ثمّة صعوبة بالغة في ابتلاع مزيد من «الكذب» بشأن سوريا ووقائعها الدموية. هذه خلاصة من الخلاصات التي وصل إليها المرء بعد عام ونصف عام من الخوض في الوحل السوري. ليس سهلاً أن يعترف المرء بذلك طبعاً، لكن في ظلّ وصولنا جميعا اليوم إلى الحائط يغدو ذاك الاعتراف أضعف الإيمان. لنقل إنّه محاولة لمعاكسة وجهة سائدة تغلّب «الكذب» على ما عداه، وتُشغل بتحويله إلى أيديولوجيا مهيمنة. والحال أنّها باتت عملية قائمة بذاتها، أكثر منها وجهة طارئة. عملية مشغولة بعناية وتكاد لفرط الاعتناء بها تبتلع «المجال السياسي» برمّته. أصحابها يصادرون كلّ الاحتمالات الممكنة للأزمة، ولا يرضون بأقلّ من الإذعان التام لمشيئتهم. يوصّفون ويؤرّخون ويحلّلون ويفكّكون الخطابات، وعندما يحين دور «العمل» ينتقلون إلى صياغة «المخارج الممكنة». وهي في معظمها مخارج مبنية على هضمنا لأكاذيبهم، وعلى إذعاننا لمنطقهم السياسوي، الذي يبرّر تلك «الأكاذيب» ويبني عليها سرديته المهيمنة.في سوريا اليوم سرديتان مهيمنتان: الأولى تخصّ النظام وبطانته، والثانية تخصّ المعارضة (بشقّها العميل لرأس المال الدولي حصراً) وبطانتها أيضاً. لاحظوا معي أنّ وجود البطانة هنا سابق لوجود النظام والمعارضة معاً، ومؤسّس للغلبة التي يحكماننا بها كلّ من موقعه. أصلاً لم يكن الصراع ليستمرّ طوال هذا الوقت لولا وجود مستفيدين من الاشتباك بين الطرفين، ومن الفرز الحاصل بين مناطق سلطة وغلبة كلّ منهما .الأرجح أنّ الصياغة الثنائية لفكرة الغلبة باتت واقعية اليوم. فالمعارضة المسلحة باتت تسيطر «مثلها مثل النظام» على مناطق لها امتدادها الجغرافي المتصل والموصول بدوره بحدود صديقة لها (تركيا، شمال لبنان ...الخ). وداخل مناطق سيطرة المعارضة يوجد موالون للنظام أو فئات صامتة لا ترتاح لتفكيك نمط عيشها السابق، وإحلال آخر متوافق مع الهيمنة المسلحة بدلاً منه. «هي ذاتها» الهيمنة التي ضاعفها النظام في أماكن سيطرته ونزع عنها طابعها الدولتي، لتغدو أقرب بالنسبة إلى معارضيه هناك إلى «حكم المافيا» منها إلى حكم «الدولة التسلطية». عندما نقرأ مثلاً لافتات في أكثر من مكان كتب عليها «المحتلة» فهذا يعني أنّ أهل تلك المناطق يعتبرون أنفسهم في حالة استثنائية لن تزول في تقديرهم إلا بزوال ما يعتبرونه «احتلالاً». كان ممكناً لهذه القدرة الاستثنائية على مقارعة النظام أن تبدو ملهمة حقّاً لولا وصولها إلينا على نحو معقّم بعض الشيء. في كثير من المناطق التي رفعت فيها شعارات مماثلة أتى «إخراجها إلى العلن» مترافقاً مع «كلام بذيء» بحقّ البيئات الموالية للنظام، التي لا تتشارك مع هؤلاء رؤيتهم لسوريا الغد. والمشكلة أنّ معظم هذا الكلام لم يصلنا بالقدر الكافي. ولو حصل ذلك حقّاً لكان بإمكان المرء أن يكوّن صورة فعلية عن الاحتجاجات وعن صنّاعها، وما كان فوجئ إلى هذا الحدّ بمآلاتها المسلحة والطاردة لكثير من الصامتين