أمنيّة أو سياسيّة مع أي نظام من الأنظمة»(ص. 34) ــ لكن شمس الدين يُسارع إلى القول إن العراق استثناء. بكلام آخر، يدعو الشيعة إلى الثورة إلا في دول النفط والغاز، وقد كتب في وصيّة من الوصايا في طاعة ملك البحرين: «ومن هنا اتخذنا قرارنا بدعم التوجّه الذي أقدم عليه سموّ أمير البحرين بتحديث النظام السياسي» (ص. 49). كم كان محقّاً شمس الدين هذا: ها هو شعب البحرين ينعم بالديموقراطيّة والمساواة نتيجة لتحديث النظام السياسي الذي أفتى هو بتأييده.
الكلام عن فحص والأمين هو لمناسبة بيانيْن أصدرهما الإثنان في كل وسائل الإعلام السعودي التي هلّلت له. البيان الأوّل كان في موضوع «الثورة السوريّة» (لا الثورة الروسيّة) وقد استهلّه الكاتبان بتواضع شديد: «إننا نحن الموقّعين أدناه محمد حسن الأمين وهاني فحص، المعروفين للقاصي والداني شكلاً ومضمونا ونهجاً وسيرة». وهذا صحيح. فالشيخان معروفان حتى في الفيليبين وهونولولو ولهما مريدون ومريدات في أقاصي المعمورة. وتضمّنت مقدّمتهما ثناء على نهج الاعتدال والتوسّط (أي الوهابيّة، بكلام آخر). والإثنان متنوّران لكنهما يصرّان على الخصوصيّة الشيعيّة ــ وفي هذا ما يناقض وصايا شمس الدين في طاعة آل سعود. ويقول الإثنان إن لا أحد ينكر فكرهما التنويري إلا المُكابر أو الغوغائي. لكن نحتاج إلى شرح عاجل من الشيخين: هل تدخل موعظتهما في «الجنادريّة» وثناؤهما على حكم آل سعود في باب الفكر التنويري، وهل هي غوغائيّة ومُكابرة لو طرحنا عليهما هذا السؤال؟ ويستمرّ الإثنان في جدول الثناء الذاتي فينوّهان بمواقفهما «الصعبة» خصوصاً ضد الاحتلال لكنهما لا يذكران إلا احتلال إسرائيل و«الاحتلالات الوطنيّة» باسم الممانعة. فاتتهما الاحتلالات الأميركيّة، وخصوصاً أن فحص كان من أوائل المطّبعين مع الاحتلال الأميركي في العراق في جريدة «المستقبل» (وهي جريدة تنوير حريري) وقد جال في العراق بدعوة من جلال الطالباني وشيعة الاحتلال الأميركي تقديراً لمواقفه. لم نسمع موقفاً لمحمد حسن الأمين من الموضوع، ولكن قد يكون أضمر معارضة للاحتلال الأميركي في سرّه.
ويدعو الرجلان المتنوّران إلى عدم التمييز بين ظالم وظالم وإلى تأييد الانتفاضات العربيّة «وخاصة الانتفاضة السوريّة». لا ندري لماذا حازت الحالة السوريّة تخصيصاً، ولكن قد يكون توارد الخواطر مع أنظمة النفظ والغاز غير ذي بال. وطالب التعدّديّان بديموقراطيّة تعدّديّة في سوريا. ونوّه الإثنان مرّة أخرى بتأييدهما للثورة «الفلسطينيّة والإيرانيّة والمصريّة واليمنيّة والليبيّة». أما عن البحرين (وكان تلفزيون البحرين قد بثّ قبل عام ثناءً من محمد حسن الأمين على طاغية البحرين لكنّه وضع صورة مفتي صور المطرود، علي الأمين ــ مكانه، لعلّ الأمر اختلط على إعلام البحرين بسبب الولاء المشابه)، فقال البيان: «وتعاطفنا مع... حركة المطالبة الإصلاحيّة في البحرين وموريتانيا والسودان». في هذه الجملة، يحاول الرجلان أن يثبتا أنهما لا يميّزان بين طاغية وطاغية فيفشلان فشلاً ذريعاً، إذ إن الصياغة المُخادعة لا تعني أكثر من تبنٍّ للإصلاح على طريقة آل خليفة. لا تحتاج إلى الإغراق في تحليل البيان. جملة واحدة عن البحرين كانت كافية لكشف الغرض السعودي الوهابي من الإصدار. والصدفة انعدمت في التهليل السعودي العارم لهذا البيان. كل كلام الرجليْن عن الحريّة وعن التنوير لا معنى له أمام موقفهما السعودي من انتفاضة البحرين. هل يظنّ الرجلان أننا لا نلاحظ؟
