في كل عام تطل علينا وعلى الشباب في المخيمات الفلسطينية في لبنان ذكرى نكبة فلسطين في ظل نكبات ونكسات، مثقلةً بالمآسي والتشرذم والتفكك، البعض منها من صناعة العدو الإسرائيلي والمجتمع الدولي، والبعض الآخر من صناعة أيدينا، فالنكبة ليست فقط الإحتلال واللجوء، بل أيضاً تشمل واقعنا البائس المشرذم المحروم الحياة الكريمة والمتوقف على حال الإغاثة بعيداً عن التنمية.
فلنفصل النكبة، ولو قليلاً، عن محتواها المرتبط بالاحتلال وخروجنا من فلسطين، مؤكدين أنّ العدو الإسرائيلي هو المسؤول الأول عن نكبتنا، ولننظر إلى واقعنا من باب النقد البنّاء، ونضع الأمور على مسارها الصحيح ونكشف عمّن يتحمل المسؤولية أيضاً، يتبين لنا أنّنا أسهمنا في تعميق جذور النكبة في واقعنا الفلسطيني في لبنان، حيث ما زلنا كما خرجنا من وطننا. أفلا يحق لنا نحن اللاجئين وشباب المخيمات الفلسطينية في لبنان أن نسأل: مَن هو المسؤول الثاني والثالث والـ... عن واقعنا البائس؟ إن الواجب الإنساني والأخلاقي والديني يدعونا جميعاً، نحن المعنيين بالشأن الفلسطيني القيام بجهد حقيقي وشفاف لتوفير حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وخاصة الشباب الفلسطيني نصف الحاضر وكل المستقبل. هذا الواجب يطالب جميع الأطراف المسؤولة، مباشرة كانت أو غير مباشرة، بتحمل المسؤولية في الاتفاق على رؤية واضحة تضمن الوصول إلى حياة مدنية طبيعية في المخيمات الفلسطينية تحترم السيادة والقوانين اللبنانية وتلتزم ما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى تحافظ على الخصوصية الفلسطينية وتُسهم في تحصين الشخصية الوطنية الفلسطينية، رفضاً للتوطين والتهجير حتى تحقيق العودة.
من هنا تبرز الحاجة إلى تحديد المسؤوليات، التي يجب أن تؤدي إلى شراكة حقيقية قائمة على القانون الدولي بين جميع الأطراف المعنية بالشأن الفلسطيني تضمن الحياة الكريمة للاجئين الفلسطينيين والسيادة للدولة اللبنانية. فلما كانت منظمة التحرير الفلسطينية الممثلَ الشرعيَّ والوحيد للشعب الفلسطيني والمعترف بها دولياً، وهي إنجاز وطني تعمد بدماء آلاف الشهداء، فهي مطالبة بوضع رؤية واضحة لمستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والقيام بجهد حقيقي لتشكيل قيادة سياسية وأمنية وإدارية موحدة تضمن أمن المخيمات واستقرارها والحياة الكريمة لقاطني المخيمات وتحترم السيادة والقوانين اللبنانية. وفي الوقت نفسه تضع حداً للأجندات السياسية المختلفة التي لا تعبر حقيقة عن حاجات شعبنا الفلسطيني ومصالحه، التي حولت الفصائل الفلسطينية من وسيلة للتحرر الوطني إلى هدف لامتلاك السلطة والسيطرة على مقدرات الفلسطينيين.
ولما كان لبنان من مؤسسي عصبة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وأسهم بصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويلتزم المواثيق الدولية، واعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ومن ثم اعترف بالدولة الفلسطينية، كل ذلك يلزمه أن يعيد النظر في القوانين المجحفة والعنصرية بحق اللاجئين الفلسطينيين وأن ينتهج مقاربة سياسية وحقوقية تنهي المقاربة الأمنية التي لم تحقق المصلحة المشتركة للشعبين اللبناني والفلسطيني.
ولما كان المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية تاريخية وقانونية وأخلاقية عن نكبة فلسطين ومأساة الفلسطينيين، فإنّه مطالب بأن يقوم بدور حيوي ومساعد لتطبيق القانون الدولي وتحقيق العدالة الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين تجعل من المخيمات الفلسطينية بيئة صحية طبيعية تلتزم المعايير الدولية، إضافة إلى زيادة الدعم لوكالة الأونروا لتحسين تقديماتها وخدماتها وتأكيد دورها وبرنامجها لخدمة اللاجئين الفلسطينيين حتى تحقيق العودة إلى ديارهم.
أخيراً، نعلن نحن اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة الشباب، شباب المخيمات الفلسطينية في لبنان، أننا لن نقبل بعد اليوم أن يستمر هذا الوضع من الهيمنة ووضع اليد على مقدرات اللاجئين ومصادرة رأينا واستمرار تفشي الفساد وعدم تحمل المسؤولية في معالجة أوضاع المخيمات وتحسين التقديمات الصحية والتربوية والبيئية والأمنية، فأنتم مدعوون جميعاً إلى وضع استراتيجية فلسطينية واضحة الأهداف تحصّن الأمن والاستقرار في المخيمات وتؤمن الحياة الكريمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لن نقبل بعد اليوم بإبعادنا عن الإسهام في إيجاد الحلول والمشاركة في صنع القرار الذي يخدم مصلحة أهلنا في المخيمات. لقد اكتفينا من شعاراتكم الزائفة التي ابتكرت نكبات ونكسات كثيرة وجعلت منا مجتمعاً اتكالياً ينتظر المساعدة من هنا أو هناك وجعلتم من فلسطين والفلسطينيين مشروعاً استثمارياً يؤمن لكم السلطة والمال، فلم تعيدوا فلسطين ولم تحسنوا أوضاع اللاجئين.
فإذا كنتم مدافعين فاشلين عن القضية، فعلينا أن نستبدل المدافعين، لا أن نستبدل القضية.  
* قيادي فلسطيني