والمتردّدين. نحن هنا إزاء حالة ذهول ناجمة عن عجزنا عن اللحاق بالواقع. هو ليس بالعجز تماماً، بقدر ما هو ركون سهل إلى روايتين سائدتين ومبتذلتين، إحداهما تؤبلس الحراك وتشيطنه، والأخرى تنزّهه وتفلتره إلى الحدود القصوى. كلتا الروايتين مسؤولة عن وصولنا الى هذا الدرك الذي نعيشه اليوم. تخيّلوا مثلاً أنّ هنالك موالين لا يزالون يرفضون الإقرار بأنّ ريف دمشق وجنوبها قد باتا «شبه خاليين من السكان». هذه واقعة لا تتطلّب «اجتهادات» موالية بشأن الجهة التي هجّرتهم أو قصفت أماكن سكنهم. لا أحد يطلب من هؤلاء إدانة النظام الهمجي الذي يفعل ذلك، لكن لا أحد في المقابل يتقبّل امتناعهم عن رؤية ألوف النازحين من الريف، وخصوصاً أنّ كثيراً من أولئك قد باتوا بين ظهرانيهم في المناطق الهادئة والبعيدة عن الاشتباكات. ثمّة قدر من التشابه بين عمى الموالين هنا وتذاكي المعارضين هناك. يذكّرني «التشابه» ذاك «بتشابه» آخر بين النّخب التي تحرص على مواكبة «عمى جماهيرها»، وحقنه بمزيد من اليقين المبتذل. حتى الآن لم يقدم أحد على تنبيه هؤلاء إلى مقدار الخطورة الذي ينطوي عليه ذاك اليقين. بالمناسبة هو يقين هشّ أصلاً، لأنه يمتنع عن المحاججة بالوقائع ويريد فرض نفسه بقوة تماسكه الداخلي فحسب. لدينا اليوم مثالان على ذلك: الأول خَبِر صاحبه سجون النظام ويقود اليوم حملة التنظير لإسقاطه ومن معه من موالين، والثاني يعتبر متبنّيه أنّه معنيّ بالدفاع عن النظام من باب الوقوف وإياه في مواجهة حملة تفكيك الدولة العلمانية الوطنية في سوريا، وإحلال الهويات الجزئية المتصارعة بدلاً منها. لنقل إنّ الاثنين ينطلقان ظاهرياً من طرفي نقيض في مقاربتهما للمأزق السوري، لكنّهما يبدوان رغم ذلك قريبين جداً من بعضهما البعض، وسأوضح لاحقاً هذه النقطة التي تظهر للوهلة الأولى كأنّها عبثية تماماً. لنبدأ أولاً بالرفيق السابق ياسين الحاج صالح. ياسين اليوم هو لسان حال «الثورة» في سوريا. تقريباً يمكن المطابقة بين موقعه اليوم داخلها وموقع سمير قصير داخل ثورة 14 آذار «المجيدة» في لبنان. يبدو لي ياسين اليوم من موقعه في قلب الحدث (يعدّ من أبرز الفاعلين في لجان التنسيق المحلية) معنياً بصياغة سردية عن «الثورة» لا تشبه ما نعرفه عنها. لا أعني بذلك التفاني والمواظبة الشجاعة على مقارعة النظام في طوره الوحشي الحالي. كلّ ذلك بات الآن من البديهيات حتى بالنسبة إلى الموالين أنفسهم (أو إلى بعضهم إذا شئنا الدقّة أكثر). ما عنيته بالضبط هو انشغال الرجل ببناء «منطق متين» لا يبدو أنّ الحراك قد امتلكه بعد. طبعاً لا يضير هذا الأمر الحراك في شيء، فالتنظير للثورة وضبط آلياتها ووضعها في سياق أيديولوجي هي من مهمّة النخب تاريخياً، وخصوصاً تلك التي تصقل معرفتها بالخبرة الميدانية والانخراط في النضال من الداخل. والحال أنّ ياسين قد فعل ذلك وأكثر، لكنّه فعله من موقعه كمنخرط في ما يعتبره