تطير «أيّوب» فوق سماء فلسطين ويطير قلبي وعقلي معها. تحلّق «أيّوب» فوق فلسطين، وترى ما سبب هذا التعلّق والتشبّث التاريخي من شعب فلسطين بأرضه العزيزة. تحلّق «أيّوب» عالياً وتخرق جدار السماء نحو الأعلى. «أيّوب» هي الغالية وهي النفيسة، لا تلك الطائرات الخاصّة المتكدّسة والمرصّعة بالذهب والماس والذلّ والمهانة. لم تخرق «أيّوب» جدار الصوت ـــ ليس بعد ـــ لكنها خرقت وبقوّة درجات «ريختر» جدار الصمت والتخاذل العربي، الرسمي و(بعض) الشعبي. «أيّوب» اسم سيذكره الصهاينة بعد أن ينساه العرب. كان خطاب حسن نصر الله الأخير، الذي أعلن فيه مسؤوليّة الحزب عن إطلاق طائرة «أيّوب» فوق سماء فلسطين المحتلّة، لافتاً على أكثر من صعيد. لكن ما كان لافتاً جدّاً أنّه تحدّث بتفصيل عن أسباب إطلاق الطائرة الاستطلاعيّة، وقدّم ما بدا على أنه تسويغ لخطة حزب المقاومة في الموضوع. بات نصر الله يعلم أنّ قسماً غير قليل من اللبنانيّين هم في صفّ العدوّ الإسرائيلي. (بعضهم بات يفصح عن مكنوناته الصهيونيّة على «فايسبوك»، وخصوصاً من يعمل في حاشية الحريري الإعلاميّة). كانت «أيّوب» تحلّق في أجواء فلسطين المحتلّة، وكانت قلوب جماعة 14 آذار تخفق اضطراباً وقلقاً وجزعاً على الصهاينة في إسرائيل. ليس سرّاً أنّ فريق 14 آذار ـــ بمن فيهم للّو المرّ ودريد ياغي ومروان حمادة ـــ كانوا كما قرأنا في «ويكيليكس» يمرّرون معلومات عن المقاومة إلى السفارة الأميركيّة، ومنها إلى العدوّ الإسرائيلي. ماذا كان جنبلاط ومروان حمادة وبطرس حرب يفعلون في محادثاتهم مع فيلتمان أثناء العدوان في تمّوز غير تمرير رسائل ونصح إلى العدوّ كي يمعن في عدوانه وغيّه ولكي يدفع بقوّات إسرائيليّة إضافيّة؟ بدت الهزيمة الإسرائيليّة على وجه وليد جنبلاط، قبل أن تبدو على وجوه قادة العدوّ. اكفهرّت أوجه قادة 14 آذار بعد وصول إشارات الإخفاق الإسرائيلي، بعدما طمأن نادر الحريري نائباً في المجلس النيابي إلى أنّ إسرائيل ستطرد الأعداء الشيعة من جنوب لبنان نحو البقاع.ولم ينته خطاب نصر الله حتى انبرى له فريق بحاله من 14 آذار. والطريف أنّ فريق 14 آذار لا يحاول أبداً إخفاء عمله في نطاق جهاز دعائي مخابراتي، ولا يحاول أعضاء الفريق إخفاء طبيعة دورهم الذيلي: كيف ينطقون بالمفردات نفسها التي تأتيهم بالفاكس أو الإيميل من مكتب الحريري الإعلامي، الذي بدوره يتلقّى أمر العمليّات من المخابرات السعوديّة ـــ والتي بدورها تتلقّى أوامرها من الحلف الأميركي ـــ الصهيوني الوثيق؟ هل هي الصدفة أنّ أحمد فتفت وجان أوغاسبيان وفارس سعيد، في ردّهم على الإنجاز التقني ـــ العسكري ـــ الاستخباري ضد العدوّ الإسرائيلي، استعملوا المصطلحات عينها في يوم واحد، وفي غضون ساعات فقط؟ هؤلاء في ردّهم على خطاب نصر الله استنكروا ما وصفوه بـ«نسف» استراتيجيّة ميشال سليمان الدفاعيّة (الهزليّة). وهل كلمة «نسف» هبطت عليهم من دون تنسيق من مكتب يشرف عليه هاني حمّود؟ أم أنّ وحيهم إلهي وهم لا ينطقون إلا بما توحي لهم الملائكة؟
