استوقفتني مقالة نشرت في جريدة «لو فيغارو» يوم الخميس في 27/9/2012 بقلم الصحافية صوفيا هويه (Sophia Huet) بعنوان «حين يشغل النواب عائلاتهم معهم» (Quand les deputes font travailler leur famille). يتبين من هذه المقالة المستندة الى كتاب النائب رينيه دازيير (Rene Dasiere) «الدولة تتبع حمية» (L’Etat au Regime) انّ النواب الفرنسيين الذين يكلفون افراداً من عائلاتهم للعمل معهم في البرلمان هم حوالى 10% من عدد النواب البالغ 577 نائباً.ان بيت القصيد من هذه المقالة ليس تكليف افراد العائلة بالعمل (القانون الفرنسي يسمح بذلك) بل قيمة المبلغ الذي يتقاضاه النائب الفرنسي كمخصصات شهرية والبالغ 9138 يورو، اي ما يعادل بالليرة اللبنانية حوالى 15 مليون ليرة لبنانية. والنائب صاحب الكتاب يطالب بخفض هذه المخصصات عصراً للنفقات في فرنسا، ويقترح توسيع الاستعانة بافراد العائلات بسبب اجورهم المنخفضة، مما يجعل النائب مكتفياً بعد الخفض بما يخصص له شهرياً.
النائب الفرنسي يتقاضى مخصصات بالكاد تلامس 8 اضعاف الحدّ الأدنى للأجور في فرنسا، البالغ حوالى 1200 يورو، بينما النائب اللبناني يتقاضى مخصصات كانت توازي ــ قبل الزيادة المقترحة حالياً ــ حوالى 20 ضعفاً للحدّ الأدنى للأجور في لبنان. وإذا ما اقرّت الزيادة المقترحة فستلامس النسبة حوالى 27 ضعفاً للحدّ الأدنى. فضلاً عن انّ النائب في فرنسا عند مغادرته البرلمان ــ أي عدم الفوز بولاية ثانية ــ تحجب عنه هذه المخصصات، خلافاً لما هو معتمد في لبنان حيث يبقى النائب ومن بعده عائلته مستفيداً من هذه المخصصات لمدى الحياة، طبعاً وفق ما هو محدّد من نسب قياساً على عدد الدورات التي نجح فيها (طبقاً لاحكام القانون رقم 25 تاريخ 25/9/1974ــ 55% أو 65% أو 75% من المخصصات). هذه المخصصات يترتب عنها مبالغ ضخمة على الخزينة اللبنانية التي يغذيها المكلف اللبناني، والتي قدّرت زيادتها السنوية مبدئياً بخمسة مليارات ليرة لبنانية.
علينا مواجهة الحقائق وليس الالتفاف عليها، فالنائب الفرنسي يصرف من مخصصاته المرتبطة بعضويته النيابية، في بلد لا نقاش حول ارتفاع كلفة العيش فيه، ورغم ذلك بالكاد تلامس ثمانية اضعاف الحد الادنى. وهناك اصوات فرنسية ومن داخل البرلمان تطالب بالخفض. بينما في لبنان نرى الانقسام الواضح حول مبدأ اقرار الزيادة للرؤساء والوزراء والنواب، إذ تميل الدفة لصالح الإقرار، ولا نرى بالمقابل سوى اصوات معدودة ترفض هذا الأمر، على غرار ما ورد في مقالة الصحافي الاستاذ سمير منصور («النهار» في 30 أيلول الماضي) بعنوان «... وماذا عن زيادة المخصصات؟»، إذ يطالب بخطوة جريئة تقضي بخفض رواتب (الأصح مخصصات) الرؤساء والوزراء والنواب الى النصف «احتراماً لمشاعر الناس وتخفيفاً عن كاهلهم».
نعم الواقع المالي للخزينة اللبنانية، وعجزها الذي لامس ارقاماً خيالية، يفرضان اللجوء الى مثل هذه الخطوة، لأن الرؤساء والحكومة والنواب يعلمون تماماً ما هي حقيقة المأزق المالي، وكيف انهم عاجزون عن ايجاد المخرج الملائم لتغطية كلفة زيادة سلسلة الرتب والرواتب الجديدة للقطاع العام، الذي في غالبيته المطلقة ينوء تحت كلفة المعيشة. إذ لا تكفي الرواتب الشهرية لمصروف 20 يوماً من الشهر، هذا في أحسن الحالات، ولمن تتجاوز معاشاتهم الشهرية ثلاثة ملايين ليرة لبنانية (أي أقل من نصف الزيادة المقترحة للرؤساء والنواب)، وهؤلاء نسبتهم متدنية جداً قياساً على عديد القطاع العام.
مقالتنا هذه ليست موجهة بخلفية شخصية، للرؤساء والوزراء والنواب (الحاليين والسابقين) بقدر ما هي لفت الانتباه الى الواقع المرير الذي يعانيه الشعب اللبناني. إذ اصبحنا اليوم نخاف اذا اراد احد المسؤولين مستقبلاً، ترداد نصيحة ماري انطوانيت للشعب الفرنسي الذي كان يطالب من جوعه، بالخبز يوم ذاك، بأن يأكل البسكويت، ان لا يكون بمقدور غالبية الشعب اللبناني دفع ثمن البسكويت، وعندها ما نفع زيادة المخصصات، وما نفع الندم!
* استاذ جامعي