هو صراع الكلّ ضد الجزء. على هذا الأساس بنى سرديته منذ البداية، ثم طوّرها لاحقاً عندما وضحت الرؤية لديه لتغدو اليوم على شكل «توليفة ذكية» سماها صراع المحكومين ضد الحاكمين. طبعاً هو يقصد صراع كلّ المحكومين ضد كلّ الحاكمين. من هنا بدأ الوضوح بالنسبة إليه، ومن هنا أيضاً بدأ التشوّش بالنسبة إلينا. أراد الرجل أن يوصل إلى قرائه فكرة تقول إنّ النضال ضد النظام لا يجوز أن يكون حكراً على فئة أو طائفة (يبدو لافتاً غياب العنصر الطبقي عن معظم تحليلات ياسين في الآونة الأخيرة!)، بل يجب أن يشمل كلّ السوريين من دون استثناء. الفكرة بحدّ ذاتها جديرة بالاهتمام، لكن أهميتها مشروطة بوجود بيئة واسعة تحتضنها وتهيّئ لها الأرض. مضى الآن على الصراع عام ونصف عام تقريباً، وكلّما تقدمنا أكثر في الزمن تقلّصت مساحة البيئة التي تصلح لاحتضان أطروحة ياسين الحاج صالح. كان الأجدر به وهو المتابع الرصين للظواهر السياسية أن يتخلّى عن فكرته عندما وجد أنّها غير واقعية وغير صالحة للتطبيق. لكنّه لم يفعل، وبدلاً من متابعة البحث عن أفكار أكثر جدوى وأكثر تطابقاً مع الواقع، مضى في متابعة فكرته الميّتة أصلاً، وغير القابلة للحياة إلا في ذهنه. لا أدري إذا كان هنالك تسمية أصلح من التشوّش الذهني لوصف ما يفعله الرجل اليوم. في كلّ ما يكتبه منذ فترة لا يوجد تفسير واحد مقنع لامتناع أكثر من ربع السوريين عن تأييد «الثورة». لا يبدو أصلاً معنياً بهؤلاء ولا بمعاناة بعضهم تحت سطوة المسلحين، الذين يصوّرهم لنا «ثواراً» لا يأتيهم الباطل لا من أمام ولا من خلف. لو حاول هو أو غيره الحفر قليلاً في التحوّلات التي طرأت على وعي الموالين، لوجد أنّه مسؤول عن تردّدهم وسلبيتهم بمثل مسؤولية النظام أو أكثر. كلامه المستمرّ عن «الشبيحة» و«التشبيح» وإفراده مقالات بأكملها للتنظير لترّهات مماثلة، جعلا هؤلاء يلتصقون أكثر بمواقعهم. وهي مواقع ليست موالية بالضرورة، وإذا كانت كذلك، فليست موالاتها مطلقة أو أبدية، بل هي وليدة حساسيات طبقية وطائفية ومناطقية «يمكن تفكيكها بسهولة» ومحاججة أصحابها بالمنطق. منطق المصلحة والضرورة إذا امتنعت محاججتهم أخلاقياً لسبب أو لآخر. هذه الأمور كلّها بقيت خارج اهتمامات ياسين وأترابه من اليساريين السابقين، ويمكن القول بوضوح الآن إنّ بقاءها على ذاك النحو (أي خارج منطق «الثورة» بالكامل) قد أكل كثيراً من رصيد الرجل الأخلاقي، ولم تسعفه محاولات الاستعاضة عن ذلك بانشغاله ببيئة معارضة بقيت رغم شجاعتها وتضحياتها الجسيمة جزئية و«بلا سند فعلي».
