تترنّح الأنظمة العربية من الهزّات الارتدادية الناتجة من الأحداث في تونس. الحكومات في مصر واليمن هي هدف التظاهرات الشعبية التي تعبّر عن الغضب الذي تشعر به معظم الشعوب العربية تجاه قادتها. المفاجآت محتملة، غير أن من المرجح أن تستطيع الأنظمة المصرية واليمنية أن تتخطى «أيام الغضب» هذه.
لكن، بعد أن تنفّذ الهراوات عملها، ما هي خيارات الولايات المتحدة؟ لدى الإدارة فرصة كبيرة لإعادة تنشيط مساندة الإصلاح الديموقراطي في العالم العربي. لعقود خلت، ناضل المطالبون بالإصلاح لإقناع أميركا بأنّ الديموقراطية العربية هي في مصلحتها. لطالما طغى الخوف من الإسلام والتفضيل الكبير للاستقرار على النقاشات بشأن الضرر للمصالح الأميركية الناتج من مساندة الأنظمة الاستبدادية. تُظهر الانتفاضات الأخيرة كم كانت هذه الحسابات مضلِّلة. فالأنظمة التي فقدت ثقة شعبها، تخدم المصالح الأميركيّة بنحو ضئيل. واليوم أصبحت اللاشرعية وعدم الاستقرار مترابطين؛ ويعطي هذا الارتباط تبريراً قاهراً لمقاربة أميركية أكثر جزماً للإصلاح السياسي في العالم العربي.
تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد انتقال المنطقة إلى الديموقراطية عبر الاعتراف بعمق الغضب بين الشعوب العربية، وجعل الصلة بين المصالح الأميركية وشرعية الأنظمة واضحة، وإيصال رسالة واضحة إلى حلفائنا العرب مفادها أنّ الحكومات الحالية لن تتخطى أزمات الشرعية التي تدفع مواطنيها إلى الشوارع، من دون تغيير سياسي جوهري، عبر مسارات هي الأخرى ديموقراطية، سلمية وشاملة.
لا تتطلب مقاربة كهذه عزل الأنظمة الحالية أو التخلّي عنها، لكنّها تشير بوضوح إلى أنّ المصالح الأميركية والديموقراطية العربية هي، في النهاية، متلازمة.
(نائب رئيس «المؤسسة الأميركية للسلام» ومستشار خاص لـ«مبادرة الإسلام العالمية»)

■ ■ ■


ستيفن جي. هادلي

حالما وصل الوضع في مصر إلى نقطة الأزمة، أصبحت خيارات أميركا محدودة. كان من الممكن ألّا يكون الأمر كذلك. حثّت حكومتنا، تحديداً أيام الرئيس جورج بوش الابن، الحكومة المصرية على تشجيع نموّ المجتمع المدني والأحزاب غير الإسلامية. للأسف، عوض تعزيزها، لقد قمعتها. فأصبحت بالتالي جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، البديل الوحيد للحزب الحاكم.
إذا انزلقت مصر إلى الفوضى، فإنّ الخيار الأرجح هو استيلاء الجيش على السلطة أو انقلاب الإخوان المسلمين. لن يكون الخياران نصراً للديموقراطية أو تأميناً للحرية التي يسعى إليها الشعب المصري ويستحقّها.
إذا استطاع الرئيس مبارك تخطّي العنف الحالي، فقد يستنتج بنفسه أنّه هو وابنه لن يستطيعا ربح الانتخابات الرئاسية في الخريف. وإذا غادر الرئيس مبارك الساحة، فمن المرجح أن نكون أمام حكومة مؤقتة تحت رعاية الجيش. في كلّ الأحوال، يجب ألا تضغط الولايات المتحدة لتنظيم انتخابات مبكرة. يحتاج الشعب المصري إلى وقت لبروز مجتمع مدني وأحزاب غير إسلامية. في هذه الحالة فقط، سيكون أمام الشعب المصري خيارات حقيقية من أجل مستقبل ديموقراطي يتجنّب الدولة الإسلامية التي من الواضح أنّ الشعب لا يريدها.
(مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن)

