ها هي مصر، أخيراً، تنفض عن جسدها غبار السنين وتستعيد قدّها وقديدها وقامتها وأفراحها، وتغادر كامب ديفيد مرة وإلى الأبد، وتعود الى أهلها بعدما استعادت روحها. استعادت روح ناسها، لتقرأ في كتاب سعد زغلول والظاهر بيبرس وصلاح الدين وحسن البنا وجمال عبد الناصر والأزهر الشريف، ولتستعيد ما كان يسمّى الضلع الغائب الذي كان ينبغي أن يحضر من زمان، حتى يكتمل مثلث القوة للأمة، كما وصفه مفكر مصر الكبير الراحل جمال حمدان: الوطن العربي وإيران وتركيا.ببساطة منقطعة النظير، أجاب المستنطق المصري مذيعة إحدى القنوات الفضائية عندما سألته، غداة يوم الغضب الأكبر يوم الجمعة الفائت، «ماذا ستفعلون الآن بعدما قرّر النظام قطع الاتصالات والإنترنت والفايسبوك؟». قال: «ببساطة، أختي الفاضلة، الناس جميعاً يعرفون موعد الآذان ويعرفون كم تستغرق صلاة الجمعة، ومن بعدها ستنطلق تظاهرات الغضب من كل مسجد... وتتلاقى الجموع الغفيرة على طريقة «الناس بوك» وليقطعوا ما يريدون قطعه. هذه شغلتهم هم، أما نحن فماضون على طريقتنا».
منذ زلزال الثورة الإيرانية الكبرى، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، الذي داهم الكيان الصهيوني على حين غرّة وأدهش العالم الغربي والشرقي حينها، ونحن نتناقش في ما بيننا، ثلة من الشباب، جمعتنا الكتيبة الطلابية الفلسطينية الشهيرة أو ما عرف في تسمية أخرى بـ«كتيبة الجرمق». يدور النقاش حول مسألة هامة: هل الناس بخير فعلاً والمشكلة في النخب المتعلقة أرواحها بمعادلة أصحاب اللغة الأكاديمية والأجنبية الصعبة، التي كانت تترجم كل شيء حتى طريقة المأكل والمشرب من كتب وكرّاسات جامعات الغرب؟ أم أنّ وضع الناس سيئ ولا فائدة من انتظار الفرج، فالناس نيام ولن تقوم لهم قائمة ما دام الوعي النخبوي لم يتسرب بعد الى الناس العاديين؟ وإنّهم، أي الناس، سيخذلوننا إذا ما دعوناهم الى القيام والثورة؟
كنا قلة قليلة، نحن القسم الأول من جماعة «الناس بوك»، يومها، الموجودين على أرض جنوب لبنان في إطار الثورة الفلسطينية. ولكن كنا متنوّعين جداً، فقد كان بيننا الفلسطيني واللبناني والمصري والتركي والإيراني والبحريني والمغربي؛ المسلم والمسيحي والدرزي والسني والشيعي والمتديّن واليساري. وكان قائد الكتيبة الروحي، منير شفيق، الماركسي اللينيني والمسيحي الفلسطيني الذي أسلم في ما بعد على يد الإمام الخميني الراحل. وكان فينا وبيننا من لم يكشفه الزمان، إلا بعد مرور عقود، عندما غيّر وجه المنطقة بقيادته الشابة والمتميزة لجماعة «الناس بوك» الطلائعيين من رجال الله في انتصارَي أيار وتموز.
اليوم، وأنا أطالع وجوه شباب وشابات مصر «الرجالة» و«الولادة» وهي تهتف للحرية وللثورة وللعدالة، وتعيد الروح للضلع الأول لمثلث القوة الذي لطالما حلم به المفكر المصري الراحل جمال حمدان، ومن بعده الراحل الكبير عبد الوهاب المسيري، أتذكر وأستحضر تلك الأيام. أيام حلوة ورائعة لمجموعات «الناس بوك»، في الكتيبة الطلابية الفلسطينية التي ضمت، يوماً، كل الذين آمنوا بأنّ ناسنا بخير وبأنّ المشكلة في النخبة المتغربة التي كانت ولا تزال تنتظر الفرج من وراء البحار وباللغات الأجنبية المعقّدة.