نأتي الآن إلى الضفّة الأخرى من اليقين الهشّ و... المبتذل. ضفّة يمثّلها خير تمثيل اليساري «الممانع» ناهض حتّر. لا يبدو ناهض مختلفاً كثيراً عن ياسين في اعتماد كلّ منهما قراءة للوضع تغلّب الجزء على الكلّ، ولا تتعامل مع الوقائع المغايرة لانشغالاتها إلا لتدحضها. السيد حتّر يعتقد مثلاً أنّه قادر على إقناع قرائه بهامشيّة قصف النظام للمدن والأرياف التي توجد فيها المعارضة بكثافة، ما دامت هذه البيئات قد أصبحت بحكم الواقع (الذي هو حكمه شخصياً!) حضناً للإرهاب. كان ممكناً مثلاً أن يقدّم قراءة للصراع لا تجرّد هؤلاء الناس من آدميتهم، وتحتفظ في الوقت ذاته بصلاحيتها «الممانعة». أقترح عليه مثلاً أن يكفّ عن تسمية المسلّحين بالإرهابيين، وأن يتعامل مع لجوئهم إلى السلاح كما يتعامل مع الأمر كثير من «المعارضين» الذين يعتبرهم هو وطنيين. قدري جميل واحد من أولئك الذين لا يعنيهم الكلام عن «جماعات إرهابية» (ربما غيّر رأيه بعدما أصبح في السلطة)، وهو يتشارك مع ناهض كثيراً من أفكاره تجاه الصراع في البلد، لكن من دون أن يذهب مذهبه في أبلسة بيئة بأكملها واحتقار تضحياتها وردّ حراكها إلى المكوّن الاستعماري فحسب. هنالك ارتباط فعلي بين الذراع المسلّحة للحراك ومستعمرات الخليج ودول أطلسية واستعمارية عدّة، لكن ذلك لا يصلح وحده لتبرير نقمة ناهض على الحراك وبيئته. هو يعرف تماماً من موقعه الجغرافي القريب من درعا، والمتواشج معها عشائرياً وديموغرافياً أنّها كانت مهد الاحتجاجات منذ البداية. درعا تلك ليست تابعة لقطر أو للسعودية حتى نقلّل من شأن أهلها ونعتبرهم بيادق خليجية فحسب (من دون أن ننفي علاقاتهم التاريخية بمستعمرات الخليج بحكم وجود جالية درعاوية كبيرة هناك، وذلك ليس سبباً أيضاً لوصمهم ميكانيكياً بالمذهبية). فضلاً عن كونها تاريخياً خزّان البعث والرافد الأساسي له ولنظامه بالكوادر والكفاءات. أما القطيعة مع هذا التاريخ الآن، فلا يمكن في حال من الأحوال التعامل معها كما يفعل حتّر وأترابه من الممانعين. قد يكون كلامه في ما خصّ المؤامرة ومتفرّعاتها مفيداً، لكن في سياق واحد فقط هو سياق الاشتباك مع مستعمرات الخليج وفضح عمالتها الدؤوبة. في هذا الموضع تصبح كتابات حتّر وأمثاله رافعة لدعاية سياسية تقدمية ضدّ تلك المستعمرات. وما يحدث هنا أنّ رفيقنا السابق لا يريد لمقاربته أن تبقى على نجاعتها، فتراه ينقلها هكذا وباعتباطية مطلقة إلى الداخل السوري، ويجعل من توظيفه لها إلى جانب النظام عبئاً على آخرين يتشاركون وإياه بعضاً من قراءته الاستراتيجية للوضع في المنطقة. كلّ ما يفعله الرجل في نقلته تلك هو الصراخ في وجه البيئة الحاضنة للمعارضة المسلحة ونعتها بالعمالة والتخلّف والرجعية والتمذهب ومعاداة الحداثة و...الخ. كأني به يستدرجنا إلى خطاب استشراقي لا يقدّم أو يؤخّر شيئاً في الوضع السوري المتفجر. اتهامه لأكثر من خمسين بالمئة من الشعب السوري بالتواطؤ مع الامبرياليات الغربية ضد النظام، لن يساعد هذا الأخير على استعادة شرعيته التي تآكلت، ولن تعيد إلى جمهور الممانعة الثقة في قدرة هذه الأخيرة على الاستمرار بالشكل الذي كانت عليه سابقاً. على ناهض حتّر أن يعترف بأنّ قراءته للواقع ما عادت صالحة إلا جزئياً. من الممكن البناء