وهذا التهليل السعودي ببيان الرجليْن، دفع الشيخين إلى إصدار بيان آخر (دون مقابل، طبعاً، وخصوصاً أن المبلغ الذي كان هاني فحص يتقاضاه من ياسر عرفات زهيد جداً كما أخبرنا) عن الحالة العربيّة. لكن البيان الثاني كان أكثر كوميديّة لأنّه غالى في الثناء على الحريّة («زهرة بريّة» على ما قال الرحبانيّان. لماذا؟) وقالا فيه إنّ الطائفة الشيعيّة «لا يمكن إلا ان تكون مع المظلوم في وجه الظالم». ولكن لماذا الطائفة الشيعيّة وحدها؟ هل لأبنائها وبناتها من الجينات الحرّة أكثر ممّا للطائفة السنيّة أو طوائف أخرى؟ حاول الرجلان أن يتزلّفا لأجندة آل سعود فوقعا في ورطة فتنويّة مذهبيّة. ما علينا. وقالا أيضاً إنهما لن يفرّطا بالدم السوري. ماذا يعنيان بهذا؟ هل سيلتحقان بعصابات الجيش السوري الحرّ للاقتصاص من العلويّين ولخطف حجّاج لبنانيّين شيعة إمعاناً في المناصرة؟ وأضاف الشيخان لازمة ترد في كل خطاب شيعة آل سعود وآل الحريري عن أنّ الشيعة (في لبنان) «بعيداً عن أساليب الترغيب والترهيب» سيلتحقون بركب آل سعود وخططهم في المنطقة (تحت عنوان «الحريّة»، طبعاً، والتي يحبّها الشيخان حبّاً جمّاً). هل يظن الشيخان أن زوال سلاح حزب الله، مثلاً، سيدفع الشيعة في لبنان لتأييد برنامج آل سعود (وتوابعهم في آل الحريري) المليء بالكراهيّة الطائفيّة لكل الشيعة؟ وهنا مكمن الحرج المنطقي والطائفي لكل شيعي (أو لكل حرّ) ينضوي تحت راية آل سعود: ماذا تفعل بالعقيدة الوهابيّة الطائفيّة لآل سعود والتي لا ترى في الشيعة إلا كفّاراً؟ يتظاهر الشيعي الوهّابي بالتجاهل والنسيان حتى لا ينهار الموقف المصطنع برمّته (حتى شمس الدين حذّر بخجل من خطر الوهابيّة الطائفي في وصاياه).
لكن الشيخين الوهابيّين بالسليقة يتطرّقان إلى الوضع في السعوديّة فيقولان بجرأة لا يحسدهما عليها إلا الأمير سطّام، إنّ العقلاء من الشيعة لا يريدون إلا تفادي «الأخطاء والانفعالات» هناك. هكذا لخّص الشيخان القمع الطائفي البغيض في السعوديّة، دون الإشارة طبعاً إلى القمع السياسي الشامل الذي يطاول كل سكّان مملكة القهر الوهّابيّة. أما في البحرين، فهما لا يريدان إلا الإصلاح: إصلاح يا محسنين ومحسنات، على طريقة إصلاح أحمد شفيق. والمفيد أنّ الشيخين كلّما أكثرا من الكلام أفصحا عن ولائهما غير البريء لحكم آل سعود وأجهزته الإعلاميّة التي تطنطن لكلامهما كما يطنطن إعلام الحريري لتغريدات سعد الحريري. (وقد حظي البيان الثاني بتوقيعات معروفة لأفراد من إعلام آل سعود وآل الحريري ومن لفّ لفهما).
يرى الأمين وفحص في نفسهما، وبتواضع شديد، فكراً تنويريّاً _ مطعّماً بالوهّابيّة. وهذا الفكر يحتاج إلى ندوة خاصّة لمناقشته في مهرجان «الجنادريّة» المقبل، على أن يترأس الجلسة الأمير مقرن بن عبد العزيز، الذي يكنّ لهما شديد الإعجاب. وكل «جنادريّة» وأنتم (وأنتنّ) بخير.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)