لكن أحمد فتفت فاق أترابه في الحرص على مصلحة العدوّ الإسرائيلي. لو أنّ لبنان يخضع لمعايير المحاسبة والسيادة ـــ العاديّة لا الفائقة ـــ لكان فتفت هذا يقبع في زنزانة (مع صولانج الجميّل التي كانت تعدّ بيديها أطباق أرييل شارون المفضّلة أثناء زياراته للبنان) ليس فقط بسبب ضلوعه ومسؤوليّته (التي يزهو بها) في فضيحة ثكنة مرجعيون، حين عمدت قيادة وعناصر الثكنة إلى تقديم الشاي لضبّاط وجنود الاحتلال، فيما كانوا يرتكبون أفظع المجازر ضد اللبنانيّين والفلسطينيّين في لبنان، بل لأنّه يتنطّح بصورة دوريّة لمناصرة مصلحة العدوّ الإسرائيلي. هذه الفضيحة لفتفت في تموز 2006 كانت ستؤدّي إلى ردود فعل تاريخيّة لو أن فرنسيّاً قام بها في حقبة الاحتلال النازي. إنّ الذين يريدون من الجيش وقوى الأمن تولّي مهمة الدفاع عن الوطن ضد العدوان الإسرائيلي يريدون تقديم لبنان برمّته هديّة للعدوّ الإسرائيلي، وخصوصاً أنّ القوّات المسلحة اللبنانيّة لم تقم يوماً بمهمة الدفاع عن لبنان بوجه عدوان واحتلال إسرائيلي (أما حديث ميشال سليمان عن وضع استراتيجيّة مبنيّة على «رشق رصاص» في العديسة قبل أشهر، فما هي إلا فضح لجهله ولتورّطه السياسي في مشروع لا علاقة له بالدفاع عن لبنان. ثم، هل قام ميشال سليمان في فترة قيادته (بأمر المخابرات السوريّة) للجيش اللبناني بالحدّ الأدنى من الواجب في الدفاع عن لبنان؟).
يمضي أحمد فتفت في تقديم خدمات مجانيّة للعدوّ الإسرائيلي إذ هو أفتى بأن تحليق طائرة «أيّوب» (وهي أغلى من كل الطائرات العربيّة القابعة في مطارات ترصد المصلحة الأميركيّة) يشكّل خرقاً للقرار 1701. أحمد فتقت يخدم مصلحة إسرائيل أكثر من إسرائيل نفسها في الموضوع. تبرّم فتفت هذا أكثر من نتنياهو نفسه. ربّما هو ينتمي إلى فصيل سياسي على يمين الليكود. يجب أن نتوقّف عند موقف هذا الرجل المُتلوِّن: هذا الذي كان يكيل المديح للنظام السوري طيلة سنوات نفوذه والذي كان يتصدّر احتفالات البعث في الشمال، اخترع لنفسه سيرة ذاتيّة مزيّفة زيّنها بالبطولة المُتخيّلة (درج في فرنسا بعد التحرير عادة اختراع تاريخ زائف في المقاومة لرجال سياسة وناس عاديّين). أحمد فتفت الذي لم يع خطر المقاومة إلا عندما تلقّى أمراً ممن يتلقّى الأوامر من المخابرات السعوديّة (استمرّ تأييد فتفت هذا لسلاح المقاومة بعد تحرير معظم الجنوب في 2000، وهذا ينطبق على كلّ أفراد فريقه السياسي) لا يتحمّل أي إزعاج للمحتلّ الإسرائيلي. عندما يقف أحمد فتفت ليفتي بحكم خبرته الطبيّة الصدئة بخرق طائرة استطلاع للقرار 1701 فإنه يتطوّع علناً بخدمة العدوّ الإسرائيلي ومصلحته السياسيّة والعسكريّة وحتى الاستخباراتيّة. نفهم أن يكون قاضي الأمور المُستعجلة في لبنان مشغولاً بأمور حماية أصحاب رأس المال، ونفهم أن يكون القضاء في لبنان