على ما يقوله استراتيجياً، لكن من المستحيل في ظلّ التحوّلات التي طرأت على البنية الاجتماعية للبلد أن يصار إلى العمل بما يقترحه علينا في الشأن الداخلي. يحتاج الرجل إلى من يخبره عن واقع العلاقة الفعلية بين السوريين (أو جزء كبير منهم) و«جيشهم» اليوم. يبدو ذلك ضرورياً في ظلّ محورية هذا الطرح لديه، واستحواذه على كثير من وقته وجهده. لا أعتقد أنّه يدرك تماماً «حال التفكّك» التي وصلت إليها المؤسسات التي يفترض بها أن تصهر هوياتنا الجزئية وتعيد إنتاجها من جديد. لا يعني ذلك أنّ الجيش على وشك الانهيار والتفكّك كما تقول الدعاية السامّة للمعارضات العميلة للغرب، لكنّه لم يعد بالتماسك الذي يظنّه حتّر. إذا كان حريصاً على سوريا كما يقول فالأجدر به أن يكون أكثر تماهياً مع تحوّلاتها الجذرية، لا أن يبني تصوّراته على وقائع لم تعد موجودة إلا في ذهنه وحده. ومن جملة هذه التحوّلات إلى جانب التصدّع في الهوية الوطنية الاعتراض على الوجهة النيوليبرالية التي انعطف نحوها النظام في السنوات الأخيرة. لا تمثّل المعارضة بشقّها العميل لرأس المال شيئاً يذكر في هذا الاعتراض، وحتّر يعرف ذلك جيداً، ولأنّه يعرفه مضى في التركيز على هذه الناحية تحديداً. حاول زميلنا فعلاً أن يكون صادقاً في إقناع النظام بمعاكسة هذه الوجهة، واستعان في مسعاه ذاك برفاق له في «المعارضة» انتقلوا إلى ضفّة النظام من موقع «المعترض» على سياساته الاقتصادية السابقة (قدري جميل وعلي حيدر تحديداً). بقي هنالك أمر واحد نسي حتّر أن يضمّه إلى مرافعته المناهضة لتوجّهات النظام الاقتصادية: الحامل الاجتماعي لهذه السياسات البديلة. ما ينساه ناهض هنا أنّ الحامل ذاك هو ذاته الذي يسند «الاحتجاجات» اليوم ويقدّم إليها كلّ ما يستطيعه، وهو ذاته أيضاً الذي يؤبلسه خطاب «الممانعة» التافه ويعتبره جزءاً لا يتجزأ من المؤامرة الكونية! كيف يمكن حلّ هذا التناقض الجذري؟ السؤال هنا لا يخصّ ناهض حتّر وحده. هو يخصّه بالقدر ذاته الذي يخصّ به ياسين الحاج صالح. فهذا الأخير يشتغل بدوره على سردية ملتبسة ومليئة بالمفارقات. من هنا وجه الشبه بين الاثنين، أو بالأحرى بين طروحاتهما العدمية، وكما أوضحت في السابق، ليست المقارنة بينهما عبثية أبداً. يمكن المرء استخلاص ذلك بسهولة بمجرد تفكيكه لخطابيهما. قد يغرّنا تماسكهما الظاهري، وقدرتهما على استقطاب شرائح واسعة تستهويها جدّاً وضعية الاستقطاب المهيمنة اليوم، لكن في الحالة السورية تحديداً لا يعدو الاستقطاب كونه قشرة خارجية. ولتفكيكه بغرض تجاوزه لاحقاً علينا أن نحفر خلف تلك القشرة. هذا النّسق من الحفر هو ما نحتاج إليه بالضبط. نحتاج إليه من موقعنا كمناوئين للنظام ومعارضاته، ولا أعتقد أنّ ياسين وناهض يشاركاننا الموقع ذاته. هما الآن على الضفّة الأخرى: ضفّة من يغلّب اليقين (المبتذل طبعاً) على الوقائع، ويحلّ العدمية محلّ
السياسة.
* كاتب سوري