يعيش الرئيس المصري على المقوّيات الاصطناعيّة. ثمّة من يمنعه من الانهيار قبل جهوز البديل. فالتظاهرات الشعبيّة باغتت الجميع في القاهرة... وواشنطن. وربّما باغتت المتظاهرين أنفسهم الذين لم يصدّقوا ما بدأت تفعله أيديهم. الارتباك الذي ساد المؤتمرات الصحافيّة الرسميّة الأميركيّة، ليل الجمعة، يؤكّد أنّ واشنطن لم تحسم خياراتها بعد. التحرّكات الشعبيّة التي ما كان لها أن تنجح في ظلّ النظام المصريّ لو لم تكن صادرة عن مجموعات غير منظّمة مركزياً، لم تفرز بعد قيادات خاصّة بها. أمّا أحزاب المعارضة، فالواضح أنّها تلهث وراء المتظاهرين من دون أن ترقى إلى مستوى احتجاجاتهم. الرئيس المترنّح نفسه كانت لديه خطّة واحدة: ابنه جمال. التعيينات التي قام بها مبارك لم تهدف فقط إلى تهدئة الشارع، وهو ما لم يحدث، بل أدّت إلى مزيد من دخول الجيش المصري إلى صلب المؤسّسة السياسيّة. وسط كلّ هذا العجز، ترتفع إذاً أسهُم الجيش، وخصوصاً أنّ جمهوريّة مصر لم تعرف في تاريخها رئيساً إلا من صفوف المؤسّسة العسكريّة. وإذا كان تولّي شخصيّة عسكريّة زمام الأمور أمراً مألوفاً في منطقتنا، فإنّ الأوضاع الحاليّة تجعل من الصعب أن يتمتّع الجيش بأيّ خطاب يعطيه شرعيّة لتسلّم دائم للسلطة.
فبخلاف النصف الثاني من القرن العشرين، لا يقود الجيش انقلاباً للتخلّص من الاستعمار. وليست أمامه نماذج تنمويّة يعد بتطبيقها. فنحن لا نعيش في زمن التأميم والإصلاح الزراعيّ والاشتراكيّة، ولا يسع الجيش أن ينأى بنفسه عن السياسات الاقتصادية المتّبعة اليوم، وخصوصاً أنّه أكبر «رجل أعمال» في مصر والقطاعات الاقتصاديّة التي يسيطر عليها لا تُحصى. وبخلاف الجزائر، لن يتمكّن الجيش من طرح نفسه ضمانة ضدّ وصول الإسلاميّين إلى الحكم. فالإسلاميّون ليسوا من يحرّك الشارع المصريّ الآن. إضافة إلى كلّ ذلك، فإنّ جنرالات النظام لا يُعرف عنهم موقف مختلف من إسرائيل، وكان لافتاً غضب الشارع على عمر سليمان باعتباره «رجل إسرائيل الثاني».
لا يمكن الجيش المصريّ أن يكون هو الحلّ. أمّا محمّد البرادعي، فيبدو كالفتى التائه بين المتظاهرين. شباب مصر الذين صنعوا ربيعها، عليهم أن يعطوا انتفاضتهم وجهاً، هو وجههم هم لا وجه أحد سواهم.