بعد قرابة عشرين يوماً على توقيع خمسين حاخاماً إسرائيليّاً رسالة مفتوحة تدعو اليهود الإسرائيليّين إلى عدم بيع أو تأجير أيّ ممتلكات لغير اليهود، تقدّم وزير العمل بطرس حرب بمشروع قانون لمنع المسيحيّين في لبنان من بيع أراضيهم لغير المسيحيّين، والمسلمين في لبنان من بيع أراضيهم لغير المسلمين.لا نعرف إن كان الفصل العنصريّ الذي يزداد حدّةً في فلسطين المحتلّة، بات نموذجاً للّبنانيّين كي يحلّوا عبره مشاكلهم الطائفيّة. لكنّ ما نعرفه جيّداً هو أنّ مغامرتَيْ 8 و14 آذار الآفلتين نجحتا في ترسيخ الطائفيّة في لبنان، وإنجاز تحوّلها من نظام ادّعى ذات يوم قدرةً على إنجاح تجربة التعايش، إلى نظام يثبّت الرهاب بين الطوائف ويمهّد لانفكاك ما بقي من مساحات مشتركة.
لا احتلال يفرض الفصل العنصريّ في لبنان. نحن أمام نزعة تدمير ذاتيّ، تماماً كما يفعل عاشقان خائبان. فما دام «لبنان الجديد» كما تخيّلته 8 أو 14 آذار لم يركب، فلنذهب كلّنا إلى الجحيم. وإلا فما معنى أن يتقدّم بمشروع الفصل الطائفيّ أحدُ رموز 14 آذار التي حاولت أن ترسم عبر تجمّعها في ساحة الشهداء صورة متخيّلة عن لبنان الموحّد؟
لا شكّ في أنّ الوضع الديموغرافي المتحوّل لغير مصلحة المسيحيّين في لبنان هو ما يقف خلف مشروع حرب. لكنّ الحريّ بالخائفين على وجود المسيحيّين وغير المسيحيّين في لبنان أن يطلقوا الصوت عالياً في وجه السياسات الاقتصادية التي حوّلت الهجرة إلى مخرج وحيد للعيش اللائق. أمّا تأييد تلك السياسات والعيش من فتاتها، ثمّ ادّعاء الحرص على تمسّك اللبنانيين (المسيحيّين ضمناً) بأرضهم، فيدخل في باب النفاق السياسي.
لكنّ النفاق لا يتوقّف هنا. فمشروع حرب يثبت أنّ المتشدّقين بالليبراليّة الاقتصاديّة في لبنان مستعدّون لطلب تدخّل الدولة في السوق، ومنع عمليّات بيع وشراء، إذا ما ارتأوا لأنفسهم مصلحة في ذلك. لكنّهم، في الوقت نفسه، يروّجون لأبشع عمليّات الخصخصة بحجّة ضرورة كفّ يد الدولة عن القطاعات الاقتصاديّة.
إذا أردنا تبيُّن حجم التراجع الذي أصاب الدولة في لبنان، يكفي أن نعرف أنّ بطرس حرب الذي يروّج لعدم الاختلاط الطائفي اليوم، هو نفسه من كان يتبجّح بأنّه مَن أطلق «عيد العَلَم» في لبنان يوم كان وزيراً للتربية.
... وكان ذلك قبل انتفاضة الاستقلال بأكثر من عقدَيْن.