التربية والمواطنة
بين التربية والمواطنة علاقة جدلية. لا يمكن الحديث عن التربية والتعليم في غياب الحريات الخاصة والعامة والمواطنة القائمة على حق الإنسان في الحياة الآمنة والمساواة في الواجبات والحقوق، بصرف النظر عن المعتقد الديني والعرق والطائفة والانتماء المناطقي والمذهبي.
يقول غاندي: «المواطنة مثل الديموقراطية، لكي تعيش يجب أن تُعاش». إن تحقيق المواطنة على أرض الواقع مرهون بالتربية، التي تؤهل المواطن للتواصل الإيجابي مع محيطه، في احترام تام لخصوصيات الآخرين وانفتاح متوازن على الثقافات الأخرى.
يحتاج ذلك إلى نظام تربوي ديموقراطي ومناهج تعليمية تؤسس لهذه المفاهيم في جميع المراحل الدراسية. لكن مناهجنا الحالية لا تمكّن المتعلم من ملاحقة الأحداث والمتغيرات المحلية والعالمية ولا تعدّه للتفاعل مع العالم وفهمه، بل لأن يكون خاضعاً لما هو كائن. لذلك يجب أن نزوّد المتعلمين بالمهارات اللازمة لفهم أسس المواطنة وأن تكون هذه المقررات ذات تأثير إيجابي نحو الانتماء للوطن، مع ضرورة التأكيد على مضامين التربية المدنية، وتنويع طرائق تعليمها، لتشمل برامج تدريبية وورشات للعصف الذهني، وزيارات ميدانية، ويتحقق ذلك من خلال علاقة المدرسة بمختلف مؤسسات المجتمع المدني والبيئة الخارجية. كذلك يجب التركيز على الأنشطة اللاصفية التي تؤدي دوراً كبيراً في ترسيخ قيم المواطنة.
ومن أجل تربية ناجحة على المواطنة، يجب الاهتمام بالمعلم الشريك الاستراتيجي في العملية التربوية، من حيث الاختيار والتمهين والتمكين، والإلمام الكافي بالثقافات المحلية والعالمية، وبالنظم السياسية والإدارية، وباتجاهات المجتمع. ومن ثمّ الاهتمام بالبيئة المدرسية التي تحددها الإدارة المدرسية الواعية.
لا بد أيضاً من تجديد المفاهيم، ليس فقط على مستوى المنظومة الذهنية، بل على مستوى السلوك الفردي والجماعي، بما في ذلك السلوك السياسي، ولا يضمن هذه المهمة سوى تكوين الطلائع ذات الصلات والجذور مع المجتمع بكل تكويناته، واتباع منهجيّة الديموقراطية بجميع وجوهها.
هكذا، يتعيّن علينا أن نعمل على زرع ثقافة منبثقة من الشعور بالمواطنة في نفوس الناشئة، بالتكافل بين التربية المدرسية والأسرة والمجتمع بكل مؤسساته الرسمية والمدنية، مع وسائل الإعلام التي تضطلع بدور حاسم في صوغ الرأي العام، على أن تعالج الثغَر التي تشوب حق الوصول إلى المعرفة وجهود إيصالها إلى الرأي العام ليكون مستنيراً.
عدلا سبليني زين
رئيسة مؤسسة الدراسات والتنمية والعيادة التربوية