لم تُعِد جريمة أريزونا التي استهدفت النائبة الديموقراطيّة غابرييل غيفوردز الاغتيالات السياسيّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى الواجهة وحسب، بل فتحت النقاش على مصراعيه بشأن الانقسامات التي تسود أرض «الإمبراطوريّة».قيل عن جاريد لوفنر، المتّهم بتنفيذ العمليّة التي أودت بحياة قاضٍ وخمسة أشخاص آخرين، إنّه مختلّ عقلياً وإنّ «كفاحي» لهتلر هو كتابه المفضّل. لكنّ التحليلات الجادّة رفضت اعتبار الحادث فرديّاً، وردّته إلى الجوّ السياسي السائد في الولايات المتّحدة. فالصراع بين الديموقراطيّين والجمهوريّين آخذ بتجاوز الخطوط الحمر. ويزيد الطين بلّة صعود نجم «حزب الشاي» اليميني المتطرّف. أضف إلى ذلك أنّ ولاية أريزونا تحديداً تبنّت قبل أشهر القانون الأكثر تشدّداً تجاه المهاجرين.
تعقيب رئيس شرطة المقاطعة التي وقعت فيها الجريمة أثار ردود فعل عنيفة من اليمينيّين الذين طالبوا باستقالته. لكنّ ذلك لا يمكن أن يخفي صدق كلامه حين يقول: «لم تعد هذه هي الدولة نفسها التي ترعرع معظمنا فيها»... وما لم يستفض به «الشريف»، استعاده معلّقون كثيرون، مذكّرين بالانتخابات النصفيّة يوم أُطلقت دعوات للمشاركة في تجمّعات انتخابيّة مع الأسلحة في بلاد يملك 90% من سكّانها بنادق. يومها، دعا أيضاً أحد الإعلاميّين إلى النصر بواسطة الاقتراع أو الرصاص. فضلاً عن الخريطة الشهيرة التي وزّعتها سارة بالين وعليها لائحة أهداف هي عبارة عن الديموقراطيين الواجب التخلّص منهم.
بول كروغمان، المعلّق في صحيفة «نيويورك تايمز» والحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، وجد نفسه أمس مضطراً للتذكير بأسس الديموقراطيّة، حيث الاعتراض على من نختلف معهم بالرأي مسموح، وكذلك السخرية منهم، أمّا الخطاب الاستئصالي فهو ما لا مكان له. ورغم تحميله مسؤوليّة ما يجري لليمين الأميركي، فإنّه لم يدعُ إلى كمّ الأفواه، بل بدا كمن يعيد الاعتبار للإجماعات داخل المجتمع الأميركي، وهي إجماعات بدأ الخوف بالفعل من تقلّصها. فالأزمة الاقتصاديّة تكاد تحوّل السجالات السياسيّة بشأن حروب الإمبراطوريّة والضمان الصحي ومكافحة الركود إلى معارك لا تخاض دائماً بالسلاح الأبيض.
في هذه الأثناء، خصّصت «لوموند ديبلوماتيك» ملفّها لصعود اليمين الأوروبي المتطرّف، فيما تجتاح العصبيّات الدينيّة عالمنا العربيّ من الخليج إلى المحيط. إنّ عالماً يتّجه صوب اليمين هو عالم لا يطمئن أحداً.