مشغولاً بتسهيل أمر إطلاق سراح عملاء إسرائيل من السجن وفق معادلة طائفيّة مقيتة، لكن أحداً في أجهزة حكومة ما يُسمّى «حكومة حزب الله» لم يتحرّك لمساءلة أحمد فتفت عن تطوّعه لخدمة العدوّ الإسرائيلي في هذا الشأن وفي غيره. لم يجرؤ العدوّ على إصدار فتوى أحمد فتفت لأنّ العدوّ يعلم أنّه يخرق القرار 1701 يوميّاً. يريد أحمد فتفت أن يقول إنّ ما يحق للعدوّ لا يحق للمقاومة. ولأننا لا نذكر أن فتفت هذا ـــ أسوأ نموذج لرجل سياسة في لبنان ويمكن تشبيهه بتجربة للّو المرّ، وخصوصاً أن الذهنيّة الطائفيّة المذهبيّة تسيّر عملهما كما علمنا في «ويكيليكس» في حالة المرّ، وكما علمتُ في حالة فتفت في أحاديثه مع الصحافيّين الأجانب، إذ يأخذ راحته ـــ أقام ضجّة وقرأ بيانات ضد عدوان إسرائيلي. أمثاله يناصرون العدوّ، ثم يضيفون من باب التعمية الغبية أنّ إسرائيل هي عدوّ ـــ لكن عزيز. وبلغت الصفاقة بفتفت وبغيره أن زادوا أن إطلاق الطائرة قدّم الذريعة للعدوّ لشنّ حرب. هي دعوة من فتفت إلى إسرائيل كي تشنّ حرباً على لبنان. لماذا لا يقوم فتفت هذا بطبع بطاقات دعوة للعدوّ يدعوهم فيها مع عائلاتهم إلى شنّ الحرب على لبنان؟ وإذا كان إطلاق طائرة استطلاع واحدة يقدّم الذريعة للعدوّ، أفلا يعني هذا منطقيّاً أن أكثر من 20000 خرق إسرائيلي للأجواء اللبنانيّة يشكّل أكثر من 20000 ذريعة للبنان كي يشنّ حروباً على إسرائيل؟ هذا هو منطقهم هم، لكن هؤلاء يعطون إسرائيل ـــ لا وطنهم المفدّى ـــ حق شنّ الحرب.
طبعاً، إن فتفت ليس أوّل سياسي في لبنان يخدم مصالح العدوّ الإسرائيلي السياسيّة (على الأقلّ) علانية. هناك دوماً في التاريخ اللبناني سياق طويل من أطراف فاعلة وأساسيّة ضالعة في تحالف سرّي أو غير سرّي مع إسرائيل (أو حتى مع الحركة الصهيونيّة قبل استقلال مسخ الوطن الصوري). لكن فتفت بزّ كل أعوان إسرائيل قبله في التطوّع لإبداء الحرص العلني على مصالح إسرائيل أكثر منها هي. لم نذكر أنّ لفتفت صولات وجولات في استنكار وإدانة الخروقات الإسرائيليّة اليوميّة للأجواء اللبنانيّة. (طبعاً، نعلم أنّ انتقاد أطراف 14 آذار ممنوع في لبنان، وأنّ جيزيل خوري، التي أفتت أخيراً بأن محطة صهر الملك فهد «العربيّة» هي ليست محطة الدولة السعوديّة وأنها محطة «خاصّة» ـــ وكأنّ الخاص مسموح في المفهوم الوهّابي ـــ قرّرت أن نقد أي طرف في 14 آذار هو «اغتيال سياسي»، أي أن النقد جرم في خيالها الديموقراطي الخصب، على أن تقرّر هي متى يكون النقد ضد أعداء إسرائيل مسموحاً، لا بل ضروريّاً. وعليه، فإنّ الأمانة العامّة لحركة 14 آذار دعت قبل أيّام إلى اجتماع عاجل من أجل إصدار شرعة سياسيّة وإعلاميّة لأن هناك من كتب كلاماً مهيناً ضد مي الشدياق على «فايسبوك». أما عن بذاءات وشتائم جماعة 14 آذار، من كلام المراحيض لحازم صاغيّة أو وصف فارس خشّان لقادة حزب الله بـ«الكلاب»، فهي تنضوي في مجال الحريّة الجميلة).