يُنقل عن القائد المصري الكبير سعد زغلول أنّه كان يوماً في زيارة لبريطانيا العظمى، وقد قيل له إنّه وفقاً للبروتوكول الموجب، عليه أن ينحني احتراماً للملكة. ولما جاء وقت أداء البروتوكول، لم ينحنِ سعد وظلت قامته فارعة. فحصلت بلبلة في الوفد المصري وبقي الجميع مندهشاً لا يملك إجابة عمّا حصل، الى أن انتهى اللقاء وسألوه عمّا جرى. فقال: «في اللحظة التي أردت فعلها، شدّني إحساس غريب وقويّ الى الوراء حتى ظننت أنّ الشعب المصري برمّته يقول لي لا تفعلها يا سعد، فاستجبت فعلاً للنداء ورفضت الانحناء للملكة إكراماً لطلب الشعب المصري العظيم».
إنّ ما يقوم به شباب مصر وشاباتها اليوم من تغيير، هو بمثابة استعادة واعية لوزن الوطن العربي كلّه. وعندما ينتهون من هذه المهمة الكبرى، سيتغيّر وجه المنطقة بالفعل.
من كان منا يتصور في السبعينيات أنّ بلاد «كلب الحراسة الأميركي»، ستتحوّل الى قاعدة متقدمة للمجاهدين من أجل فلسطين؟
لكن ذلك حصل، وها نحن نحيي الذكرى الثانية والثلاثين لمعجزة ذكرى ذلك العجوز التسعيني و«الناس بوك» الذين رافقوه، وهم اليوم أكثر إصراراً من ذي قبل، على تحقيق شعاره المفضل بعد سقوط عرش الطاووس: «اليوم إيران وغداً فلسطين».
من كان منا يتصور، في الثمانينيات، أنّ الطيب أردوغان، الذي اعتقل في بلد الأتاتوركية العلمانية لأنّه شارك في يوم القدس العالمي، الذي أحيته السفارة الإيرانية في اسطنبول، يقف اليوم على رأس حكومة قدمت شهداء في قافلة فك الحصار عن غزة. حكومة تقول «لا» كبيرة للكيان الصهيوني وتحذره من مغبة أيّ عدوان جديد على الفلسطينيين وتعتبره بمثابة اعتداء على تركيا.
إنّه يوم القطيعة مع «كامب ديفيد»، يصنعه أهل مصر الطيبون الأحرار من كلّ لون وطيف وطبقة، من الدلتا الى الصعيد. ونيلهم سيبلع فرعونهم قبل انبلاج الصبح، الذي بات أقرب إلينا وإليهم من حبل الوريد.
إنّه يوم مصر «الولادة» وهي تنادي بأعلى الصوت من ميدان التحرير وميدان الشهيد عبد المنعم رياض في القاهرة الى حي الأربعين في السويس، الى شوارع الإسكندرية الأبيّة بأصوات أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام ونوارة نجم وكلّ شعراء مصر وأدبائها وكتّابها ومناضليها: «مصر يامّه يا بهيّة هو رايح وانت جايية».
