شعب لا ينسى؟
من نعم الله التي منّ بها على عباده، قدرتهم على النسيان. وتلك النعمة طالما ساعدت البشريّة على المضيّ قدماً وعدم السكن في هواجس الماضي وآلامه. وطبعاً حين نتحدّث عن خلق الله وعباده، نستثني، تلقائيّاً، «شعب لبنان العظيم». فمن الجائر طبعاً وضع هذا الشعب المعجزة في مصاف الشعوب الأخرى التي إنما خلقها الله لواحد من ثلاثة أهداف؛ إما لنتسلى بالسخرية منها، وإما لاستعبادها، أو لتصحيح خطأ وجودها فنقوم بإزالتها كي لا تبقى كالفطريات على جسد أبناء الأرز.
يستذكر الشعب اللبناني من تاريخه ما يريد ويهوى، ويرمي الآخر في مستنقع سحيق يجمع الكثير من الأمراض والعقد النفسيّة المتراكمة جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن. الكلّ في لبنان مستعد دوماًً لفتح صفحة جديدة. كيف لا والشعب اللبناني عرف بمحبته وتسامحه، ومستعدّ أيضاً متى أمر الحس الطائفي بذلك أن يسترجع كلّ ما قد تناساه، إلّا أمراً واحداً فقط، لا ينساه لبناني قط، بل لعلّه هو الفصل الوحيد في تاريخ لبنان الذي تجمع عليه كلّ الطوائف، ألا وهو: الغريب الفلسطيني وتجاوزاته في لبنان. نعم، لن ينسى اللبنانيون يوماً أخطاء منظمة التحرير الفلسطينيّة و«زعرنتهم».
سأروي اليوم بعضاً من الذاكرة المنسيّة عند «شعب لبنان العظيم». سأروي عام 1948 عندما دخل الفلسطينيون مشياً على الأقدام، واستقبلهم أهل هذا البلد المضياف، في حظائر الخيول وزرائب المواشي. سأروي حين دخلوا إلى مخيماتهم مسلوبي كلّ أنواع الحقوق، وسأروي كيف سلب منهم حتّى حقّهم في الحياة، وحقهم في استرجاع أرضهم. فدخل اليمين المتطرّف داعياً لطرد الغريب من أرضنا. سأروي الكثير لو كان ذلك ينفع. كيف لشعب ألا يشم رائحة الدم الفائحة منه بعد مجزرة صبرا وشاتيلا وحرب المخيّمات؟
أقول هذا وقد امتلأ القلب قيحاً. أقوله بعد محاولات عديدة لأتناسى كوني أحيا في وسط شعب حقود. بعد أن دمّرنا منازل الشعب الفلسطيني على رؤوسهم في مخيّم البارد، عدنا لنشاهد بكثير من برودة الأعصاب الحرب على غزّة، ثمّ لنشمت بمن يقتلون في مخيّم اليرموك.
بغض النظر عن الموقف من الموضوع السوري، الشعب الفلسطيني خط أحمر، وإن كانت العصابات المسلّحة قد حوّلت مخيم اليرموك إلى ساحة حرب، فواجبنا أن نفتح منازلنا وقلوبنا لاستقبالهم وحمايتهم، وليس الدعوة لإقفال الحدود في وجههم وتركهم يموتون في الليالي القارسة والممطرة.
مصطفى خليفة
عضو الحركة الثقافيّة الشبابيّة _ مقاومون