أما فؤاد السنيورة ـــ الذي استحق بجدارة إدراج اسمه إلى جانب أسماء بشير الجميّل وأنطوان لحد وسعد حدّاد وللّو المرّ والمطران مبارك وإميل إدّه وإيلي حبيقة وحسن هاشم وكميل شمعون ـــ فقد قرّر هو الآخر أنّ الطائرة ممنوعة بحكم القرار 1701. والسنيورة علّامة في موضوع القرار الذي أراده أكثر صرامة وذلك تنفيذاً للرغبات الإسرائليّة. السنيورة جزم للشعب اللبناني بأنّ المقاومة المُسلّحة ضد العدوّ الإسرائيلي غير مُجدية وضارّة (مع أنه هو وفريقه في 14 آذار يؤيّد المقاومة المسلّحة ضد النظام السوري ولا يلتزمون هناك بشروط «المقاومة الحضاريّة السلميّة» التي لا يريدون تطبيقها إلا ضد إسرائيل)، وأن التحرّك الدبلوماسي كفيل بتحرير الأراضي اللبنانيّة المحتلّة. ومن المعلوم أنّ السنيورة وسعد الحريري من بعده استطاعا من دون إطلاق رصاصة واحدة، ومن دون الاستعانة بالمقاومة في لبنان، وبالاعتماد على الصداقات الدبلوماسيّة مع دول الغرب (ما يُسمّى اختصاراً وزيفاً «المجتمع الدولي»)، ان يُحرّرا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، وبسهولة وليونة فائقة. لا بل السنيورة ذهب أبعد من فتفت في الحرص على سلامة إسرائيل: فهو قرّر أنّ الطائرة تشكّل إعلان حرب على العدوّ (يحرص كل أعوان إسرائيل في لبنان على وصف إسرائيل ـــ عرضاً ـــ بالعدوّ وذلك للتعمية الغبيّة). لكن العدوّ نفسه، الذي لا يفوّت فرصة للظهور بمظهر الضحيّة، لم يقل إنّ الطائرة تشكّل إعلان حرب. أي أن السنيورة وباقي فريق 14 آذار باتوا أكثر حرصاً على إسرائيل من إسرائيل نفسها. إنّ السنيورة أعلن بالنيابة عن كل فريق الارتهان للمخابرات السعوديّة أنّ حالة الحرب مع إسرائيل قد انتهت، وأنّ حالة من السلام مع المحتلّ تسود. هل يشي هذا بما اتفق عليه السنيورة وفريقه مع العدوّ من دون إعلان رسمي؟
لكن، هناك ما كان لافتاً في خطاب نصر الله. بدا نصر الله جاهداً لإقناع الجمهور بضرورة مواجهة عدوان إسرائيل. أدرك نصر الله (متأخراً بعض الشيء) انّ التعبئة الطائفيّة المذهبيّة فعلت فعلها، وأنّ قطاعات واسعة من الجمهور العربي (الإخوانجي والسلفي وهو قطاع لا يُستهان به أبداً من حيث العدد والتأثير)، تنقاد وراء سعار الفتنة التي سلبت عقولهم، وأنّ خطاب الجهاد ضد العدوّ كان ولا يزال كلاماً لا معنى له عند تجّار الدين. أدرك نصر الله أنّ الصراع مع إسرائيل عند كثيرين يحتلّ موقعاً متخلّفاً عن الصراع مع إيران التي نجحت السعوديّة في تصويرها كالعدوّ الأوّل. أما في لبنان، فيدرك نصر الله ـــ أو يجب أن يدرك ـــ أنّ قسماً لا بأس به من اللبنانيّين يريد صلحاً وتطبيعاً فوريّاً مع العدوّ الإسرائيلي. وعليه، وبناءً على ردّة الفعل ضد خطاب نصر الله (مصطفى علّوش الذي ركع ركعتين على الأقلّ أمام آل الحريري، طالباً الصفح عن إساءة لم يقصدها عندما ذكر عرضاً أنّ هناك مجالاً للإصلاح في مملكة القهر السعوديّة، لم يتورّع عن اتهام نصر الله ـــ الذي قدّم ابنه في الصراع مع العدوّ ـــ بتقديم الطائرة للاستعراض. لعلّ علّوش يرى في دفاع المقاومة عن لبنان العزيز على قلبه في حرب تمّوز، عندما كان سعد الحريري يجول بطائرته الخاصّة، عملاً استعراضيّاً فقط)، يمكنه أن يعتذر للشعب اللبناني عن التزامه بالدفاع عن لبنان، وحتى بتحرير فلسطين.