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي ــ الإيراني
16 تعليق
التعليقات
-
مبارك باع مصر بقانونمبارك باع مصر بقانون الخصخصاباع كل المصريان بمعنا ان جمال عبد الناصر امام وبنا شركات لالنهوض بمصر
-
شكرا على البرنامج المهم الناسشكرا على البرنامج المهم الناس بوك لانه يكشف كل يوم فضائح جديده للظالمين
-
شكرا على البرنامج المهم الناسشكرا على البرنامج المهم الناس بوك لانه يكشف كل يوم فضائح جديده للظالمين
-
جزء من قصيدةهذه الابيات كتبت يوم الاثنين الموافق 24 نوفمبر 2008 بعد خطاب للمخلوع مباشرتا (( النهارده مصر ولدت اطفال شباب شيوخ اسود .. كتبوا اسمك على المقابر خان الامانه وبددعهود .. واسمع رآى لشعب واعـى كاره جمالك فى الوجـود .. وإبقى اسمحلى نحنط دوده مـن قبـرك تمـوت )) *** الحمد لله الذى جعلنى اعيش واشارك فى هذا اليوم مع تحيات شاعر العروبه المهندس // أنورمحمد المصرى ـ اسكندرية
-
ام الدنيا ورافعة القومية العربيةلاخوتي واحبتي في مصر بنت النيل، عيون أهل الشام ترنو اليكم لتعانق شروق شمسكم المنيرة. لن أنظر عليكم، فعندكم تاريخ وحاضر يشهد فمن ربوعكم نبتت رياحين أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وسعد باشا وناصر وبين ظهرانيكم اليوم كبار انتم بهم ادرى كحمدي قنديل. لكني ارجو منكم ان لا تلتفتوا لاثنين اولهم المتلونون اصحاب المواقف المتذبذبة المتقلبة الناجحون فقط في تجارة المبادئ، وثانيهم الاسلام السياسي الذي لم يعطنا طوال قرن من الزمن الا النكبات والماسي. نصركم الله وايدكم في نضالكم ضد هرم النظام الذي أزلتم رأسه وعليكم أن تزيلوا قواعده من الأساس. واحذروا الفوضى التي يراد لنا ان ندخلها ولا نخرج منها.
-
الاحداث الراهنة هى مصروالله انا شايف ان مفيش محاكمات حتم لاى ولامبارك ولا اى وزير لان الوزراء كانو بيخذو اومرهم من مبارك بفض المظاهرات باى ثمن ام بالنسبة للسرقة فالرايس حرامى مش عايزين الوزراء يكون حراميه وبما ان الجيش طلب من مبارك ان يتنحى وسوف يحمية فابالتالى سوف يتغضا عن الحرمية الصغيرين
-
الرشوةالرشوةمازالت موجودة فاذا ادنا الاصلاح السياسى فلبد من القضاء على الرشوة الوجودة فى جميع المؤسسات حتى الجيش ... فالجيش حامى الثورة مازالت الرشوة ( الوسطة ).............. موجودة فية ...... فلبد من القضاء على الرشوة من صغار الموظفيين الى كبر الموظفين............
-
الحريةيسقط مبارك الذى دمر حياتنا هل يمكن نسامح ذلك الشخص هو ومن حولة ولما لا فانحن عيشنا ثلاثون عاما من الصمت ونحن لم نفعل شيا وهذة الثورة لن تغير شيئا الا الاتفلات الامنى
-
يسقط مباركالذى دمر حياتناهويسقط مبارك الذى دمر حياتنا هو ومن حولة هل يمكن ان نسامح الشخص الذى فعل كل هذا بنا نحن نعرف ان عصر النهضة هو عصر محمد على ثم رفنا ان عصر الفساد والتشرد والغباء والتخلف الظلم هو عصر مبارك
-
محاكمة كل الروس الفاسدةيجب علي النائب العام الاسراع في محاكمة كلا من الرئيس محمد حسني و احمد عز و حبيب العدلي وكل من تامر علي مصر كل الروس الفاسة كل من ينشر الشاعات كل من يهدد البلد يجب انا ان لا يخذ معهم الرحمة او الشافقة انا شاب مصر اسمي اسلام بحب بلدي
-
عن مصرمصر بعد الثورة بات عايزة تتنقل للعناية المركزة ومحتاجة دم متفلتر
-
ماذا فعلت الثورة؟الناس الى ماتت ماتوة لية عشان التغير طب فين التغيير دة احنا لسة خايفيين مش عارفين نعيش الدنيا غالية اوى كل حاجة بالعافية والبلطجة والهمجية احنا عايزين الاحترام والامان والحرية والمعيشة
-
يسقط مباركيسقط مبارك
-
الشباب المصري الواعد من حقةالشباب المصري الواعد من حقة الدفاع عن حقوقة المشروعة ونحنو مع حركة الشباب السلمية و نؤيدة راية فيما يخص مبارك وجميع الشعب يقولللللللللللللللللللللللللللللللههههههههههههههههههههها بمنتهاالحرية يسقط مبارككككككككككككككككككككككك
-
عظيمهذا الرجل يغير مواقفه كما يغير ملابسه..