■ ■ ■


آرون ديفيد ميلر

سيدي الرئيس،
بذكاء، ابتعدت عن أجندة سلفك الخاصة بالحرية المؤدلجة. والآن، في ظلّ سخرية تاريخيّة قاسية، تُواجَه ببرامج حرية محلية في تونس ومصر وربما في أمكنة أخرى، مع تأثير سيمتد إلى المستقبل وسيكون أعظم من سياسات العراق وأفغانستان.
إذا كنت ذكياً ومحظوظاً، فلن تزيد من تعقيد وضع معقد أصلاً، وقد تقوم بأمور جيدة. تذكّر أنّه:
لا يمكنك التحكم بالتاريخ. إنّ الشرق الأوسط مليء بأوساخ القوى الكبرى التي اعتقدت أنّها تستطيع فرض إرادتها على قبائل صغيرة. التغييرات التي انتشرت في العالم العربي مدفوعة بالأساس بعوامل محلية، وعليهم أن يخرجوا أنفسهم من ورطاتهم.
لا تتخلَّ عن أصدقائك. قد يكون الرئيس المصري حسني مبارك مستبدّاً، لكن منذ 1981، رأيته أنت وأسلافك حيوياً للمصالح الأميركية. انتبه إلى نوع الإشارات التي ترسلها، إلى أن يصبح لديك فهم أكبر لمن أو ماذا سيأتي من بعده. ستكون النتيجة الأسوأ لقلاقل مصر أن يحطم مبارك المعارضة ويكره الولايات المتحدة لأنّه يعتقد أنّكم أردتموه على الرحلة المقبلة إلى باريس.
سيكون ذلك فيلماً طويلاً. ما يحصل مدفوع بانقسامات عميقة في العالم العربي والإسلامي. أولاً بين من يملكون ومن لا يملكون بسبب الموارد الاقتصادية. وثانياً، بين من يستطيعون المشاركة في حكم مجتمعاتهم ومن لا يستطيعون. ستحتاج إلى استراتيجية، لكن لا تستعجل ابتكار واحدة، لأنّها ستكون على الأرجح خاطئة. في الوقت الراهن، نادِ علناً بأهمية القيم الأميركية مثل احترام حقوق الإنسان، والتظاهرات السلمية، وحكم القانون والحكم الجدي. لكن، احتفظ بمسافة حتى تفهم اكثر إلى أين تتجه التغييرات.
(أستاذ السياسات العامة في «مركز وودرو ويلسون للأبحاث»؛ مفاوض سابق في وزارة الخارجية في عملية السلام العربية ــ الإسرائيلية)

■ ■ ■


حسين آغا وروبرت مالي

عادت عقود من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لتطارد واشنطن. فقد دعمت الولايات المتحدة أنظمة ساندت الأهداف الأميركية بغضّ النظر عن تمثيلها، شرعياً، الطموحات الشعبية. ساندت حكاماً «معتدلين» تمحور اعتدالهم حصراً في التعاون مع السياسات الأميركية. كلما اصطفّوا إلى جانب واشنطن أصبحت المساندة الأميركية لهم أكرم، وتآكلت صدقيتهم المحلية. بالنتيجة، تواجه الولايات المتحدة اليوم معركة لا تستطيع ربحها.
الاستمرار في مساندة حكّام غير شعبيّين سيزيد من تهميش أشخاص من المرجح أن يتسلموا الحكم في المستقبل. الاصطفاف العلني مع الشارع سيضرّ بالصلات مع نظام قد يستطيع تخطّي القلاقل. نظام لا تزال الولايات المتحدة تحتاج إليه. كذلك فإنّ هذا الاصطفاف سيكون إشارة إلى باقي أصدقاء أميركا بأنّ مساندتها لهم متقلّبة، وسيستبق صعود القوّة المناهضة للمصالح الأميركية، ويفعل القليل ليقنع المتظاهرين الذين سيرون أنّ تحوّل موقف الولايات المتحدة تحت جنح الظلام هو نفاق وانتهازية.
تستطيع واشنطن أن تحدّ من خسائرها وتبدأ بطي الصفحة في علاقاتها مع العالم العربي. سيضطرها ذلك إلى الانتظار. أما الآن، فعليها أن تبتعد عن الأضواء وتقاوم الإغواء في أن تكون جزءاً من القصة. تلك هي بالكاد أجندة مثيرة، لكن يمكن الولايات المتحدة أن تقوم بأمور أسوأ ممّا لو قامت بالقليل.
(آغا هو أستاذ مساعد في كلية سان أنتوني في جامعة أوكسفورد؛ مالي هو مدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية وكان مساعداً خاصاً للرئيس الاميركي للشؤون العربية ــ الاسرائيلية من 1998 حتى 2001)
إعداد وترجمة: ديما شريف