فليعتذر نصر الله لأنّه نجح في ردع إسرائيل للمرّة الأولى في تاريخ لبنان منذ 1948. فليعتذر نصر الله لأنّه يرفض فكرة السلام مع العدوّ. وليعتذر نصر الله لأنه يُعتبر هدفاً أوّل للإرهاب الإسرائيلي. وليعتذر نصر الله من سمير جعجع وكل من تدرّب على أيدي العدوّ الإسرائيلي لأنّه أحرج من تعلّم هؤلاء تحت أقدامه. فليعتذر نصر الله لهؤلاء من كل دعاة السلام (مع إسرائيل) في العالم العربي، لأن فكرة تحرير الأرض تجرح مشاعر رعاتهم في مضارب النفط وفي عواصم الصهيونيّة الغربيّة. فليعتذر نصر الله من بعض طبقة المثقّفين الذين يجدون في فكرة عدم الاستسلام أمام العدوّ تخلّفاً وغوغائيّة. فلعتذر نصر الله من حملة الشموع الذين يتنادون في كلّ لحظة تتعرّض فيها مصالح العدوّ الإسرائيلي للخطر. فليعتذر نصر الله من أعوان إسرائيل وعملائها في لبنان (الذين يتمثّلون خير تمثيل في الطبقة الحريريّة الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء) لأنّه أبرز إفلاس شعاراتهم ومزاعمهم. فليعتذر نصر الله من أنظمة الخليج لأنّه خالف إرادتهم في الاستسلام تحت أقدام العدوّ ـــ على طريقة السنيورة والسادات والهاشميّين في الأردن. فليعتذر نصر الله من ميشال سليمان الذي تدرّب وتدرّج في مراتب التخاذل والهوان في الجيش اللبناني، الذي وصل غسّان الجدّ إلى ثالث أعلى منصب فيه. فليعتذر نصر الله من «المجتمع الدولي» الذي يريد لاحتلال وعدوان إسرائيلي أن يعمّ وأن يسود من دون مقاومة. فليعتذر نصر الله من تجّار المقاومة في العالم العربي الذين يرمون سلاحهم مقابل أرصدة سريّة في عواصم غربيّة وعربيّة. فليعتذر نصر الله من كل الذين تصطك ركابهم عند أوّل إطلاق رصاص. فليتعذر نصر الله من الذين كانوا يُطربون لسماع «للطلقة في صدر الفاشستي، أغنّي» وباتوا يهزجون ببلادة لأناشيد عن السلام المُستسلِم بمشيئة مترهّلي النفط والغاز من الحكّام المتعدّدي الزوجات. فليعتذر نصر الله من الذين كانوا يهتفون للمقاومة عندما كانوا ينحنون أمام أحذية ضبّاط المخابرات السوريّة وباتوا مُعارضين للمقاومة لأن الخلاف السعودي ـــ السوري غيّر من قائمة الأوامر التي تأتيهم وتأتيهن بـ«الفاكس». فليعتذر نصر الله من الجيوش العربيّة المُتكرّشة التي (في سوريا وفي مصر وفي الأردن) تمرّست في قتل سكانها وهربت من وجه العدوّ والتي تحتفل بانتصارات وهميّة لا تنطبق على حقيقة المجريات على الأرض. فليعتذر نصر الله لأن مسخ الوطن لبنان لا عهد له بالكرامة والعزّة والنصر. فليعتذر، اليوم قبل الغد.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)